الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تآكل الدولة الوطنية العربية..ونهوض القوى الشعبية!!(2)

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2020 / 3 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


((لكن هذا النهوض الشعبي سيأخذ عدة وجوه بعضها إيجابية وأخرى سلبية.. وقد تكون على الوجه التالي:
أولاً: بروز قوى وطنية ومقاومة شعبية!
ثانياً: قوى رجعية وفاشية دينية مقاتلة!
ثالثاً: عصابات السلب والنهب والقتل!)) (من ج1)

ومثل هذا النهوض الشعبي بشقيه الايجابي والسلبي سيبرز حتمياً عند ضعف الدولة الوطنية ، وعند عجزها أو تخليها عن أداء واجباتها كدولة وطنية مستقلة ، ليملأ تلك الفراغات التي عجزت الدولة عن ملئها.. وهذه حالة ايجابية تجعل من الجماهير الشعبية هي الحارس الذي يصون مقومات الدولة الوطنية ـ باعتبارها كياناً وطنياً وليس سلطة حكومية ـ ويحفظها من الانهيار الشامل والمدمر!
لكن ـ وبكل أسف ـ ترافق هذه الحالة الإيجابية وبصورة شبه حتمية حالات سلبية جداً ، تتمثل ببروز وظهور قوى فاشية يمينية راديكالية ذات إيديولوجيات متطرفة ـ كالقاعدة وداعش ومثيلاتهما مثلاً ـ تعمل على هدم الدولة والمجتمع معاً ، وكذلك تبرز معها مجاميع وعصابات للسلب والنهب والقتل الجماعي ، ومستعدة لتأجير خدماتها لمن يدفع أكثر بغض النظر عن هويته وهدفه النهائي ، حتى لو كان يريد تدمير الدولة والمجتمع!

وجميع هذه الحالات الايجابية والسلبية تظهر معاً ، وتتسلل من خلال ثقوب لشروخ كبيرة أخذت تغطي جسد الدولة الوطنية ـ العربية الحديثة خصوصاً ـ وتملأ من قبل [قوى من خارج الدولة ومؤسساتها الرسمية] بعد ظهور معالم الشيخوخة المبكرة على أنحاء جسدها كله ومفاصلها الرئيسية أعمالها اليومية ، فتحاول تغطية شيخوختها المبكرة هذه بمظاهر كاذبة من القوة ودكتاتورية قاهرة وقبضة أمنية حديدية ، وتصبح كالمتصابية التي تغطي بشرتها الشائخة بقشرة رقيقة من المساحيق والاصباغ ونفخ الشفاه ، لتغطي هي أيضاً عجزها التام وفسادها الشامل الذي غطى كامل جسدها!
وهذه مظاهر حتمية يلجأ إليها عادة كل نظام سياسي أو دولة عاجزة بعد انتهاء عمرهما الافتراضي ، أو كأنظمة سياسية من الطراز العتيق التي انتهى دورها ومهماتها فتجاوزها الزمن ، وأصبحت من الماضي البعيد الآيل للسقوط!
*****
وقد ظهرت هذه الشيخوخة المبكرة وجميع هذه الظواهر المرضية على جميع الأنظمة العربية ، بعد جملة وقائع كبرى شهدها الوطن العربي وجواره الإسلامي ، ولم تستطع هذه الأنظمة العربية معالجتها أو التكيف مع متطلباتها الحتمية.. وتتمثل الوقائع بــ :
أ‌) هزيمة حزيران المروعة عام 1967 : وانكسار الحلم العربي بالوحدة والتوحد والعدالة الاجتماعية والتقدم الحضاري!
ب‌) رحيل عبد الناصر المفاجئ عام 1970 : وغياب الاجماع العربي على أي زعيم عربي من بعده ، وظهور جيل من الزعماء العرب (الكذبة) المغامرين الباحثين عن المجد الشخصي كصدام حسين مثلاً ، والذي قام بحربين مدمرتين طلباً للزعامة ولمجده الشخصي!
ت‌) ظهور أنور السادات : وقيامه بالردة عن النهج الوطني الذي ارساه عبد الناصر والاتجاه نحو أميركا والغرب والصلح مع العدو وعزل مصر عن أمتها العربية ، واخلاله بالتوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني وفي داخل كل قطر عربي!
ث‌) الحرب العراقية الإيرانية : كنتيجة لمغامرات قام بها صدام حسين بحثاً عن الزعامة وعن مجده الشخصي ، فبدأت بها أولى معالم التفكك العربي!
ج‌) حرب الكويت : التي قام بها صدام حسين أيضاً ، واجهز بها على فكرة "الأمن القومي العربي الجماعي" وبدأ بعدها انهيار النظام الرسمي العربي بأكمله ، وبحث كل نظام عربي عن مصالحه الخاصة بعيداً عن العرب الآخرين ، والاحتماء بالغرب الاستعماري وجيوشه وقواعده العسكرية ، التي ملأت الخليج العربي أرضاً وماءً وسماءً ومعها وكثيرٌ من الاقطار العربية الأخرى .. صغيرها وكبيرها!
ح‌) حرب أفغانستان عام 1979 : وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الاشتراكي بتأثير تداعياتها ، وبروز ما عرف في حينها باسم "الأفغان العرب" أوائل تسعينات القرن الماضي وعودتهم لبلدانهم العربية لــ "يجاهدوا فيها".. فبدأت بهم دورة وموجة كبيرة من العنف الدموي والقتل الجماعي ، وتبلورت من خلال هذا العنف الدموي أفكار وتنظيمات اسلاموية عنفية.. كــ [القاعدة.. وداعش.. ومئات الاسماء المشابه] والذي بدأ بهم ولم ينتهي بعد ، وإلى يوم الناس هذا!
خ‌) الثورة الإيرانية عام 1979 أيضاً : وتأثيراتها الجوهرية في الواقع العربي والحراك الجماهيري ، واسقاطها للنظرية التقليدية التي تقول: ((لا ثورة بدون حزب ثوري)) واحلالها .. للــ [الجماهير الثورية محل الحزب الثوري في صنع الثورة]!

*****
لقد تجمعت كل هذه الأسباب والوقائع الخطيرة والجوهرية وتداخلت في بعضها ، فأدت إلى اضعاف الدولة الوطنية العربية الضعيفة أصلاً بنيوياً وواقعياً ، رافقها نهوض عربي شعبي كبير ـ وأخذ يحل محلها تدريجياً في الدفاع عن الوطن ـ تمثل: بالثورة والمقاومة الفلسطينية في البداية ، ثم بالمقاومة اللبنانية عام 1982 والتي تمكنت من تحرير بيروت وكل لبنان من الاحتلال الصهيوني في ذلك العام نفسه ، ثم فرض الهزيمة على الصهاينة وتحرير كامل جنوب لبنان من قذارتهم عام 2000!

وهذا النهوض الشعبي الكبير كان يقابله دائما تدهوراً وتفككاً لمعظم الأنظمة العربية ، فكانت هذه الأنظمة العربية ـ ومنذ تلك التواريخ ـ تنحدر وتتفكك باستمرار وتغوص في وحول الضياع أكثر فأكثر ، ففقدت ـ نتيجة لهذا ـ استقلالها وإرادتها الوطنية بعد أن ملأت أوطانها بالقواعد العسكرية الأمريكية والغربية و "التطبيع" العلني مع الأعداء الصهاينة لحماية نظمها المتهرئة ، والتحالف معهم ضد إرادة شعوبها وضد قوى مقاومتها الشعبية وحركات تحررها الوطني ودول الجوار الثورية ، وهي في الأصل أنظمة لا تعرف إلا أن تخضع وتخنع وتنهزم ، فمقاومة الأعداء ليس من طبعها ولا من طبيعتها ولا في أجندتها!

وبينما وصلت الأنظمة العربية إلى هذا الضياع والتيه الكبير ، كانت الجماهير العربية وقواها الحية تواصل نهوضها حتى وصلت إلى ذلك الانفجار الكبير والثورات العربية العارمة بداية العام 2011 , والذي لا زال صداه وموجاته الارتدادية تتردد بقوة في العراق ولبنان والجزائر والسودان بشكل متواصل ، وبشكل متقطع في أقطار عربية كثيرة أخرى!
*****
ومهما قيل ويقال عن تلك "الثورات العربية".. كالقول:
بأن هذه الثورات كانت نسخة أخرى من "الثورات الملونة" التي صنعتها الولايات المتحدة في أوربا الشرقية: كـ "ثورة البرتقال" في أوكرانيا و "ثورة الورود" في جورجيا و "ثورة الزعفران" في ميانمار و "الثورة القرمزية" في التبت .......الخ! أو اعتبارها إحدى التكتيكات التي اخترعها البروفسور الأمريكي (جين شارب) صانع "الثورات الملونة" أو للملياردير اليهودي (جورج سورس) ، وهذه جميعها تكتيكات اعتمدتها الإمبراطورية الأمريكية الأنجلو سكسونية لتصفية مناوئيها ، بالطرق السلمية والعصيات المدني والاحتجاجات والمظاهرات الكبيرة وشل الحياة العامة والخاصة..............الخ كبديل مجرب عن الجيوش والاحتلال والعنف وقتل الناس ، بعد أن خابت جيوشها وانهزمت في كل حروبها التي خاضتها:
في فيتنام والعراق وافغانستان والصومال.........الخ!

وحتى لو اعتبارنا كل هذا صحيحاً ، وهو صحيح مائة بالمائة لجميع الثورات الملونة المذكورة ، والتي أطاحت بأعداء الولايات المتحدة في أوربا الشرقية ، لكن هذا لم يكن صحيحاً بالنسبة للــ "الثورات العربية" ، لأنها منذ بدايتها قد أطاحت باخلص حلفاء الولايات المتحدة وعملائها المعروفين في المنطقة العربية ، أي نظامي (زين العابدين بن علي) و (حسني مبارك) ، وهذا ما يخالف طبيعة ووظيفة تلك "الثورات الملونة" والاهداف الأمريكية المرجوة منها ، لكن يمكن اعتبارها من تلك الثورات الملونة وتتوافق مع أهداف الولايات المتحدة :
o عندما أطاحت بنظام العقيد القذافي بالتعاون مع حلف "الناتو"!
o وبمحاولة اطاحتها بالسلطة الوطنية السورية ونظام الرئيس (بشار الأسد) ، بإشعالها لما يسمى بـ "الثورة السورية" الدموية المدمرة والمشتعلة منذ ما يقارب التسع سنوات ، وتجميع كل إرهابي العالم في سورية!
o وبخلقها للفوضى ـ الفوضى الخلاقة ـ العارمة التي خلفتها تلك الثورات في عموم الوطن العربي ، وكانت الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني هما الجهة الوحيدة التي استفادت منها!

ومرة أخرى مهما قيل ويقال عن تلك "الثورات العربية" ، وحتى وإن صدق مضمون "الثورات الملونة" عليها وكل هذا قيل في حقها ، تبقى في جوهرها (ثورات) تعبر عن حجم المعاناة التي يعانيها المواطن العربي والمجتمع العربي والشعب العربي برمته في واقعه الذي يعيشه ، وعن حجم المرارة التي يستشعرها هذا الشعب في أعماقه من أنظمته السياسية الحاكمة ، وعن مدى الذل والهوان الذي يقاسيه على أيديها .. وفي الجوهر الأعمق ، فإن هذه الثورات العربية تعبر عن رفض الاستلاب الداخلي والعدوان والاحتلال الخارجي والهزائم العرية المنكرة ، والمتكررة منذ ألف عام!

ومرة ثالثة مهما قيل ويقال عن تلك الثورات العربية ، فهي في التحليل النهائي من تلك "الثورات تاريخية الكبرى" التي غيرت وجه العالم ، كالثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الصينية:
فالثورة الفرنسية بقيت مشتعلة ـ بطرق مختلفة ـ لعدة قرون ، حتى جعلت فرنسا في النهايةً واحدة من الدول العظمى في هذا العصر ، أو هي كالثورة الروسية والثورة الصينة أو ثورات الشعوب الكبرى الأخرى ، التي صححت تاريخ شعوبها ومساراتها ووضعتها على طريق التقدم والتطور الحضاري الشامل ورفاهية العيش!

فالثورات العربية هي ثورات من هذا النوع ، فهي ـ رغم عثراتها الكثيرة والخطيرة ـ هي ثورات تصحيح تاريخي كبرى ، وستبقى مشتعلة ـ بطرق مختلفة أيضا ـ إلى أن تصحح جميع مسارات العرب التاريخية ، وحتى تصحح الوضع العربي برمته!
فطريق الثورات ليس مفروشاً بالورود وليس مستقيماً دائماً ، إنما هو متعرج وقد يعود إلى الخلف ألف خطوة ، قبل أن يأخذ مساره الصحيح ......... وهكذا هي الثورات العربية!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل


.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م




.. ساري عرابي: موافقة حماس على المقترح ستكون محرجة له مع أحزاب


.. أسرة الرياضيين تصل إلى القرية الرياضية في العاصمة الفرنسية ب




.. قوات الاحتلال تواصل اقتحامها لطولكرم في الضفة الغربية