الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميتاعام.. الوقوف على نقيض الحفل التنكري الإسرائيلي

نائل الطوخي

2006 / 6 / 7
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عندما أعلن عن صدورها في بادئ الأمر تحت اسم "ميتاعام.. دورية للأدب و الفكر الراديكاليين" تساءل النقاد عن هذه الدورية الإسرائيلية الموشكة على الصدور و تعجبوا من عنوانها "ميتاعام" و الذي يعني "متحدث باسم، مدافع عن"، و في حوار أجري مع الشاعر إسحق لاؤور رئيس تحريرها سألته جريدة يديعوت أحرونوت عن معنى هذا التحدث باسم، فأجاب أن إضفاء هالة من الصوفية على الاستقلالية هو أحد الأمور المضحكة للغاية. فكلنا يعمل باسم، "و دوريتنا هذه ستكون متحدثة باسم الراديكالية." من هنا حاولت الدورية أن تكون صوتا لليسار الراديكالي في إسرائيل، اليسار الذي لا يعرف حزب العمل الصهيوني عنه أي شيء، و الذي يصف نفسه بأنه معاد للصهيونية، بغض النظر عن مدى صدقه في هذا أو حدود ما يمكن أن يتحمله في سبيل أفكاره.
في كل أعداد الدورية، التي صدرت أولى أعدادها في يناير 2005 و يجري الإعداد الآن لإصدار العدد السادس، يبدو ميل قوي لاحتقار العزلة، فليس للفني الخالص، و هي الدورية ذات الاهتمام الأدبي، أن يعيش وحده على صفحاتها، و هو ما يشيد به النقاد الذين تناولوا هذه التجربة. نجد في الدورية أشعارا سياسية عالية النبرة لعدد من الشعراء الإسرائيليين و على رأسهم أهارون شبتاي الشاعر الغاضب دوما، و إسحق لاؤور نفسه الذي يكتب الشعر و القصة و الرواية، مع عدد كبير من الشعراء و القصاصين الشباب "بعضهم كان ينشر للمرة الأولى بالمناسبة"، مثل مايا كوبرمان، ياعيل نئمان، أساف شور و هيلاه لاهاف، كما نجد المقالات ذات الطابع الفكري تمام و المطعمة بحس أخلاقي و اجتماعي، و التي يجمعها في الغالب محاولة تفكيك الصهيونية و إسرائيل من زوايا نظر عديدة، فمنذ عددها الاول يكتب المؤرخ الإسرائيلي الأشهر ايلان بابيه في ذكرى وفاة هرتزل عن المزيج الذي جمع فيه أبو الصهيونية بين الميول الاستعمارية و القومية التي تقارب العنصرية، كما يكتب عوديد شختر في العدد الثاني مقالة هامة عن اللغة العبرية و أصولها الأرامية مسقطا قصة برج بابل عليها. كذلك ناقشت ميتاعام موضوعات الشرقيين، فمن مقالة إسحق لاؤور عن الأديب أ.ب . يهوشواع، الإسرائيلي الشرقي المعادي للعرب و للشرق، إلى مقال درور مشعاني عن رواية "العبارة" للكاتب الشرقي شمعون بلاس، و كيف تم تشويهها أثناء قراءتها فقط لتكون معبرة عن المشروع الصهيوني، إن كان بالتأييد أو بالاحتجاج, كأنها لن توجد بدون الضوء الصهيوني الذي يفسرها، مثلما هي قصة الشرقيين كلهم. و تكتب إلينا كورن عن الصحافة الإسرائيلية و استلابها كلها على يد الرواية العسكرية التي تنظر للفلسطينيين باعتبار كائنات تستحق الموت و لا يستأهل قتلهم الغضب، و تحلل جاكلين روز لا وعي الصهيونية منذ بدايتها و التيارات التي حاولت التخفيف من غلوائها قبل أن يتم قمعها, كما تقارن بينها وبين التحليل النفسي باعتبارها اعتمدت على مصطلحات "الحلم، اللاوعي، الخيال" حيث يمكن حينها حلها من الالتزام بمناقشة أي من الأمور الواقعية أو إخضاعها للمنطق.
و يبدو من خلال متابعة العروض المقدمة للدورية، أن أكثر ما لفت نظر النقاد إليها هو ذلك التحرك الصعب، إن لم يكن المستحيل، ما بين الفني و السياسي، أي خروج الجمالي من عزلته ليلتحم بمعاناة الناس. يقول جيش عميت الصحفي بهاآرتس: " كثيرة هي الدوريات التي صدرت في السنوات الأخيرة، و منها دوريات أدبية و سياسية، و لكني أشك إن كان هناك دورية أخرى مرتبطة هذا الارتباط الشديد بالرغبة في الاختلاط بالعالم، في جرح الواقع، و من خلال هذا التنازل عن المسافة و عن السلام النفسي الذي يميز قطاعات كبيرة من الكتابة الثقافة و الأكاديمية في إسرائيل، حتى في لحظاتها السياسية. هذا الاستعداد للتوسخ، أن تكتب من لب الواقع، يخلق هو كذلك لغة لا تخطئها العين، و على قدر ما هي المواضيع مختلفة في "ميتاعام" يبدو أنها تشترك في لغة مشتركة، ليست غير جميلة بالطبع، و إنما غير نظامية أو غير ممنهجة."
أما يهودا سنهاف، و هو رئيس تحرير دورية نقدية هامة أخرى هي "تيئوريا أوبيقورت"، فيقول في هاآرتس عن العدد الرابع منها: "ثم نشاط هائل في هذا العدد من "ميتاعام"، و هي دورية تحتل بالتدريج مكانا هاما و موثوقا به في اليسار الثقافي لإسرائيل. السلاسة السياسية لهذه الدورية تقف على النقيض التام للحفل التنكري للسياسة الاسرائيلية، و التي على مدار عقود لم تخلق معارضة حقيقية، بل و محت ما هو سياسي، بواسطة مطحنة لا نهائية من الثرثرة العرضية."
هذه المعارضة الحقيقة التي يقول سنهاف أن ميتاعام تمثلها لم توجد إلا لأن هذه الدورية، كما تقول ميراف مانوح، بمعاريف "من بين كل الدوريات التي رأت النور مؤخرا و خلقت وهما ما في موضوع الصحوة الثقافية، احتوت هي فقط على اقتراح ثقافي عميق و شامل، فهي ليست مثل أي ملحق ثقافي و لا هي دورية تكرس نفسها للشعر مثل دورية "هو". "ميتاعام" تملك أجندة. "
و هذه الأجندة تتراوح بسهولة ما بين الفكري و السياسي، بمعناه الأكثر يومية، فمن بين ما أثار الاهتمام في ساعته، في العدد الثاني من ميتاعام مقال مترجم للباحثة الأمريكية جوديت باتلر احتل مركز العدد. تعرض باتلر في مقالها أطروحة المفكر عمانوئيل لفيناس الفلسفية عن هشاشة الوجوه و قابليتها للكسر و تربط هذا بالوجوه التي عرضتها الميديا الامريكية في حروب القرن الحادث و العشرين في أفغانستان و العراق، و الوجوه التي مورست ضدها حروب متواصلة و عنيدة، و خصت بها وجوه صدام حسين و بن لادن و عرفات، التي محى الإعلام الغربي منها أي اثر للإنسانية. مما لفت نظر الكاتب و الناقد درور مشعاني في صحيفة هاآرتس ليربط هذا المقال بتأبين محمود درويش لعرفات و الذي نشر في نفس العدد و ترجمه الكاتب الفلسطيني علاء حليحل قائلا: "وجه عرفات ربما يكون هو الوجه الذي جربت لغات العرض الإسرائيلية، من الجيش و الصحافة حتى الأدب و المؤسسة الأكاديمية، إفراغه من إنسانيته. تأبين درويش يتجاوز كل جدران العرض هذه، و يعيد إلى العبرية الحقيقة الهشة التي أمل مفكرونا أن تختفي بعد موت عرفات. اقرأوا كيف تظهر من جديد وجوه الفلسطينيين و وجه عرفات."
و كما أسلف، فحتى الشعر و الأدب هنا ممسوسان بهذا التسيس الحاد، هذه المحاولة للتحرك في داخل العالم و عدم الاكتفاء بمراقبته من عل، فيكتب الشاعر الإسرائيلي أهارون شبتاي عن طالي فحيمة الناشطة الإسرائيلية المعتقلة بسبب مشاركتها في المظاهرات المقامة ضد الجدار العازل و يكتب إسحق لاؤور كثيرا من القصص تحول النفسية العسكرية الإسرائيلية إلى عرض هزلي يثير الإشفاق على الجندي الذي يقتل بدافع العادة، و يكتب شاي دوتان رثاء للطفلة ايمان الهمص التي استشهدت في رفح بسبعة عشر رصاصة و التي كانت كل جريمتها انها اقتربت بالخطأ من أحد الحواجز الإسرائيلية في طريقها إلى مدرستها. كما يفتتح العدد الرابع من الدورية بالبيت الثاقب لشمعون تسبار في قصيدته "إلى الأرض": "أنادي على الأرض، نحن لسنا أصحابها".
هذا و تنشر الدورية لعدد من الكتاب العرب، فيكتب فيها محمود درويش، سركون بولص، حسن خضر، عدنية شبلي، إلياس خوري، عايدة شامي، و كلهم فلسطينيون ما عدا بولص العراقي المقيم بسان فرانسيسكو، و إلياس خوري و عايدة شامي اللبنانيين, حيث يكتب حسن خضر و عدنية شبلي مقاربين ظروف الحياة تحت الاحتلال. و ينشر خوري فصلا من روايته "يالو" في العدد الثاني من الدورية قبل أن تنشر بأسابيع في دار نشر "أندلس" الإسرائيلية التي تعني بترجمة الأدب العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة