الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة في إضاءة جوانب الوحدة والتعارض بين الليبرالية والديمقراطية

سحر حويجة

2006 / 6 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أحد أبرز أشكال الصراع الدائر على الصعيد الفكري والسياسي، هو العلاقة بين الليبرالية والديمقراطية، في الوقت الذي حازت فيه الديمقراطية على إجماع الفاعلين في الوسط الثقافي والسياسي المعارض، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ما تزال الليبرالية مثار جدل واسع بدءاً من دورها إلى حدودها، حيث نرى أتباعها والمنظرين لها يصورونها بأنها جامعة مانعة، كلية، يحملونها أكثر ما تحتمل، حيث الديمقراطية، وحتى الديمقراطية الاجتماعية تبدو أنها أحد خصائص الليبرالية، هذا المنطق يجافي الحقيقية من خلال التتبع التاريخي لتطور الليبرالية، حيث إن الليبرالية والديمقراطية، عاشا مرحلة طويلة من الصدام، ولأن في عالمنا اليوم نجد الكثير من الدول تتبع الخط الليبرالي على الصعيد الاقتصادي، مثل دول الخليج العربي، ولكن دون ديمقراطية سياسية ، وهناك دول ليبرالية وديمقراطية، بدون علمانية، كما في لبنان، والعراق، لكن السؤال المهم الذي سأطرحه وأحاول الإجابة عليه، هل يمكن أن تسود الديمقراطية، بدون ليبرالية، أو بمعنى آخر ما هي علاقة الديمقراطية مع الليبرالية؟. هل يمكن التعامل بانتقائية، وفق رغباتنا في تحقيق ما نصبو إليه، سواء كنا ليبراليون دون أن نكون ديمقراطيين، أو ليبراليون ديمقراطيون أو ديمقراطيون لا يريدون ليبرالية، إلى أي درجة يمكن أن نحقق أهدافنا في مواجهة سلطة الاستبداد، التي تحكم بالتعسف والامتيازات خارج القانون، وخارج أي رقابة، أحد جوانب الشبه بأنظمة القرون الوسطى، في القرون الوسطى برر الملوك سلطتهم على أن حقهم في الحكم والقانون مصدره الآلهة، يبدو ذلك أرحم من أن يكون هذا الحق، مصدره قوة خفية أخرى، لا تطاق كأنها الشيطان.
الليبرالية هي ذلك البناء الاقتصادي السياسي والمعرفي نمت وترعرعت، ومرت بمراحل متعددة في أثناء تطورها :
لقد قامت الثورات الأوروبية المتعاقبة الإنكليزية، والأمريكية، والفرنسية، في سياق التحولات الكبيرة التي اجتاحت أوروبا قامت على منجزات عصر الحداثة ، ارتبطت بعوامل موضوعية كان أبرزها التطور الاقتصادي، بالترافق مع التطور العلمي في الفيزياء والفلك والرياضيات، قامت على أساس مشروع ثقافي تنويري، بدأت بالقطيعة المعرفية مع التصور الإلهي للقانون، وأسست بذلك للدولة العلمانية، هكذا ولدت الدولة الحديثة التي بدأت بشكلها الأولي بدولة الحق، حيث اعتبر أنصارها إن للإنسان حقوقاً طبيعية أساسها الحرية، تم نقلها من حالة الطبيعة، إلى حالة المجتمع، وأصبحت التعبير الحقوقي عن الطبيعة الإنسانية، كل إنسان يجب أن يكون حراً، مقتضى الحق أن يتصرف كل إنسان وفق مشيئته الحرة، هذا المبدأ صالح لكل الناس. في تلك الفترة سيطر القانون الطبيعي، وهو أحد أسس فلسفة القانون في القرن السادس عشر والسابع عشر، و هو أساس القانون العام. الدولة الكلاسيكية أفرزت أشكالاً متعددة قائمة على نظرية القانون الطبيعي، الحرية، المساواة هذه الكليات جميعاً مع الحرية الاقتصادية والعمل هي التي صنعت أوروبا الحديثة. و جسدت القطيعة مع الأشكال السياسية للدول الاستبدادية. كل شيء كان يفسر من خلال الفرد، وظهرت نظرية العقد الاجتماعي، روسو هوبز، مونتسيكو. واستمرت مسيرة الجدل من ديكارت إلى كانظ حتى وصلت إلى هيغل.
اعتبرت الفلسفة الليبرالية الإنسان مركز الكون، يكفي معاينة الأفراد وعلاقاتهم المتبادلة وهم على حالة الطبيعة، لنعرف صفة الحق الخاص في الانسان، وأقرت المساواة المطلقة في الحق، في الوقت الذي أكدت إن على البشر أن يعيشوا مستقلين عن بعضهم البعض وألا يرتبطوا إلا بعقود صالحة من الناحية الحقوقية، كل إنسان حر، حيث لا تمتد حرية الإنسان أبعد من هذا الحد. أما إذا قام إنسان بإكراه إنساناً آخر على القيام بعمل كان خرقاً لهذا المبدأ، هذا ما سمي بحدود الحق، مراعاة هذا المبدأ أمر أساسي.
هوبز قال الإنسان كائن شرير، تتحكم فيه الغرائز، إن الإنسان للإنسان ذئب، خلص إلى إن القانون الطبيعي الذي يحدد واجبات الإنسان مستمدة من حقه ا لطبيعي في المحافظة على نفسه، حيث أنه لا يوجد تدرج طبيعي بين الناس، ولا وجود للطبقات، أما الحاكم فهو مجرد شخص ينوب عن الناس، من أجل المحافظة على الناس، إذن الحقوق مطلقة، أما الواجبات نسبية، الواجبات هي تفويض من خلال عقد أبرم بين الأفراد والحاكم، تصل السيادة إلى الحاكم، دون قيد.

القانون منظور إليه في سياق تطوره التاريخي، وسيادته على الحاكم والمحكوم، هو ثمرة الأيديولوجية الليبرالية، مفهوم دولة القانون حيث تكون السلطة المطلقة للقانون، ولقد تطور القانون الطبيعي إلى القانون الوضعي، التشريعي. الليبرالية أكدت على العقلانية والعلم ضد الوحي، على الحرية ضد الاستبداد، أولوية الفرد ضد سحقه من المجموع.
. ارتبطت الليبرالية بحرية المشروع الاقتصادي على قاعدة العقلانية الاقتصادية، ودولة القانون على صعيد السياسية، كان لصدور شرعة حقوق الإنسان، أهم قاعدة للدولة الليبرالية، أهمية فائقة لتجسيد دولة الحق والقانون، ارتكزت على الدستور وأصبح الدستور القانون الأعلى، واعتمدت على مبدأ فصل السلطات.
شهدت المجتمعات الغربية الصناعية نموذج الدولة الليبرالية التي تقوم على أساس:
الفصل بين الدولة والمجتمع المدني، استقلال الدولة اتجاه المصالح الخاصة والطبقات في الحياة الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، على الصعيد الاقتصادي، التنظيم الذاتي من خلال السوق .
العلاقة بين الدولة والمجتمع تحدد عن طريق الانتخابات، بناء سياسي مدني يتجسد في مؤسسات مدنية تعتمد العمل الإيديولوجي، وأخرى عسكرية تعتمد العنف المشروع داخل حدود جغرافية محددة.
تم بناء فكرة الدولة على فكرة الأمة، تقوم على مبدأ فصل السلطات، حيث إن جميع السلطات مصدرها الأمة.
إن دولة الحق هي التي أسست لسمو القانون، وهذا يشكل أساس الدولة الديمقراطية، حيث أنه لا ديمقراطية من دون حق.
حاربت الليبرالية ممثلة بمصالح البرجوازية التجارية والصناعية المطالب الديمقراطية، و حاولت الحد من المطالب الديمقراطية، حيث إن الحركة الديمقراطية اتخذت طابع شعبي واسع، و اصطدمت بشكل أساسي مع قدسية حق الملكية، أحد مبادئ الليبرالية، في الوقت الذي أصبح هناك أغلبية غير مالكة، ووقع الإنسان فريسة للبطالة والفقر، مما يتناقض مع فلسفة حقوق الإنسان، كانت الحركة الديمقراطية تنادي بالمساواة، وتنادي بالعدالة على الصعيد السياسي والاجتماعي، لذلك اتخذت مسارات سياسية وأيديولوجية مستقلة عن الليبرالية، كان أحد هذه التيارات المطالبة بالديمقراطية اسمها الحفارون، سماها المفكر دي توكفيل طغيان الأغلبية، حيث رأى إن المساواة تهدد الفردية الممتازة، لم يكن هناك تطابق بين الديمقراطية والليبرالية، تعددت المحاولات لحل هذا التناقض، حيث كان الليبراليون يرفضون منح التصويت لمن لا يملك نصاباً معيناً من ا لملكية، ويؤدي الضرائب.
هناك تيار أيديولوجي ليبرالي آخر يمثله "جون ستيوارت ميل" وضع مطالب الجماهير الديمقراطية والحركات الشعبية والنقابات المطالبة بحق التصويت، في الحساب مع تحفظاته، حيث أنه لم يعطي هذا الحق للأميين، والذين لا يدفعون الضرائب مباشرة، ولكنه طالب بحق الفقراء في التعليم، أما المتعلمين أكثر يجب أن يكون لكل منهم أكثر من صوت.
على سبيل المثال لم يتم الاعتراف القانوني بالنقابات في بريطانيا قبل 1871 . إضافة إلى أنه كان هناك توتر كبير بين الليبرالية والديمقراطية في إعادة توزيع الدخل عن طريق الضريبة .
أوروبا اليوم هي حصيلة منجزات كل التيارات الليبرالية والديمقراطية، تهذبت حدود الفردية، وأصبح دور الطبقات فاعل، وأشكال الاجتماع لم تعد صيغة بسيطة من العقود، رغم أهمية هذا المبدأ، أصبح هناك الأحزاب والطبقات التي لم تتبلور في مرحلة الليبرالية الأولى، مازلنا نعود إلى منبع الليبرالية الصافي كما قدمها روادها الأولين رغم إن الواقع تجاوزها بكثير. حتى إن الأحزاب التي تطلق على نفسها صفة الليبرالية هي الأضعف في أوروبا، بعد أن اكتملت مفاهيم الحرية إلى حد بعيد، وأخذت الليبرالية تعني الحرية الاقتصادية، أو الحريات ا لزائدة، وأصاب الدولة ودورها تطوراً كبيراً، وتطور إلى حد بعيد المجتمع المدني، وكل الحقوق أصبحت مكتسبات لا يمكن لأي تيار المساس بها.
نحن علينا أن نهضم تلك التجارب العظيمة، أن نتمسك بكل ما هو لازم لبناء دولة حديثة لا دولة حديثة بدون دولة ا لحق والقانون، وهذه أهم منجزات المرحلة الليبرالية، و أهم شرط للديمقراطية ، لا ديمقراطية اجتماعية بدون ديمقراطية سياسية. كل مترابط لا فكاك لأحدهما عن الآخر إلا بنسف الأساس كله. أو إبقائه عاجزاً مبتوراً، مشوهاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة