الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خارج أسوار الوطن استوطنت روحه السويد كمهاجر، الأديب عبد الستار نورعلي – الحلقة الثانية – بؤرة ضوء

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2020 / 3 / 14
مقابلات و حوارات


من فعل التحرّر الكتابي و- المشروع المعرفيّ الحداثيّ -

* خارج أسوار الوطن استوطنت روحه السويد كمهاجر "كيف للسويد أن لا تستوطن الروح والقلب، وقد كنتُ غريب الروح واليد (القلم) في وطنٍ مثقلٍ بجراح القريب والبعيد، الداخل والخارج. كان للعسس دورٌ في الاستعداد للنفاذ بالجلد، جلدي وجلد عائلتي، كان باب البيت يُدقُّ، لا بيدٍ مضرجةٍ بالدم، كما تمنّى أحمد شوقي:
وللحريةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مُضرجةٍ يُدقُّ
كانت أيدي رجال الأمن تدقّهُ، والتحقيقات جاريةٌ بخبثٍ مُبطّنٍ بلسانٍ من حرير. تصوري أنَّ أحدها جرى في بارٍ قرب حافظ القاضي، وحول مائدةٍ عمّروها بقاني البيرة (فريدة) و(شهرزاد) مع المزّة، بعد أنْ أخذوني بتاكسي من بيتنا في مدينة الحرية، كان عصر جمعةٍ، وأنا غاطٌّ في قيلولة بعد رجوعي من غداءٍ في مطعم (الشاطئ الجميل) في شارع أبي نؤاس، مع البيرة المثلجة بمعيةِ جمع من الأصدقاء. والمضحك أنَّ رجلي الأمن قالا بالحرف الواحد:
ـ أستاذ، لا تدفعْ الأجرة، الدائرة هي التي تدفع!
وقد دفعوا ثمن المائدة العامرة في البار. لكنني لم أذقْ قطرة بيرةٍ واحدة، ولا ملعقة مزة. مرّت في خاطري قوافل المسمومين الذين راحوا ضحية الطعام أو الجاي والماء داخل المعتقلات، أو أثناء التحقيق. طبعاً السم الذي يقتل ببطء. قال أحدهما لي:
ـ أستاذ، أشو متشرب ولا تاكلْ مزّةْ؟
بماذا أجيبهم؟ قلتُ: هو الواحد في هذه الحالة يقدر أنْ يشرب ويأكل!
ثم بعدها أخذوني الى محلِّ مكوىً خلف سينما الزوراء داخل زقاق ضيق. وتحدث أحدهم في التليفون مخاطباً من اسماه بـ(المقدّم صالح):
ـ مقدّم صالح، الأستاذ ويانه (معنا) انجيبه (هل نأتي به)؟
ثم أغلق الهاتف. وقال بأنّ المقدم يقول لا، ماكو داعي. وبأنه يجوز لي أنْ أعود الى بيتي. على موعد في الساعة الواحدة من اليوم التالي (السبت) عند حديقة الزوراء قرب مقر المحابرات. ثم استأجروا تاكسي وأوصوه بان يوصلني إلى باب بيتي، ودفعوا له أجرته. وأوصلني. تصوري حالي تلك الليلة وحال أهلي، وقد وصل الخبر الى الجيران والأقارب فعاشوا في رعبٍ، وحين رأوني عائداً تنفسوا الصعداء بعد أنْ يئسوا من عودتي، وأنّي خلاص رحلتُ! وماذا عن اليوم التالي! ذهبتُ على الموعد، وليكنْ ما يكون، وتاكسي الى شارع الرشيد ومطعم قرب (مقهى البرازيلي)، وفي السيارة أخرج أحدهما مجموعة من الفايلات وقال هذه لأناسٍ آخرين. وفي المطعم وصّوا على ثلاث نفرات قوزي على تمن، فاعتذرت عن الأكل، وأصرّوا وأصرّيتُ قائلاً:
ـ هو باقي عندي نفس آكل!
. بعد الغداء استأجروا لي أيضاً تاكسي ليوصلني الى البيت ودفعوا الأجرة. وقبل ذهابي قالوا:
ـ احسبْ الى يوم الثلاثاء، إذا لم نأتِ، فلن نأتي.
ولم يأتوا!!! وتخيلي حالي وحال أسرتي والقلق الذي عانيناه الى الثلاثاء!
الغريب أنّه لم تكن هناك تحقيقات مثلما تعودنا. مجرد كلام.
وهذه واحدةٌ من حالاتٍ سبقتها، من زيارات للبيت مجرد دقّ الباب ، ثم الاعتذار، ومرات استدعاء الى مركز الأمن في المدينة، ثم: تعالْ غداً! وهكذا.
بعد كلِّ هذا وجدت أنّه حفاظاً على حياتي وحياة عائلتي لا مفرّ من الهجرة والفرار, وكان التخطيط ثم التنفيذ فالهجرة. استغليتُ توقف القتال بعد حرب الكويت وفتح باب السفر، أخذت عائلتي عن طريق الأردن الى بلغاريا، ومنها الى السويد. وكانت مغادرتنا في 27 كانون الأول/ديسمبر 1991، وحين سُئلنا عن سبب السفر قلنا لقضاء اعياد رأس السنة في الأردن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تنمو بشكل عكسي-.. طفلة تعاني من مرض نادر وهذا ما نعلمه عنه


.. بريطانيا.. مظاهرة في مدينة مانشستر تضامنا مع أطفال غزة وتندي




.. ما أبرز محطات تطور العملات في فلسطين؟


.. نازح فلسطيني: -نفسي نرجع زي قبل.. الوضع الحالي حسسنا إن كنا




.. انتبه!.. القوارير البلاستيكية قد تصيبك بالسكري #صباح_العربي