الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كهف أفلاطون والديمقراطية السورية

ضيا اسكندر

2020 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


تتلخّص قصة كهف أفلاطون بأن مجموعة من السجناء تم تقييدهم في كهف منذ نعومة أظفارهم. وجوههم باتجاه جدار الكهف وظهورهم باتجاه بابه. ولا يمكنهم تحريك رؤوسهم أبداً. يمرّ من أمام باب الكهف الناس والطيور والحيوانات، وترتسم ظلالها على جدار الكهف بفعل ضوء الشمس، فيرى السجناء لسنواتٍ طويلة تلك الظلال التي لها نفس الشكل الخارجي للأجسام المعترضة للضوء. ويظنُّ السجناء أن الصور والظلال التي يرَوْنها على الجدار أمامهم ما هي إلا كائنات حقيقية. وأن الأصوات التي يسمعونها في الخارج هي أصوات الظلال المرسومة على الجدار.
يتم إعتاق أحد السجناء ويخرج من الكهف فتصطدم عيناه بأشعّة الشمس، يَنْشدِه وتتشوّش الرؤية لديه ويلتبس الأمر عليه؛ فهو لم يألف رؤية الناس والطيور والحيوانات على حقيقتها، بل كان يرى ظلالها. وبالتالي يصعب عليه تصديق ما تبصره عيناه، فالحقيقة هي تلك الظلال التي دأب على رصدها سنين طويلة. إلى أن يعتاد تدريجياً على تقبّل الحقيقة التي كانت غائبة عن مخيلته، ويقتنع بأن الظلال ما هي إلا انعكاس لصور تلك الأجسام على جدار الكهف. ويقرر العودة إلى الكهف حيث عالم الظلال والأوهام، ليحدّثَ رفاقه عن الحقيقة. ولدى دخوله حيث الظلمة، يشعر بأنَّه أُصِيبَ بالعَمَى، تماماً كشعوره عند الخروج من الكهف؛ لهذا يشعر السجناء المقيّدون أن خروجَ صاحبهم من الكهف، هو ما قاده إلى تلك الحالة من العمى والضرر؛ لهذا يقرّرون عدم الخروج من الكهف والبقاء فيه. بل والتفكير باللجوء إلى قتل أي شخص يسعى إلى إجبارهم على الخروج.
وإذا أسقطنا كهف أفلاطون على الواقع السوري، فإننا نجد أنه منذ عام 1958 وسورية تعيش في ظروف كمِّ الأفواه والبطش والتنكيل بكلِّ الآراء التي تخالف نهج السلطة الحاكمة. وبات النشاط السياسي العلني مقتصراً على الحزب الحاكم، مع بعض فُتات من الحرّيات لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية المتآلفة مع حزب البعث، بل والمدجّنة إلى درجة انفضاض جماهيرها عنها. وأضحى وجودها وعدمها سيّان تقريباً.
وحيث أن شعبنا لم يعاصر تاريخياً إلا انخفاض منسوب الحريات المروّع، وتدخّل الأجهزة الأمنية في كل تفاصيل الحياة، جعلت الناس في حالة رعب شديد لدى الاقتراب من القوى السياسية المعارِضة. حتى أنها تعادي من يسدّد ضريبة الدفاع عن حقوقها. واعتمدت مبدأ التّقيّة والتملّق واستمراء وضعها المزري على كافة الصّعد. ودفَعَها هذا الوضع المزري إلى اليأس والتشاؤم وفقدان الرجاء من أيّ تغيير جدّي في حياتهم نحو الأفضل.
ولدى الحوار معهم مثلاً عن أن القرار الدولي (2254) المتعلّق بحلّ الأزمة السورية سيُفضي إلى تغيير الدستور، وتشكيل حكومة انتقالية تشمل النظام والمعارضة، وإلى إطلاق الحريات، وسيكون بمقدور كافة القوى السياسية التعبير عن مواقفها عبر قانون إعلام جديد، يتيح للجميع النشاط الحرّ دونما عقوبة منتظرة من قِبل الأجهزة الأمنية، التي سيُعاد هيكلتها وتحديد وظائفها بما يحقّق الأمن والأمان ويخدم مصالح الشعب. وأنه بانتهاء المرحلة الانتقالية بعد عام ونصفٍ من بدئها، ستجري انتخابات نيابية ورئاسية شفّافة ونزيهة وبإشرافٍ دولي.. يهزّون رؤوسهم مشفقين على تصوّراتنا؛ فهم لم يشاهدوا في حياتهم سوى العذابات المتراكمة و(الظلال)، وبالتالي لا يمكنهم تخيّل حدوث الأفضل، فيعقّبون بسخرية: «هذه أمنيات وأحلام.. والنظام بعد أن انتصر عسكرياً، لن يُقدِمَ على تقديم أيّ تنازل، وسيبقى الوضع على ما هو عليه إن لم يكن أسوأ!». نجيبهم بأن القرار المشار إليه في حال تطبيقه سيكون تظهيراً لتغيّر ميزان القوى الدولي لصالح القوى الصاعدة (روسيا والصين ومن يدور في فلكهما) وسينعكس إيجابياً على الوضع السوري. وأن كل المعطيات تؤكّد بأن التسوية السياسية باتت قريبة بعد تذليل الكثير من العراقيل والعقبات. يردّون باستخفاف: «لم يسبق أن طُبِّقَ قرارٌ دوليّ واحد لمصلحة الشعوب. وها هي القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية على سبيل المثال، أمْسَتْ صفراء في أدراج مجلس الأمن».
نعم، هذا هو الواقع المرير للأسف؛ فخَيْبات الأمل المتلاحقة طوال عقود، فعلت فِعْلها في بقاء العقل السوري في عالمه المغلق. في كهفه وقيوده المفروضة عليه من الآخَر. في تلك القيود التي فرضها أيضاً على نفسه.. وسيبقى كذلك، إلى أن يُدرِكَ نورَ الشمس، ويَعِي الحقيقة، ويتخلّص من عالم الظلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح