الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحرب - أين اختفى “لعنة الله”؟

مصطفى علي نعمان

2003 / 4 / 13
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


اليوم الرابع والعشرون.

السبت، 12 نيسان، 2003

أين اختفى “لعنة الله”؟

نعم، أين اختفى “لعنة الله”، ومن يحزر؟

لعل أفضل لقب يعبر عن حقيقة، وواقع المجرم، العتيد، صدام هو “لعنة الله”، التي جلبها الشعب العراقي لنفسه، فابتلي بها طيلة أربعين سنة، منذ أن سمح للقطار الأمريكي أن يلوث تربته وحتى الآن!

بعد هزيمته المنكرة الشنعاء التي لا يتوقعها أحد، اختفى “لعنة الله”، "فص ملح وذاب" اختفى هو وبطانة اللؤم، وعصابة الشر، لكن أين؟

يتصور الأمريكان أنه في واحد مما يأتي:

1- قتل في قصف أحد المطاعم، في المنصور، وهناك "فرقة" تختبر الأنقاض، واستدعي طبيبه أسنانه الخاص، للتعرف إليه! وتلك قاعدة متبعة عندما، تتمزق الضحية إلى أشلاء، ولا يعرف أحد أن يد من تعود لجسد من، ورجل من كانت لمن، وحدها الأسنان تفضح صاحبها بوساطة أشعة أخذت لها في وقت ما.

2- أن يكون اليوم في سوريا، التي وصلها بقافلة روسية قصفت خطأً في الطريق، ولا أعتقد أنا شخصياً بذلك، فلقد اختفى هو وأولاده، وعصابته الحقيرة كلهم في وقت واحد، والقافلة لا تتجاوز الثلاثين، ولو كان فيها لأنكشف أمره.

3-أن يكون في العوجة، هو وكل عصابة الشر، من القتلة، والمجرمين، واللصوص، والحشرات التي رفعها “لعنة الله” إلى القمة، لتنفذ رغباته الضالة، وأتمنى أن يكون هناك، فسيعثر عليه، وعليهم عاجلاً، أو آجلاً، أحياء أو ميتين!.

العوجة قرية من أكواخ بائسة لعشيرة "ألبو ناصر"، المحتقرة، المنبوذة، قليلة العدد، أحالها "“لعنة الله”" إلى أرقى قرية في العالم، بقصور فارهة، وشوارع مبلطة مشجرة، ومرافق لا يحلم بها سوى المليونيرات، لكنه ليس "قطعاً" في تكريت كما تدعي أجهزة الإعلام الأمريكية! فليس كل أبناء تكريت مستعدين أن يموتوا معه، وفيهم الكثير، الكثير من كارهيه، والمتضررين من حكمه، ويشاركون بقية أبناء الشعب العراقي آماله الشريفة في العيش بسلام وأمن تحت ظل حكم ديموقراطي نظيف.

4- أن يكون في ملجأ سري، وملاجئ "“لعنة الله”" لا تعد ولا تحصى حسب، بل لا تحتسب، ولا تستقصى! لكن أفضل الملاجئ تخميناً هو حمرين! فلماذا حمرين؟

حسبما تناقل مواطنون أبرياء في السبعينات، وقبل الحرب العراقية الإيرانية أن “لعنة الله” بنى قصراً منيفاً في جبال حمرين الصخرية الجرداء، ومن لا يعلم ما هي جبال حمرين، فعليه أن يقرأ عنها، فهي بعيدة عن أقرب مركز حضري بنحو مئة وخمسين كيلومتر، ويبلغ طولها نحو خمسمئة كيلومتر، فما فائدة قصر يبنى على صخر أمرد، أجرد، لا ماء، لا نبت، لا حياة! أي ما جدوى قصر على خراب؟

يقال إن "“لعنة الله”" بنى تحت ذلك القصر سراديب، وأنفاق، ذات أبواب سرية، لا تطالها حتى أضرار قنبلة نووية!

فإن كان الأمر كذلك فهل انتقل إلى ذلك الملجأ؟ إن فعل ذلك فربما سيبقى هناك، نحو ستة أشهر، إلى سنة، وسيفاجئ العالم بعدئذ بهربه إلى مكان آمن، فهو لا يعدم الوسيلة! طائرات هيلوبكتر تقلع فوق جبال حمرين، لتصل روسيا، ومنها إلى مقره الأخير؟ سيفعل ذلك ما لم تدكه طائرات التحالف، فتقبره في ملجأه.

فمن يحزر أين “لعنة الله”؟

جنة علقات الدم:

لست أدري أ يتذكر البعض علقات الدم التي كان يربيها بعض المتطببين الشعبيين، لتمتص دماء بعض المرضى، وهي ديدان بيضاء مقززة، تمتلئ بالدم في لحظات، فيلجأ المتطبب الشعبي إلى الضغط عليها، فيفرغها من الدم، لتعود فتمصه من جديد، الديدان وعمليتها مقززة للنفس، إلى حد بعيد، ولقد قضت المستشفيات، والمستوصفات والتقدم العلمي على هذه الظاهرة في العراق، لحسن الحظ، وإلى غير رجعة!

لكن هناك نوع آخر من هذه العلقات، نوع خبير بمص دماء الشعب العراقي أحياها "“لعنة الله”" وأعني بها جوقة الشعراء، والكتاب المؤلهين له، والمطبلين لحكمه، يقف على رأس هذه العلقات المقززة الشاعر، البوق، المرتزق، عبد الرزاق عبد الواحد، والبارحة في جريدة الشرق الأوسط مقالة عددت بعض هؤلاء الشعراء، كرعد بندر، وعداي الطائي، وساجدة الموسوي، ونجمان ياسين، وغيرهم كثير، يعرفهم أبناء ومثقفو الشعب العراقي، وأدباؤه، وكتابه، ومبدعوه.

لحسن حظي، فأنا لم ألتق إلا بالقليل من هاتيك العلقات المقززة، أهمها، عبد الرزاق عبد الواحد، جمعتني به حافلة في الطريق إلى الأردن، آخر مغادرة لي لوطني، 1995 كان مدعواً لمؤتمر شعري في أندنوسيا، واستقبل استقبالاً خاصاً في جوازات طريبيل، فلم يسلم جوازه مثلنا " نحن عباد الله البسطاء"، يسلمه إلى المفوض، من الشباك، بل دخل على مدير الجوازات، وجلس عنده يحتسي الشاي، ولم تفتش حقائبه مثلنا، بل بقي عند المدير، حتى انتهت الإجراءات، ولم نره إلا عندما تحركت الحافلة لتقلع إلى الأردن، بعد ذلك انطلق لسانه، أمامي، "ربما سمع أنني أحد المغضوب عليهم" أو أنه اطمأن إلي بعد أن صارحته، ما أن تجاوزنا الحدود، "أن هذا هو آخر يوم لي في الوطن"، فانطلق يشرح لي امتيازاته الرهبية! وأنه سيبقى في العراق، بالرغم من أنه هرب ولدين له، وهما الآن في الخارج، ولم يبقَ عنده سوى ولد واحد، وهو يستعد لتهريبه من العراق، وعندما سألته لماذا لا يلتحق بولديه؟ قال لي إن البيت الذي أهدي له "قدّر" بأكثر من مليون دينار، قبل الحرب العراقية الإيرانية! على ضفة دجلة، مع مسبح كبير، وحديقة هائلة، ووو..أي أنه جنة، وأن راتبه …وذكر رقماً خيالياً!، وأنه لم يشعر بالحصار قط، وأن باستطاعته العيش برغد، ورفاهية يحسد عليها! فلماذا يخرج من الجنة؟

تذكرته اليوم! وتساءلت مع نفسي:

ترى ماذا سيحل بمثل هذه العلقات المقززة اليوم؟ وهل ستتخلى عن جنانها طواعية، أم …

السموم:

كلنا يعرف السموم، وبخاصة سم الأفعى! وتأثيرها، ويقال إن أشد السموم "السيانيد"، وتقتل قطرة منه الإنسان إن وضع على الجلد، فكيف إن وضعت تلك القطرة على اللسان؟

لكني أرى أن أشد أنواع السموم فتكاً ليس السيانيد، بل ما يفرزه اللسان! أي الكلمات!

من هذه السموم ما يتردد في غير مكان، ومما نشرته جريدة الشرق الأوسط هذه العبارة:

وصف مراقبون أمريكيون أن صدام، جعل العراق قوة اقتصادية عصرية في العالم العربي، وأنه شيد الشوارع، والمدارس، وأوصل الكهرباء إلى عدة مدن، وادعى إعلامي عربي، انه أنجز أكبر عملية تحديث في العالم العربي على مر العصور.

إن هذه أكاذيب مقززة، فالقوة الاقتصادية التي تأتت للعراق ليس بفعل صدام، بل بتصاعد مردودات النفط، ولم يفعل صدام شيئاً لمواكبة العصر باستثناء معامل السلاح، ومن يقارن الحالة الاقتصادية في العراق ودول الخليج يصاب بالإحباط، ويحتقر قادة العراق، والشعب العراقي قياساً بشعوب الخليج، فقير، وتعس، وغير مرفه، وكانت حالة المدارس في العراق مزرية، وإلى حد رهيب، ففي البصرة والموصل أكثر من 900مدرسة غير صالحة للتدريس، قبل الحرب العراقية الإيرانية، ولا توجد عشر مدارس في العراق، فيها وسائل تبريد كالمكيفات، بينما كانت مدارس دول الخليج كلها مكيفة للحرارة صيفاً وشتاءً، والفرق نفسه يبدو في المستشفيات، وبقية مرافق الدولة، كما لا توجد مدينة واحدة في العراق تتوافر على مجاري للصرف الصحي، بشكل كامل، حتى بغداد.

إن المعاصرة لا يمكن أن تكون بتطوير الجيش، والأمن، والقوات المسلحة فقط، كما فعل “لعنة الله” في العراق، بل بتطوير الزراعة، والتجارة، والصناعة، وإقامة مؤسسات ديمقراطية شعبية، يحس بها الشعب بالأمن، والاستقرار، وعند مقارنة العراق تحت حكم "“لعنة الله”" بالإمارات العربية نرى البون شاسعاً جداً، فالمواطن الإماراتي يشعر بالفخر لأنه ينتمي إلى وطن، يعزه ويحترمه، ويستطيع أن يبدع فيه، ويشعر فيه بالأمن والسلام، والازدهار، أم في عراق "“لعنة الله”" فالمواطن خائف من الأمن، من المخابرات، من اللصوص، من الحزبيين، خائف من كل شيء، لا يشعر بالأمن قط، فلماذا لا يخجل بعض الناس، ويكفوا عن نشر سموم اشد فتكاً من سم الأفعى، ومن السيانيد؟

 









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة