الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جذور الاستبداد في العقل السياسي العربي
نضال العبود
2006 / 6 / 7مواضيع وابحاث سياسية
ليس من السهولة بمكان التأريخ لأحد أهم المفاهيم الفكرية مثل الحرية و أحد نقائضها "الاستبداد" ، فهو أمر عسير و معقد في جميع الثقافات، إذ أنه يمر بمراحل مختلفة، متأثراً بظروف اقتصادية اجتماعية معينة، ذلك أن المفهوم يتغير متأثراً برؤى دينية و سياسية و اجتماعية متباينة.
تأثر مفهوم الحرية في التاريخ العربي الإسلامي بأمرين أساسيين:
1- بالمذاهب الدينية، فالنصوص القديمة لم تتحدث عن الحرية بالمعنى السياسي للمفهوم، و إنما أسهبت في الحديث عن الاختيار مقابل الجبر، و جاء الحديث عن الحرية باعتبارها نقيضاً للحرية، و لكن ذلك لا يعني غياب الشعور بالحرية في مقاومة مظاهر الظلم و الاستبداد، كما عبرت عن ذلك الانتفاضات الاجتماعية التي تزعمتها طبقة العامة في تاريخ المدينة العربية الإسلامية، فهي انتفاضات ذات محتوى اقتصادي اجتماعي، يعبر عن شكل جنيني من أشكال الصراع الطبقي.
2- ظاهرة العبودية، و هي ظاهرة راسخة في الحضارات القديمة، و في المجتمع العربي قبل الإسلام، و قد سعت الدعوة الجديدة إلى القضاء على هذه الظاهرة، إلا أن ذلك لم يكن ممكن تاريخياً و بخاصة بعد التطور العمراني الذي عرفه المجتمع العربي الإسلامي في القرون الستة الأولى للهجرة. أصبح الرقيق يمثلون وقتئذ قوة منتجة هائلة، و قد حال هذا العامل الاقتصادي إلى جانب عوامل أخرى من التخلص من ظاهرة الرق و العبودية.
دشن معاوية بن أبي سفيان مقولة الإيديولوجية الجبرية الأموية و التي سيكون لها بالغ الأثر في العقل السياسي العربي في المراحل التاريخية اللاحقة و التي ستمتد إلى وقتنا الراهن. فقد زعم معاوية أن الماضي خير من الحاضر، و الحاضر خير من المستقبل. خاطب سكان المدينة قائلاً: " فاقبلونا بما فينا، فإن ما وراءنا شر لكم، و أن معروف زماننا هذا منكر زمان قد مضى، و منكر زماننا معروف زمان لم يأت". و لما قدم زياد بن أبيه إلى البصرة عاملاً لمعاوية عليها ألقى خطبته المعروفة "البتراء" ، قال: " أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة، و عنكم ذادة، سنسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، و نذود عنكم بفيء الله الذي خولنا ...".
حاولت الإيديولوجية الجبرية الأموية توظيف النص الديني توظيفاً سياسياً مكشوفاً لتجريد الإنسان من قدرته على الاختيار، و على التمييز بين القبح و الحسن العقليين، و فرض الطاعة لأصحاب السلطان. و لم يقتصر التنظير للإيديولوجية الجبرية على أصحاب السلطان، بل جند له خطباء المساجد و الشعراء و غيرهم، و بلغ الأمر إلى وضع الأحاديث و نسبتها إلى أساطين رواة الحديث بغية فرض الطاعة للسلطان الأموي و إعفاء الخلفاء من الحساب يوم القيامة، من قبيل الحديث التالي، أن النبي قال : " الأمناء ثلاثة جبريل و أنا و معاوية" ، طبعاً إنه نص مضحك ملفق لا يقبله ذو بصيرة.
لم يقبل كثير من المسلمين مقولات أنصار الجبرية و حججهم و انبرت تيارات مختلفة للرد عليهم، مؤكدة أن الإنسان مخير، و ليس مسيراً، و بالتالي مسؤول عن أفعاله و أبرز هذه التيارات، التيار التنويري المعتزلي الذي أسهم في إعطاء بعد سياسي لمفهوم الحرية بنشره مقولة الاختيار بين الناس، و إقامة الحجة من خلال النص الديني على أن الإنسان مخير و ليس مسيراً.
غاب الجدل حول مسألة الجبر و الاختيار، و التنظير لشرعية السلطة السياسية بعد بروز سلطة الجند، و أصبحت الفرق الانكشارية هي دعامة السلطة، و قد استفحل هذا الأمر مع مجيء السلاجقة، و استمر مع العثمانيين، و رافقتها ظاهرتان جديدتان :
- طغيان الإقطاع العسكري في المجال الاقتصادي،
- التحام مدرسة النقل : الأشعرية مع السلطة السياسية ذات الطابع العسكري.
الحرية في العصر الحديث
إن مفهوم الحرية بمعناه السياسي، و الذي استعمل نقيضاً للحكم المطلق الاستبدادي لم تتضح سماته، و لم يستعمله رواد حركات التنوير العربي لمقاومة النظم الاستبدادية إلا في بداية النصف الأول للقرن التاسع عشر. حاول هؤلاء الرواد اقتفاء آثار حداثة عصر الأنوار في أوروبا و التي يمكن تلخيصها في أربع مقولات:
1- مقولة "لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه".
2- المقولة الثانية تدمج العقل في ثالوث يقوم على العقلانية، الحرية و العدل السياسي.
3- المقولة الثالثة: تحرير التاريخ و الإنسان من أسطورة الحتمية.
4- المقولة الرابعة: تتعلق بشرعية السلطة و كان السؤال الذي طرح هو: من أين تستمد السلطة السياسية شرعيتها للتحكم في رقاب الناس و مصالح المجتمع ؟ هذا السؤال الذي برز من خلال صراع الفكر مع الواقع المعقد التي سيطرت عليه في أوروبا قوتان رجعيتان: قوة الكهنوت الكنسي و قوة النظم السياسية الاستبدادية.
فحداثة عصر الأنوار هي الحداثة التي دشنت عصر الإنسان، و حررت إرادته ليعي أنه صانع تاريخه، و هي التي أزالت طابع القداسة عن الحكم، فالسلطة شأن إنساني دنيوي لا علاقة له بالسماء، فالإنسان وحده و عبر نضاله الطويل له الحق في اختيار أفضل أنماط الحكم لتسيير شؤونه، و له وحده الحق في تغييرها، إذا لم تستجب لمصالحه، و الحداثة المطلة من عباءة فلسفة الأنوار تعني العلاقة الوثيقة التي لا انفصال لها بين مفهومين: العقلانية و التحرر ، فالعقلانية لا معنى لها دون أن تكون في خدمة التحرر، و يضحي التحرر، و ما يقارن به من حريات و حقوق و ديمقراطية، دون عقلانية مستحيلاً .
بين الماضي و الحاضر
لم يتقدم المجتمع العربي السياسي قيد أنملة منذ زمن معاوية بن أبي سفيان، فقد أعيد إنتاج الاستبداد تحت أشكال و مسميات شتى، كلها استلهمت أفكارها من النظرية الدينية أو النظرية القومية الثورية أو من تحالفهما معاً، و ظهرت أنظمة فاقدة للشرعية، أمعنت في قمع الإنسان العربي ، اغتالت عقله و حالت دونه و دون حريته المستباحة ، و أباحت ثرواته و نهبتها، فكانت بمثابة الاستعمار الداخلي، متلفعة بشعارات جوفاء لا تسمن و لا تغني من جوع، استخدمتها لممارسة أبشع أنواع التضليل الفكري، و كانت أحد الأسباب الرئيسية لتخلف المجتمع العربي الراهن عن اللحاق بالركب الحضاري.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. قصف إسرائيلي على أرجاء قطاع غزة مع اشتداد المعارك في شرق رفح
.. أوكرانيا، روسيا، غزة: هل ستغير الانتخابات البرلمانية الأوروب
.. أوكرانيا: موسكو تشن هجوما بريا على خاركيف وكييف تخلي بلدات ف
.. لبنان.. جدل واتهام للمسرحي وجدي معوض بالعمالة لإسرائيل
.. متاعب جديدة لشركة الطيران الأمريكية بوينغ.. واختفاء مجهول لع