الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عن عائشة: الفصل الثاني عشر/ 2

دلور ميقري

2020 / 3 / 9
الادب والفن


بعد العرس بأيام، غادر موسي الدار في مهمة عمل جديدة. لما أوصى سلطانة بأولاده، عقفت فمها ولم تجب سوى بهز الرأس. أصغر الأولاد، " فيّو "، كان بحاجة لعناية خاصة كونه لم يكمل بعدُ العام من عمره. اليتيم المسكين، لم يكن قد تعرّفَ على والدته، وذلك بسبب سنّه الغضة علاوة على ما كان من نوبات مرضها العقليّ. لم يكن غريباً، إذاً، توهمه أن سلطانة هيَ أمه. لكن بمجرد أن غابَ زوجها عن ناظرها، سددت ركلة للطفل كيلا يحاول مجدداً الاقترابَ منها. هُرع ديبو على صوت بكاء الغلام، وكان هذا ما زال مطروحاً على وجهه بينما شقيقتاه ترتجفان خوفاً. فهمَ جليّة الأمر، وكان منذ البداية يُدرك أن امرأة أبيه تستثقل وجودهم في الدار. على الأثر، جدّت أول مشادة بينهما. برغم صغره، تمتع ديبو ببنية قوية. غير أن الخالة تمكنت من تأديبه بالعصا، وكانت ترتجف غضباً لأنه وصفها بلقب يُثير جنونها؛ " هارون "!
على تلك الحالة من التوتر، وجدت سارة دارَ ابنها البكر حينَ قدمت كي تطمئن على الأسرة بغيابه. كانت قد قضت مؤخراً عشرة أيام في الزبداني، بصُحبة ابنتيها. ألقت نظرة جزعة على أحفادها الصغار، وكانوا في حالة يُرثى لها من الإهمال وربما الجوع أيضاً. لاقتها سلطانة بسحنة صفيقة ومصطنعة، مصبوغة بالطلاء والبودرة. بينما الجدة تهدهد الغلام الباكي، راحت تستمع لسيل من شكاوى الكنّة عن ترك الزوج لها وحيدة بلا موارد. علّقت سارة بنبرة اتهام: " قبل العرس تفقدتُ مؤنَ الدار، وكانت تكفي لعشيرة، وها أنتِ الآنَ تشكين من القلة؟ ". بقيت سلطانة دونَ جواب، مكتفيةً بهز أطراف ردائها بحركة عصبية. استمر الغلام بالبكاء، وهذه المرة كان يحك أذنه بشدة. أمالت الجدة رأسه إلى ناحية الضوء، وراحت تتفحصه. فما لبثت أن أطلقت صرخة رعب: " رباه، أذن الطفل يغلي فيها الدود ". بغير حاجة لسماع جواب، هُرعت مع الحفيد لتغادر الدارَ. في ذات اليوم، عقبَ فحصه الغلام، قال الطبيب " الكحّال " لسارة أن الأذن معطوبة ولا رجاء من علاجها سوى بعملية جراحية معقدة. ثم أضافَ: " لكن هذا النوع من العمليات متعذرٌ في بلادنا، بسبب نقص الأجهزة اللازمة وأيضاً الخبرة الطبية ".

***
لم يكن الحال أفضل كثيراً في منزل سارة، وتحديداً منذ قدوم عروس ابنها الآخر، سلو، وكانت أيضاً تحظى بلقب لا يقل تشنيعاً؛ " شارب الشيطان ". من مكانها في الإيوان، كانت الأم تستمع مع رجلها للأصوات والضحكات، الصادرة من حجرة الابن والتي لم تكن سوى المضافة. لقد تصرف سلو على سجيته بغياب والده في الحج، قائلاً أن هذا لم يعد بحاجة لمضافة بعدما تقاعد من وظيفته كزعيم الحي. وقتما كان الغداء يجمع الأسرة، كان الابنُ يتلو آيات الإعجاب بجمال امرأته ورقتها غيرَ مبالٍ بوجود والده. أكثر من مرة، عبّر الأبُ عن مدى ضيقه، بترك السفرة وهوَ يدمدم بذكر الله والاستعاذة من الشيطان الرجيم. فما أن يخلو الجو، إلا وتطلب هَدي من زوجها سيجارة. فيقدمها لها مشتعلة، مغروزة في رأس مبسمٍ، مظهَّر بالفضة. تتناول المرأة المحظوظة المبسمَ، وعلى سحنتها تنوسُ بسمةٌ صفراء.
" رابعة أضحت عروساً ذات جمال رائع، وفي نيتي تزويجها لابن عمي نورو "، كذلك فاهت هَدي ذات يوم بحضور حماتها. وكان هذا فوق احتمال سارة على ضبط نفسها، فما كان منها إلا صفع المتحدثة بالقول: " باكراً بعدُ على ابن عمك، وقد تجاوز عمره الثلاثين! ". قبل أن تنطق الأخرى حماقة ثانية، نهضت الحماة وغادرت الإيوان دافعة أمامها ابنتها المعنية. عصراً، زارت ابنتها الكبيرة ولم تكن قد هضمت جملة الكنّة الكريهة. جلستا في الإيوان، بينما الأطفال يلهون بأرض الديار. لما سمعت الابنة من أمها باعث الكدر، لم يكن في وسعها ألا أن تطلق قهقهة طويلة. قالت بنبرة ساخرة: " بنات سنجو يعتقدن أن ابن عمهن الأبله يحكم القشلة العسكرية، وتحيرنَ في أمر العروس المناسبة لمقامه. الحقيقة، أن خاني برغم وضعها المزري كانت كثيرة على رأسه "
" نعم، ثقتهن بأنفسهن هيَ أكثر ما يُثير الحنق. ولم يكن ذلك منهن إلا بسبب رجل أحمق، كأخيك سلو. إنه ما يفتأ غير مصدق أنه حظيَ بالمسترجلة ذات شارب الشيطان، بعدما جعلها بلاءً فوق رؤوسنا "، قالتها الأم وهيَ تنفخ بقنوط. ثم أضافت: " لا، وهيَ تتمادى وتريد أن تحمله على الموافقة على رمي وردة مثل رابعة إلى مزبلة عائلتها "
" الشكر لله أن أبي في صحته، وأنه لا يطيق مجرد سماع اسم تلك العائلة "
" الحاج لن يبقى لنا طويلاً، أطال الله بعمره. يا ويلنا مما تخبئه الأيام "، ردت سارة بنفس النبرة. عشرة أعوام ستمضي على هذه المحاورة، وستتذكرها المرأتان عندئذٍ: ذلك كان عندما وافق موسي على إعطاء ابنته أمّو لنورو، وكان الرجل قد تجاوز الأربعين فيما هيَ كانت في الخامسة عشرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR