الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم المراة العالمي.. نشوء النسوية الأردنية وملاحظات

فراس عوض
كاتب وباحث سياسي واجتماعي، ماجستير في دراسات الجندر، نقابي وناشط حقوقي

(Feras Awd)

2020 / 3 / 6
ملف 8 آذار/مارس يوم المرأة العالمي 2020 - مكانة ودور المرأة في الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي.


في عام 1956، خرجت آلاف النساء العاملات للاحتجاج على ظروف العمل اللاانسانية في شوارع نيويورك، تدخلت الشرطة بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات حينها، وفي الثامن من آذار عام 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع نيويورك، حاملات قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورد، رافعات شعار"خبز و ورد"، ر الوردة ترمز الى الحب والتعاطف والمساواة، والخبز الى حق العمل والمساواة فيه، وعلى اثر ذلك، خصص الثامن من آثار يوما للمرأة، غير انه لم يتم اعتماده عالميا من قبل الأمم المتحدة سوى في عام 1977، ليتحول هذا التاريخ الى رمز لنضالات النساء من أجل حقوقهن، والاحتفاء بانجازاتهن وتضحياتهن من أجل الحرية والكرامة والمساواة للبشرية جمعاء، وتختلف الدول بشكل الاحتفال به، وهناك دول تمنح النساء فيه عطلة رسمية.

تاريخيا، لم تكن المرأة الأردنية بعيدة عن تلك النضالات والانجازات، فقد ساهمت النساء الاردنيات بشكل عام فاعل في بناء المجتمع الأردني منذ تأسيس الإمارة، من خلال مؤسساتهن وجمعياتهن التي أنشؤوها منذ منتصف الأربعينات، ما اصطلح عليه "الحركة النسائية الأردنية " ، التي تشكلت كظاهرة حضارية وامتداد للحركات العربية والاقليمية والعالمية.
ساهمت عوامل عديدة في نشوء الحركة، كتطور واتساع المجتمع المدني، والتوجهات الرسمية ، والمواقف الدولية لقضية النساء، وانتشار ثقافة حقوق الانسان وحقوق المرأة كنهج قائم على حقوق الإنسان، فاتسعت حركة المجتمع المدني ابتداء من المجالس المحلية، التي يعود تاريخها الى عام 1883، وكانت الحركة النسائية حينها احدى مكوناتها.
بدأت النساء بالعمل العام من خلال تأسيس جمعياتهن عام 1944 ، حيث أعلن عن تأسيس جمعية التضامن النسائية، وقبلها جمعية النهضة الشركسية في عام 1925، والجمعية الارثوكسية في الفحيص التي عملت على محو الأمية، كما برزت ناشطات قبل ذلك يطول ذكرهن. انتقلت النساء بعد ذلك للمشاركة في النقابات والاحزاب والمنتديات الثقافية كإحدى مكونات المجتمع المدني ونشطن الى جانب الرجال، وتضمنت الأحزاب النساء في برامجها وهياكلها التنظيمية ولجانها، وان كانت غير مفعلة بالشكل الحقيقي آنذاك.

وفي مطلع عهد الإمارة، أدت السياسات الحكومية لتمكين النساء، الى التوسع بتعليم النساء على إثر قرار دائرة المعارف، وفتح مدارس خاصة بالاناث وتأسيس دور المعلمات لتخريج معلمات للعمل في المدارس، وبرزت حينها نخبة من النساء المتعلمات قدن المنظمات النسائية للمطالبة بحقوقهن.
أخذت السياسات الحكومية باتجاه النساء وحركتهن بالتبلور والوضوح التدريجي، وتم تضمينها في السياسات العامة الرسمية والخطط والاستراتيجية والتنموبة، الى جانب التوجهات الرسمية أمام المحافل الدولية، كمؤتمر بكين عام 1995، والجلسة الخاصة بالمرأة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت في نيويورك عام 2000. امتدت الخطط الاستراتيجية و توسعت بمشاركة القطاعين العام والخاص والأهلي، وتجلى ذلك بأنشطة اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، التي مزجت بين القطاعات الرسمية والخاصة ، فكانت الآلية الأولى من نوعها في المنطقة الجامعة القطاعات المختلفة، و توالى الاهتمام بحقوق النساء في العهد الجديد، وتمثل بضرورة تعديل التشريعات وتطويرها و المساواة أمام القانون، وزيادة مشاركتهن بالحياة السياسية والاقتصادية ، والحد من الظواهر السلبية التي يتعرضوا لها.

أعيدت صياغة توجهات الحركة النسائية بما يتماشى مع تطور الموقف الدولي من قضية النساء، والذي عبرت عنه المؤتمرات الدولية والعربية النسوية، حيث تطورت الحركات النسائية حينها من الطابع الاجتماعي الى السياسي، ومنها الحركة الأردنية، فظهرت اصوات تنادي بفصل السياسي عن الاجتماعي، و توجيه النقد اللاذع للاغراق في النشاط السياسي على حساب النسوي، دون النطر الى ضرورة العلاقة بينهما، في ظل الاوضاع التي كانت تعمل بها الحركة الاردنية والعربية والأقليمية، اضافة الى نشوء اتجاهات او تيارات فكرية تستلهم الليبرالية الجديدة وتحليلها لقضية المرأة، بعد ان كانت الحركة بملامح اشتراكية وعروبية تقليدية.
تمأسست الحركة النسائية والتفتت لمجالات جديدة كالبحث العلمي، والتخطيط الاستراتيجي، والعمل التشاركي، والعمل على قضايا نسائية أخرى كان مسكوت عنها، كالعنف الأسري، وغيره من القضايا.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين، ومع انتشار ثقافة حقوق الإنسان عالميا وعرببا واقليميا ودوليا و أردنيا، نتيجة توقيع و مصادقة الدول، ومنها الأردن على غالبية الاعلانات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، واتساع مديات مؤسسات المجتمع المدني الناشطة بالمجال، وزيادة الوعي بحقوق المراة، وتطور الفكر الحقوقي الدولي الانساني بشكل أعمق في حقوق النساء، وتطوير مفاهيمه. وكان من تلك المواثيق والاعلانات ميثاق الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين، العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي كانت ترتكز على مبدأ المساواة بين الأفراد، واحترام كرامة الفرد والحريات الأساسية للجميع بدون تمييز على أساس الجنس، اضافة الى اتفاقيات أكثر اختصاصا بقضايا النساء ، كمكافحة الاتجار بالأشخاص، وتحسين ظروف العمل والمساواة بالأجور، وسن الزواج وحماية النساء و الأطفال من الحروب، واتفاقيات تتعلق بالعنف ضد النساء، و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهي المرجعية الأهم للحركات النسوية لتعديل التشريعات بما يتوائم مع الاتفافية، وقع الأردن وصادق على الكثير من تلك المواثيق والعهود والاتفاقيات، و وضع معظمها حيز التنفيذ.

لا زالت الحركة بمختلف اتجاهاتها تبني على انجازاتها ونضالاتها، وتنفذ البرامج والفعاليات والورشات والندوات والمؤتمرات لتمكين النساء وتعزيز حضورهن في الحيز العام وزيادة مشاركتهن الاقتصادية والسياسية وتصحيح الثقافة المجتمعية تجاه المرأة ، بوصف قضية المرأة هي قضية بناء وحداثة وتقدم مجتمع، فالأمم التي تقدمت حضاريا وترتفع أرقام مؤشارتها التنموية هي الأمم التي نهضت بالمرأة والأسرة والطفل، واستثمرت طاقات أفرادها جميعا، ومكنت وحسنت أوضاع المرأة والطفل والفئات المستضعفة فيه.

لقد خطت الحركة النسوية الأردنية خطوات متقدمة، ولكن تبقى انتاجيتها أقل من المأمول، بالرغم تعدد الحركات والمؤسسات والجمعيات النسائية ، فلا زال صوتها منخفض، و لا بد لها من تغيير أدواتها ، فلم يعد أمام الحركة سوى تجسيد المفهوم التاريخي للحركة النسائية ولم شملها و توحيدها، والبناء على المشترك، وبناء حركة تضامن ديموقراطي والتشبيك والتقارب مع الاحزاب والنقابات والعمال وارسال الدعوات دون انتظار منويبدأ المبادرة، لا بد من استقطاب الرجال وعدم تهميشهم أو اقصائهم لا من المؤسسات ولا الفعاليات ولا من كافة مراحل التخطيط والتنسيق، ولا تهميش أدوارهم المجتمعية أيضا خلال الندوات والمؤتمرات، وجود الرجال ضمن الحركة كداعمين ومؤازرين ومناصرين، لا يقل أهمية عن وجود النساء، ان لم يكن أكثر تأثير، فلا يجب ان تعمل الحركة بمنأى عنهم، وان اقصائهم وتهميشهم سيولد لديهم مشاعر سلبية، تؤدي بهم بردة نحو اتجاه آخر أكثر تشددا تجاه النساء، فلا بد من ابقائهم في المجال، فخروجهم منه لا يخدم مصالح النساء والمجتمع والانسانية ، ولا يجب على الحركة النأي عن العمل السياسي وفصله الإجتماعي، فقضية المرأة قضية حقوقية بنيوية سياسية اقتصادية بامتياز ، واي عمل فيه اشتباك مع الرسمي هو عمل سياسي بالضرورة.
المراجع
1- الأمم المتحدة، اعلان ومنهاج بكين، 2000
2-التل، سهير، تاريخ الحركة النسائية 1944-2008، الأردن،2014
3-ويكبيديا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة