الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غالب لازال يخاطب ج2

فاضل غائب

2020 / 3 / 13
الادب والفن


كتل إسمنتية مرصوفة بلا انتظام، هي البيوت التي بنيت على انقاض تلك البيوت الطينية الصديقة والودودة والرحيمة بالأرض والانسان، والتي اندثرت واخذت معها انفاس الارض اللذيذة في اول أمطار الخريف، لازال غالب يشم رائحتها. وامتدت مساحة البناء الظالم على مد البصر على جانبي الشارع الذي يمر بجوار القرية مفروشة بالاسفلت نحو القرى الأخرى . هذه الكتل المسماة بيوتا، ابتلعت الارض الزراعية ومزقتها بلا رحمة وحولت المنظر برمته الى لوحة قبيحة تنفر وتشمئز منها الوان الحياة، ولن تعود زراعية ابدا الا بمعجزة. الارض مثل انثى رقيقة تمنحك الحياة وتعشق الايدي الخشنة للمزارعين وكأنها الحرير، ومعاولهم وكأنها دغدغات حب وهيام. لازال يتذكر المنظر حين كان عمه يخدش الارض عميقا ويقلب تربتها بمحراثه، ويجهزها للزراعة، مخرجا تلك الديدان البيضاء السمينة التي كانت تجذب بغبطةٍ طيور الزرزور السوداء الممتلئة وعصافير الدوري الصغيرة لالتقاطها.
كان في سرّهِ يحادث جده ويقول؛ اه لو قمت من مرقدك ونظرت الى اراضيك المترامية لكنت آثرت الرجوع تحت التراب. لقد مزقوها مثل كعكة والتهموها شر التهام وجلسوا عليها كسالى وملئوها حفرا تحت بيوتهم ليضعوا اوساخهم. أنظر الى حافات الوادي المجاور للخرابة فقد استبدلت زهيرات النفل الوردية الفواحة بقمامتهم. تلك الخرابة التي كانت تفوح بعطر وانفاس اناس عاشوا هناك في زمن غابر وتركوا بعض وصاياهم. لا ترى حولك نعجة او بغلا او حمارا او حتى دجاجا ملونا، حتى هذه الكائنات لو عادت فلن تستطيع العيش هنا، ابق في مرقدك يا جدي ونم حزينَ العين.
لم يعد هناك لقالق ولا سنونو ولا قَطا. تابع بعينيه المتعبتين كل الارجاء علّه يجد شيئا عتيقا شاخصا فلم يجد غير التلة الحزينة برأس انخفض عما كان عليه وكأنه يريد الحفاظ على مكنوناته، والمقبرة المندثرة والمنجرفة، واثار ماكنة ضخ المياه المالحة من جوف الارض. بعيدا عن جوار القرية هناك حقول لم يطلها العبث بعد، ترتجف خوفا وتشتكي علها تسلم على حياتها وديمومتها. اه كم كان هذا العمر هشّاً وعبثيا وقد اقترب من نهايته وبدأت انذاراته تتوالى، وكم هو حزينٌ وخائر القوى ومحبط، يكاد غالب أن يجهش بالبكاء لذلك المشهد المدمر. طأطأ راسه الابيض محدقا في الارض التي تحت اقدامه لبرهة ورمى بنفسه في جوف سيارته، ومضى وحيدا حزينا متحسرا ومنكسرا. امه تنتظره هناك، كتلة سواد متكورة ومتعبة وأحاسيس صامتة، تسكن في واحدة من تلك الكتل الاسمنتية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة