الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( الشعر اذ يقيم خارج النص - انتصار سليمان في( أبشرك َ بي

ياسر اسكيف

2006 / 6 / 8
الادب والفن


شيء ما يأخذ نصوص ( أبشرك بي ) , الكتاب الشعري الرابع للكاتبة انتصار سليمان , بعيدا ً عن نصوص مشاركيها في الكتابة الشعرية , وفي الهم الذي يخلقه البحث عن أشكال جديدة للتعبير عما يفترض بأنه تجربة جديدة في التعاطي مع الكون وموجوداته . والغريب أن هذه النصوص قد أخذتني , كقاريء , إلى استحضار تجارب أجيال سابقة , فنيا ً وشعوريا ً . مع أن بعض النصوص , وخصوصا ً في القسم الأول من الكتاب , تقترب من إنجاز انتمائها إلى الذات النصيّة , وبالتالي إلى جنسها الأدبي :
( باغتك بحضوري كاملا ً / فرحت تقسّمني / كالأرض المشاع / كان يكفي اختصاري / بقولك : / أنت ِ ظلّي / حتى ألملم ما تبقى مني / وأرحل’ / بوجع يشبه وجعي الآن . ص 9 )
غير أن هذه النصوص سرعان ما تأخذ مقعدها الخلفي في صالة المنجز الشعري الجديد , دون إضافة تذكر , بل كزيادة كمية في مساحة التشابه :
( تتألم النظرة مني / حينما / لا تلقى ابتسامة تتلقفها . ص 17 ) أو ( خمس سنين / قنديل قلبي / يفتش عن كف رحمة / تمسح جبيني المتصدّع . ص 21 )
وفي بعض الأحيان تلجأ الكاتبة إلى تدوين ما يمكن تسميته أقوال مأثورة على أنّه نص شعري : ( كلهم يلعن الظلمة / لكنّهم دائما ً / يقولون : / الليل أستر للويل / كلهم يلعن الظلمة / لكنهم جميعا ً / يلبسون أجنحة الخفافيش . ص 41 ) .
وهنا لابد من الإشارة إلى اللبس الحاصل من استناد البعض إلى ما تم رصده وتوصيفه كملامح أو سمات للكتابة الشعرية الجديدة التي اصطلح على تسميتها ( قصيدة النثر ) وتحديدا ً ( الومضة الشعرية ) فقد ظن الكثيرون بأنها تعني المقطع القصير فحسب . جاهلين بأن تلك الومضة تحدث في ذات المتلقي ولا تقيم في المقطع .


في القسم الثاني من الكتاب , والذي جاء تحت عنوان ( لتكن مشيئتي ) ومن خلال القراءات المتتالية للنصوص , بدأ الجواب على تساؤلاتي المطروحة , في بداية هذا المقال , يتشكل بعسر . قد يكون الجواب الخطأ . لكنه جواب أخرجني من حيرتي .
النصوص لا تستند أو تقوم على الأوزان الكلاسيكية ( عمود – تفعيلة ) ولا تلتزم قافية . المفترض بها إذا ً أن تأخذني إلى حقل الإدهاش الذي أخذني إليه الكثير من الشعر المكتوب بشروطها ذاتها . لكن ذلك الأخذ لم يحدث رغم محاولاتي المتعدّدة .
وفي قراءتي , كما في قراءة الجميع على ما أظن , أي في إعادة إنتاج النصوص , على أنها رسائل شخصية موجهة إلي , كما تذهب الناقدة الأمريكية ( هيلين فندلر ) , ربما تبيّنت الأسباب .

( خروج من أقمطة الليل )

نصّ يقدم درسا ً في عدم فك الارتباط بين نثرين , أحدهما شعري إذ استطاع بما امتلك من خصائص تكوينية أن يغادر جنسه والآخر سردي بقي مصرا ً على الاحتفاظ بعناصر الحكاية , ولو أخذنا المقطع الثالث , على سبيل المثال , لوجدناه ممتلكا ً لخصائص الحكاية بكل عناصرها ( الحدث أو الأحداث – الشخصية أو الشخصيات – المكان – الزمان ) .
ومن جهة أخرى , يقدّم هذا النص , عبر استخدام سين المستقبل الدالة على فعل قادم,
افتراضا ً شعوريا ً غريبا ً على المناخ الشعري , ذلك أن المشاعر لا تؤلف إنما القصص والروايات والحكايات .
وأمام هذا النص أجدني منحازا ً لذات لديها الكثير مما تريد قوله وليس إلى قول قصّر عن ذلك .

( هاوية البياض )

يستمرّ إصرار الكاتبة في هذا النص على إفساد شعريته بالافتراض السردي , وبهذا تقتل , على سبيل المثال , شعرية المقطع الأول , التي لا يسعني تحسّسها وتمثلها إلا في الأشطر الثلاثة الأخيرة ( ورقة / يفيض جسدها / برائحة احتراق الكلام ) .
والنص مزدحم بروح الإرادة وتعبيراتها , كما في السعي إلى تحققها . والسعي إلى تحقق الإرادة كهم ّ أوحد ومسيطر , هو في الوقت ذاته إعلان عن غير المتحقق , أي تحول الإرادة إلى رغبة . وهنا يبدو بأنه ما من إحساس مختبر بعد , وبأن مساحة الادعاء هي المساحة الوحيدة المشغولة .
وكي لا نبقى في دائرة التعميم والإنشاء المبتذل الذي اعتاد عليه المتملقون , والذي أنقذهم على الدوام من تبعات التحديد والتشخيص , دون أن يقدّم أية فائدة لما يتصدون له , مقارنة بالإساءة التي لا بدّ أنها واقعة , سآخذ ما رأيته أكثر المقاطع قربا ً إلى الشعر , من حيث اللغة والمناخ , وأسائله , بإعادة الإنتاج , حول حق التجربة في إعطاء الجنسية :
( أريد أن أوقد شمعتي السوداء / وأجلس قربها بهدوء / أراقبها / وأسكب عليها رغائبي الوثنية / حتى أدرك / كم سوادها / يعلمني دهشة الضياء . )
كما يظهر المقطع . التجربة محض افتراض , والنتائج ممكنة دون اختبار .
هل الفعل المضارع ( أريد’ ) هو السبب في حجب المتعة عنا ؟ أي هل للخبرة دور في هذا الحجب ؟ أم هي الرغبة في الكتابة . وفقط الكتابة ؟
يدفعني المقطع السابق أيضا ً إلى أسئلة مهنية : هل تختلف الإضاءة باختلاف ألوان الشموع ؟ والدهشة موضوع العلم تخص الشاعرة أم الضوء . ؟

( امرأة تدّعي السعادة )

مع أنه النص الأكثر وفاء ً لجنسه ِ , غير أن الشاعرة قد أبت إلا أن تترك بعضا ً من حبل سرّته متطاولا ً كنتوء زائد ومشوّه ٍ .
( كامرأة تدّعي السعادة ) . جملة تتبوأ النص كشرطي يشيرالى اتجاه واحد بقصد الوقوع في الفخ . هذه الآلية التي باتت مكشوفة ومستهلكة في هذا النمط من الكتابة .
مع هذا , ورغم ذلك النتوء الذي تتقدمه ( ك ) التشبيه , يأخذنا النص إلى جوّه , باقتصاد لغوي مؤثر , ليعرض أفعالا ً مفعمة بالتلقائية والحميمية , رغم ما تنطوي عليه من إرغام وجبرية . غير أن النص الذي لم يتخلى عن الحبكة السردية , يوقعنا , في مرحلة تمثله , بورطة فك الحبكة , وهذا إغراء لا يمكن للقاريء مقاومته ,ويدفع قارئا ً مثلي للوقوع في براثن سؤال من نوع : هل امتلاك السعادة غير ادعاءها ؟

( أجلجل بضحكتي ) أشعر بأن خطأ ما يكتنف هذا التعبير . غير مهم .
( أحب اسمي )
نصان أرهقا , بطولِهما , مقدرتي على التواصل , كما أتعبا توهج التجربة في انحيازهما إلى سردية لا يحتملها التوتر المفترض بين حالات شعورية وليس دوائر سردية . وفي النص الثاني , أكثر من الأول , تتأكد هذه الدوائر السردية , بمعزل عن حكم القيمة على فنية اللغة , عبر تكرار اللازمة : لم أدرك حاجة ... أو لم أدرك أو يدرك أحد .. الخ دون أن تقدم هذه الدوائر تنوعاً يسم عمق الحاجة أو الرغبة . وهنا أجد أن الرغبة في الرغبة ِ هو من يدفع إلى مثل هذه المطوّلات . وهو الذي يصنع حاجزا ً بيننا وبينها قد لا نتبينه ولكننا نشعر به ونحسّه .
( شمس تغار من نفسها )

أمتعني هذا النص عند الاحتكاك الأول . أي على المستوى الانطباعي . وليتني توقفت عند هذا الحد . أي عند درجة الإغواء . ذلك أنني في القراءات التالية , ومع فقداني المتدرج للمتعة , فكرت في بلواي التي تتلخص بأن القراءة النقدية هي أقل قراءات الشعر إمتاعا ً .
ومرّة أخرى سأبتعد عن التهويم وحذلقة ( يبدو أن .. ) مظهرا ً ما رأيته نقاط ضعف في هذا النص , على أن لا يعني ذلك بأن ما لن أتطرق إليه هو نقاط قوّة .

1- نوعية المشتريات الواردة في النص لا تشترى بالقروش , حتى ولو تدخلت كل أنواع البلاغة . وتحديدا ً في المقطع الأول .
2- اعتقد , ولست جازما ً , بأن فعل ( قدّ ) من مرادفات ( قطع , اجتزأ , فصل ) أو شيء من هذا القبيل . فكيف يكون والحال هذه شأن الصورة التالية :

( وقميصين , واحد فيه / رائحة السماق من كفي حبيبي / والآخر قدّ من صدره / لمن أراد خنق هذا الخافق المسكون بالحيرة . )
3 – في المقطع الثاني . هل كان التمهيد الركيك ( وقد عددت ثمنها / ولكن سأعدد: .. ) ضروريا ً ؟ وهل مازال للفرسان والسيوف والرماح حضور في حياتنا وتجاربنا الحياتية ليكون لها الحضور في تجاربنا التي نفترض بأنها شعرية ؟ !
4 – هل خطاب الحماية والاتكاء الموجه للأب يتساوق مع نزعة خلاصية وتوق إلى عالم جديد ؟ وهل يستوي الرفض الذي نقرأه في المقطع التالي : خجولة أناي من ملابسي / حقيقتي عارية تماما ً / كالماء قبل تشكله . مع استجداء مرجعيّة ذكورية تتمثل بالأب حينا ً والحبيب أحيانا ً .
وما دمنا في حضرة الشعر , في لجّة ِ الالتباس وتشابك الحدود , سأورد المقطع التالي :
( منذ عراء تأوي الصحراء إلى صدري مساء ً / تغلق كثبانها / وتسري قوافل ريح / وأنا أتأمل وجهها / يعبر نهر القلب بشراع من غمام / فأرتب الخطوات / وأوجز كلّ مداخل الوجد اليها . / .... / نجمة تلمع على وشاح الشرق الأسود / هاجعة بهدوء طفل / بخشوع ناسك / وبتفرّد اله ... )
وأقصد بفعلي هذا أن أقول : ليست المفردات الخارجة عن مألوفها , أو الجمل التي تنوّع في القول , دون قول جديد , هي من يصنع الشعر , إنما الكثير من العوامل والأسباب التي نحن بحاجة إلى استقرائها وتحديدها , ليس كنواظم أو محدّدات , بل كعناصر خفية في نصّ ما , يفعل بنا ما لا يفعله غيره , ويدفعنا إلى الهمس أو الصراخ : إنه الشعر . ذلك أن المقطع السابق ليس مقطعا ً من نصّ شعري , بل من قصّة قصيرة للقاصة ( سوزان إبراهيم ) أوردته على سبيل المثال ليس إلا .
( نعم هناك المزيد ) مما يمكن قوله بخصوص النصوص التي بين أيدينا , ولكن من خارجها , أي من محرّضاتها الاجتماعية والثقافية . وهذه نقطة ليست لصالح الشعر بأي حال .

الكتاب : أبشّرك بي
المؤلف : انتصار سليمان
دار الينابيع 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي