الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدثٌ لعمركِ رائعٌ أن تهجري

عبد الرحمن جاسم

2006 / 6 / 8
الادب والفن


حدثٌ لعمركِ رائعٌ أن تهجري!
لو تعلمين بما أجن من الهوى لعدلتِ أو لظلمت إن لم تعذرِ
لا تحسبي أني هجرتكِ طائعاً حدثٌ لعمركِ رائعٌ أن تهجري
وتأملتُ في القصيدة وفي الأغنية (حيث غنتها السيدة فيروز)، ونزل سكونٌ كثيرٌ على قلبي، يحاول الشاعر ههنا أن يخبر محبوبته بأن المدهش-المخاف ليس دائماً كما يُتَوقع، بل هو في كثيرٍ من الأحيان شيءٌ رائع، إذ أنه يخفي بين ثناياه مشاعر غريبة ومختلفة.
راقبوا معي، أحبتي، لقد أنار الشاعر الطريق لنا بهدوء كلماته، حتى لبدت كما لو أنها طريقاً نمشيه بهدوء كثير، بصمتٍ، "لو تعلمين بما أجنُّ من الهوى"، فتعبير "أجنُّ"، مأخوذ من المعنى الشهير "جن الليل" أي إسود وزاد لونه وحلك، أي أن الحب زاد وحلك في قلبي، حتى بات لوني الدائم، وربط الفكرة بعدم العلم، أي أنك لا تعرفين كيف صار لوني من جرّاء حبكِ، وهو أمر له علاقة تأثرية بنظرية الألوان النفسية، حيث إن لكل حالةٍ نفسية لونٌ خاصٌ بها، فيقال في الإنكليزية مثلاً تعبير "Blue" أي بمعنى "مكتئب" أو أنا أشعر بأنني "yellowish" أي أنني "مصفر الوجه" وهو موجود في العربية كذلك، وبالتأكيد هناك تشابهات في كثير من لغات العالم، فشاعرنا، جن الهوى في قلبه، وكمد عليه الحب وظلم المحبوبة في آنٍ واحد، وهو إذ يستعطفها، يبقى محتفظاً بكبرياءه وكرامته عالية، حينما ينطق بحكمه المنطقي، فيقول: "بعد معرفتك لحالي، إما أن تنظري بعدلٍ إلى الأمر وتعذريني لما أمر به، أو لتظلميني لأن العذر من شيم الأبرار!
هذا بالنسبة إلى البيت الشعري الأول، أما البيت الثاني، وهو الحدث الذي جعلني ألتفت للقصيدة بدايةً، فهو يقول الحكمة المدهشة التي تشدنا رغماً عنا، "حدثٌ لعمرك رائعٌ أن تهجري" فهو يقسم بعمرها بأن الهجران، الذي هو بالمعتاد أمر مخيف مؤلم، ليس كذلك، وهو إذ يعلم صعوبة لقياهما، ينظر إليها وكله ألم، محاولاً التخفيف من غلواء ما يحصل أو سيحصل بقوله هناك نصفٌ ممتلئٌ من الكوب(بحسب النظرية الشهيرة)، يمكنكِ أن تريه، فهذا الهجران/البعاد، ليس أمراً قاتلاً، إذ إن هناك حكمةً خلفه، وأمرٌ قد يكون تجربةً فيها شيءٌ من روعة، فقد نمتزج ونبقى معاً ثم يحصل شيءٌ ما فنكره بعضنا، ونكره الحب، ولكن إذا حل هجراننا سنحتفظ بتلك الذكرى الجميلة عن هذا الحب، سنتألم قليلاً، أو كثيراً بدايةً، لكن في النهاية فإن الحب سيبقى نفسه، لا يشيخ ولا يذبل، بل سيبدو وإلى الأبد "حدثٌ رائعٌ".
باختصار كان هذا الشاعر، (الذي لم أعرف اسمه لغاية الآن)، يرسم الأبعاد النفسية الكاملة المختفية داخل علاقة حب معقدة، بطريقةٍ تليق بأساطنة علم النفس الحديث، إنه يعاقر الحب ويعاقرها هي بشيءٍ كثيرٍ من الأناة، كما لو أنها قابلة للكسر (Fragile) لكنه وبنفس الوقت لا ينسى أبداً أن يرسم العلاقة كما هي دون أي رتوش وبأكثر ما يستطيع بساطةً، ومن يقرأ الأبيات من جديد، يمكنه أن يلاحظ، فإقرأوه أحبتي، إقرأوه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب