الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني عشر

دلور ميقري

2020 / 3 / 8
الادب والفن


في شتاء العام التالي، توفيت حماة عيشو بذات الرئة. وكانت في أثناء اشتداد مرضها تردد اسمَ حسّو، وطلبت مراراً رؤية ابنه الوحيد، البالغ من العمر خمسة أعوام. غير أنهم لم يسمحوا له بالاقتراب من جدته، خوفاً من العدوى. في أثناء تعزية النساء مساءً، التي جرت في منزل المرأة الراحلة، دخلت خاني ثم انتحت بنفسها جانباً. شقيقتها، رمقتها طوال الوقت بنظرات فيها ما فيها من ازدراء وتشفّ. لاحظت عيشو ذلك، وكانت سبقَ وعلمت أن صغرى ابنتيّ حمّوكي قد خرجت من منزل آل سنجو، مطرودةً، عقبَ مشادة حامية: تحقق ما توقعته سارة، لما قالت لابنتها ذات مرة بأنّ نورو يتسلى ولن يعقد قرانه على خاني. كانتا آنذاك تتكلمان عن نيّة سلو الزواج بابنة سنجو، وهذا ما تحقق في خلال صيف العام المنصرم في أثناء سفر الحاج حسن إلى الحج.
" أعيش في الإسطبل بمنزل خالي، بدون علم أرملته اللئيمة. ممدوح هوَ من دبّرَ لي المكان، ويمدني كل مرة بالطعام "، قالت خاني رداً على سؤال عيشو. تكلمت بهمس كيلا تسمعها النساء الحاضرات، وبوجه خاص شقيقتها. عندئذٍ طلبت منها المضيفة أن تنتظر في حجرة المرحومة، لحين انتهاء أمسية العزاء. شاءت أن تقدم معروفاً لهذه المرأة البائسة، الضائعة. كانت مصممة في داخلها على حمل خلّو على موافقتها فيما ارتأت إليه. غبَّ إيابه من منزل أبيها، أين أقيم عزاء الرجال، قالت له عيشو: " خاني نائمة في حجرة المرحومة. لم يعُد من المقبول لسمعتنا أن يكون مصيرها التشرد تحت السماء، وهيَ خالة ابن أخيك "
" إنها مَن جلبت لنفسها الشقاء، ولا أضمن ألا تعيد سيرتها الشائنة مجدداً "
" لنعطها فرصةً أخرى، والله يقبل توبة الخاطئ "
" ما أخشاه أن يشتعل المنزل بالمشاكل بين الأختين، لأنك تعلمين ما بينهما من ضغينة "
" خاني مسكينة، وأضمنُ طبعها المسالم. أما الأخرى، فإنها تخشاك كثيراً "، ردت عيشو مبتسمة وقد سرّت في دخيلتها لنجاح مسعاها.

***
لكن ما لم تتوقعه عيشو بالطبع، أن تنفجر فضيحة في الحارة ويكون مصدرها منزلُ شقيقها الكبير. امرأته، وكنا قد علمنا مسبقاً أنها تعاني من اضطرابات عقلية، عثروا عليها في صباح أحد تلك الأيام الشتوية غارقة في بئر المنزل. أقدمت على الانتحار في ساعة متأخرة من الليل، وكان زوجها وقتذاك مسافراً في مهمة بناء على طلب معلّمه الجديد؛ " علي زلفو آغا ". الابن البكر، ديبو، هوَ مَن اهتدى إلى جثة والدته حينَ انتبه لاختفاء أثر الحصيرة، التي توضع على فوهة البئر في خلال الليل. كان حادثاً خادشاً لسمعة الحاج حسن، برغم أن الجميع يعلمون بمرض المرأة الراحلة، العقليّ. لكن جنازتها كانت حاشدة، وكذلك تعزيتها؛ ما يشي بمقدار احترام الحارة لزعيمها السابق. بعد أيام قليلة، ذهبت سارة إلى منزل المرحوم أوسمان كي تخطب ابنته سلطانة لابنها موسي. قالت لها شملكان، بصوتها المتعب بفعل الشيخوخة: " إنها ابنتكم، وفي وسعكم أخذها من الغد بملابسها ".
مع ذلك، دُفعَ للابنة مهراً مجزياً كي يكون جهازها على أفضل ما يُمكن، ثم جرى لها عرسٌ بهيج في بداية الربيع. زوجُ رفاعية، تعهّدَ إحياء الحفل بصوته العذب مع أنغام طنبوره. ابنته الوحيدة، " نظيرة "، ذات الأربعة عشرَ عاماً، جذبت أنظار النسوة المحتفلات بحُسنها المبهر وتدلّه حركاتها. إحدى قريبات والدتها من آل لحّو، وكانت جالسة بالقرب منها في خلال العرس، قبلتها مراراً وفي كل مرة كانت تهمس في أذنها: " سأجعلك عروساً لابني آدم، ولن يدعك تمشين إلا على الحرير! ". ثلاثة أيام على أثر العرس، وكانت تلك المرأة قد قدمت إلى منزل خلّو كي تخطب ابنة أخته. عقبَ ذهاب الضيفة، تناهى بكاء الابنة إلى مجلس خالها في الإيوان. قال لامرأته: " يلوح أن قلب نظيرة لا يميل لقريب والدتها، ولعلها شاهدته ذات مرة؟ "
" آدم شاب ذو خلق، فضلاً أنه مُجدّ في عمله بدكان والده. لكنه دلال البنات "
" إنها صغيرة على أي حال، والأفضل لو تطول الخطبة كي يحصل التفاهم بينهما "
" أنا قلتُ ما قلته، لأنه في عائلتنا كانت توجد مأساة اسمها نظيرة: إنها ابنة المرحومين عليكي آغا الكبير وليلو. لقد خطبها شقيقي موسي، لكنها فضّلت عليه شاباً رقيعاً ما لبثَ أن أذاقها الهوان بغياب والديها ثم ماتت قبل أن تضع جنينها "، تدفقت عيشو في سرد الحكاية. ثم سكتت قليلاً قبل أن تضيف: " لذلك أرى أن تتكلم مع أختك بشأن مستقبل ابنتها، وأنه سيكون مزدهراً مع زوج مثل آدم ".

* مستهل الفصل الثاني عشر/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR