الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجهاد في زمن الاحتلال

حمزة الكرعاوي

2020 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


للجهاد تعاريف لغوية وإصطلاحية في المعاجم اللغوية وكتب الفقهاء ، وهي كثيرة وفيها تفاصيل ، أصبحت بديهية ، فلا ضرورة لإعادتها ، لأن الذي يهمني هو عملية التسييس لفريضة الجهاد ، وإستغلالها وتوظيفها لصالح قوى دولية تسطير على المراكز الكونية في العالم ، وكذلك تصميم فتاوى الجهاد لصالح شركات النفط العالمية وصندوق النقد الدولي في العراق .
يقال على الكاتب والباحث أن يكون حياديا ، حتى يكشف الحقيقة كما هي ، ويقدم صورة واضحة للقارئ عن الموضع الذي يدلو فيه ، وأنا أقول : نعم ولكن ، عليه أن يكون ملما في الموضع ، ويتوفر على معطيات ليكتب عنها ، وإلا فلا ، وهناك أمر آخر وهو : كيف يكون محايدا وهو طرف وقع عليه الظلم ، وعليه أن يكشف عن المستور الذي لايجرأ غيره على كشفه ، وعلى الاخر ( القارئ ) أن يتفهم حالة الكاتب وهو ينقل معاناة شعب ومعاناته هو شحصيا ، لانه جزء من الحالة .
لابد من العودة إلى زمن التأسيس للفقه الشيعي والتقليد والجهاد ، وهذا التأسيس بدأ مع الاحتلال البريطاني للعراق مطلع القرن الماضي ، أي زمن تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، وماهو دور الانكليز في تشريع بدعة التقليد ، التي أطلقوا عليها تسمية ( السيطرة على سلاح الفتوى ) .
في زمن ضعف الدولة العثمانية ( الرجل المريض ) حسب الوصف البريطاني ، أرسلت بريطانية العظمى إلى العراق رجال مخابرات بعنوان ( رحالة وعلماء آثار ) لدراسة الحالة الدينية والسياسية والاجتماعية ، فقدموا التقارير والدراسات لوزارة المستعمرات البريطانية ، ولوزارة المعارف ، كي تقدم الدراسات التي تسهل عملية إحتلال منطقة نفطية مهمة ، وفيها معادن ، والعراق مركز إستراتيجي مهم يتوسط العالم .
الباحثون والدارسون الانكليز وجدوا في العراق ، مالم يجدوه في بلد آخر ، سلطات متداخلة فيما بينها ، سلطة الدين ( المذهب ) وسلطة العشيرة وسلطة الدولة ، وأهم سلطة في العراق هي سلطة الدين ، لانها تتوفر على سلاح الفتوى الذي يسيطر على عقول العامة ، ويستطيع أن يدخلهم إلى الجنة أو النار ، وهذه السلطة أعلى وأقوى من السلطتين في البلاد ( العشيرة والدولة ) ولديها مورد مالي مهم قديم ، أكبر من مورد العراق الاقتصادي ، ولا يمكن أن يتوقف ولا يتعرض لأي خطر كما تتعرض إقتصاديات الدول ، لانه يتكئ ويستقوي بالسماء ، ومن يتخلف عن دفع الضرائب للآلهة البشرية في النجف وكربلاء ، يدخل النار ، لانه لايطهر نفسه وأمواله .
الدراسة البريطانية ( هذا تحليل خاص بي ناتج عن دراستي للحالة الشيعية وتأريخ المؤسسة الدينية في النجف وخصوصا من الناحية الاقتصادية ) إكشفت أمرا مهما وهو : أن السلطة الدينية في النجف وكربلاء ليست عراقية ، أي إحتلال عمره ألف سنة ، وهو أطول إحتلال عرفه التأريخ البشري ، وهي دولة داخل دولة ، ولا تخضع لقوانين الدولة العراقية ، فوق القانون والمجتمع ، بسبب ( إرتباطها المزعوم بأهل البيت ع ) ومن يعترض على أبناء الرسول مكانه نار جهنم ؟.
كانت المفاوضات بين سلطة الاحتلال البريطاني وسلطة الدين في النجف ، تتمحور حول موارد العراق الاقتصادية ، لان الطرفين محتلان .
البريطاني : أنتم أيها السادة : لستم عراقيين ، وتسيطرون على مورد إقتصادي مهم في العراق ، ونعتبركم محتلين لهذا البلد ، دعونا نتقاسم ثرواته ، ونتحالف ، نحميكم وتحموننا .
السلطة الدينية : نعم إتفقنا .
البريطاني : لكم أموال العتبات المقدسة ، ولنا مافوق الارض العراقية وما تحتها ، ولنا حق تنصيب المرجع الاعلى للشيعة ، لضمان عدم صدور فتوى جهادية ضدنا .
هكذا كان الإتفاق بين طرفين محتلين في العراق ، حتى وصفت المس بيل تلك العمائم بالاغنام ، عندما قالت : أن الاضرحة التي تدر المال على رجال الدين هي مراتعهم .
أتحدى وهذا أقل درجات التحدى لجميع عمائم الشيعة في كل مكان أن يقدموا لي وللناس ، رسالة عملية لأي فقيه شيعي قبل محمد كاظم اليزدي ، فيها فصل أو باب ( التقليد ) الذي هو أمر سياسي ، وربط للناس بعمامة هي الاخرى مرتبطة بالتاج الملكي البريطاني ، ويسمى في السياسة البريطانية : السيطرة على سلاح الفتوى .
ملاحظة : الناس البسطاء ، لايفرقون بين الاحكام الشرعية وبين بدعة التقليد ، بحثنا هذا لاعلاقة له بالاحكام الشرعية التي يقدمها ( الفقيه ) مثل كيفية الوضوء والصلاة والطهارة والنجسة وووالخ ، نتحدث عن سياسة تقليد العمامة .
بداية تسييس الفقه الشيعي المغلوم أساسا منذ ألف سنة ، بسموم فارسية ، عملية تسييس خطيرة لصالح الانكليز ، كانت في زمن الايراني ( محمد كاظم اليزدي ) .
اطلقنا على اليزدي وصفا ( سيستاني ثورة العشرين ) وعلى السيستاني ( يزدي هذا الزمان ) ، إستلم اليزدي أموالا من البريطانيين ، مقابل عدم إصدار فتوى الجهاد ضد الاحتلال أنذاك ، وتم الاتفاق معه لسن بدعة التقليد .
سيطرت بريطانية على سلاح الفتوى في حياة اليزدي ، وبعد موته نعته وزارة المستعمرات ببيان : لقد فقدنا حليفا لايعوض .
إنطلقت ثورة العشرين بعد وفاة اليزدي مباشرة ، وكانت المراسلات والكتب بين سلطة الاحتلال البريطاني وبين فقهاء النجف وكربلاء ، خالية من أي نفس طائفي أو حتى ديني مذهبي ، فلم يصدر من الفقهاء ما يؤشر للطائفية او الاسلام ، بل كانت ذات نفس وطني ، ومن يقرأ مؤلفات شيخ المؤرخين العراقيين ( عبد الرزاق الحسني ) سيجد الرسائل التي أرسلها فقهاء الدين في النجف وكربلاء ، تتحدث عن حقوق العراقيين الوطنية من قبيل ( أهل البلاد والعراقيين وشعب بلاد الرافدين ) .
إعتبرت بريطانية ما بعد اليزدي والثورة فشلا لسياسة تقليد المرجع الديني ، وهي حالة فراغ ديني خطيرة ، إستحضروا عمائم آخرى ، لتكمل ما بدأه اليزدي ، فصبروا حتى هيأوا ( محسن الحكيم ) وهذا الاخير مرتبط بشاه إيران ، وكانت مهمته تشويه صورة الفقهاء الذين يعارضون الوجود البريطاني ، والذين أفتوا وشاركوا في ثورة العشرين .
اللغة التي إستخدمها محسن الحكيم في تشويه صور الفقهاء المعارضين للانكليز ، هي : تبرئة يزيد إبن معاوية من دم الحسين .
كان محسن الحكيم يتوفر على عصابة مسلحة بالسيوف ( بلطجية ) يقودهم شقي يسمى ( إحديد ) وهذا يعمل على تجميع الشقاوات لصالح الحكيم للهجوم على بيت أي فقيه لايعجب سياسة الانكليز ، وتصفيته جسديا أو تأديبه ، ويحصل رئيس العصابة ( إحديد ) على المال من محسن الحكيم .
تمت تصفية جميع الفقهاء الذين شاركوا في ثورة العشرين وابناءهم ، حتى تكون الساحة العراقية مهيأة للحكيم ، ومن الامثلة على ذلك ، تشويه صورة مرجع دين ( الاصفهاني ) أرسل الحكيم ( إحديد ) الى ضريح الامام علي حيث كان الاصفهاني يصلي وقتل إبنه خلفه ، ووضع رأسه في حضنه ، وقال له : هذا جزاء من يريد تبرئة يزيد من دم الحسين .
اللعب الدولي وخصوصا البريطاني في العراق كبير جدا ، وأهم أدواته هي مرجعية محسن الحكيم وما بعدها من مرجعيات دينية ، خدمة لشركات الغرب .
المرجعية الدينية ( الحكيم ) وراء إسقاط حكم عبد الكريم قاسم ، حيث تأسس حزب الدعوة في زمن الجمهورية ، لخلق المتاعب لقاسم لانه طرح موضوع تأميم ثروات العراق ، التي إتفقت بريطانية مع عمائم التقليد التي خلفت اليزدي ، على أنها لبريطانية مقابل ترك أموال العتبات المقدسة للمرجعية الفارسية ، ولأنه شرع قانون تحرير الفلاح العراقي من ظلم الاقطاع ، فوقف الحكيم بقوة ضد قانون تحرير الفلاح العراقي ، في حين كان وزن الفلاح الذي يستعبد من قبل الاقطاعيين لايتجاوز ال 50 كم ، وخرجت تظاهرات تندد بمرجعية الحكيم .
يصورون للعامة أن المرجعية الدينية تقف مع الفقراء ، وفي الحقيقة هي إحتلال لعقولهم ، وتقود حملات تجيهل لهم ، حتى يكونوا فقراء ، وأرقاما بلا هوية ، ويعادون دولتهم الوطنية ، لصالح الدولة العميقة في النجف ، ولصالح شركة البازار ، المتحالفة مع شركة الهند الشرقية البريطانية .
مقتل عبد السلام عارف :
كان محسن الحكيم لايحترم العراق ولايعترف به ملكا وحكومة وشعبا ، ويقف إجلالال وإحتراما لأي موفد من قبل شاه إيران ، والذي يصفه الحكيم وفقهاء الصفوية بأنه ( الامام الاعظم وحامي المذهب ، ومنهم من يصف الشاه بولدي ) وقد ورد في مذكرات محمد مهدي الحكيم ، هذه المفردات ، عندما أراد قصرا يسكن فيه ، كتب لشاه إيران : مولاي المعظم ) .
وذكر مهدي الحكيم في مذكراته : أن الشاه يدعوهم للاحتفال في قصره في جميع المناسبات حتى لو حاضت زوجته ... حسب وصف مهدي الحكيم .
عباس إهويده رئيس وزراء الشاه ، يتردد على بيت الحكيم ، لإقناع الخميني بترك العمل السياسي ، مقابل المال ، كان الحكيم يهرول لإستقبال رئيس وزراء الشاه ، ولا يستقبل ملك العراق .
إصطحب الحكيم عباس إهويده وذهبا إلى الكوفة لتقديم عرض الشاه المالي مقابل ترك العمل السياسي ، فوصلا منزل الخميني ، فطلبا من خادمه الافغاني أن يقابلا الخميني .
دخل الخادم وأخبر الخميني بالامر ، نظر الخميني من الشباك ، فطلب من خادمه ، إدخال الحكيم وطرد الاخر .
جن جنون محسن الحكيم من هكذا تصرف مهين لمقام الشاه ورئيس حكومته ، فدخل عليه يضرب بعصاه الارض غاضبا معنفا ، وقال له : هل أنت أفضل من جدك الحسن الذي صالح معاوية إبن أبي سفيان ؟.
فرد الخميني : لا لست افضل من الحسن ، لكني أقتدى بجدي الحسين الذي ثار ضد يزيد .
خرج محسن الحكيم وطلب من عبد السلام عارف أن يطرد الخميني من العراق فورا .
رفض عارف الاملاءات ، وأظن كانت سياسة عارف ، هي إستخدام ورقة الخميني سياسيا للضغط على الشاه مقابل ورقة الاكراد ، لكنه قال للحكيم وإيران : نحن لانطرد الضيف بدون سبب ؟.
إجتمعوا في بيت محسن الحكيم في الكوفة ، والذي كانت أمامه سيارات الكاديلاك والروزرايز واقفة ، هدايا التاج المالكي البريطاني ، لبحث مشكلة عبد السلام عارف .
لابد من تشويه صورة عارف ، وتسقيطه سياسيا وطائفيا ، تمهيدا لتصفيته ، إتفقوا على تسريب إشاعة طائفية ضد عارف ، ولابد من أن تخرج من فم شخصية كبيرة ن لاتحوم حولها الشكوك .
لعبوا على الوتر الطائفي ، قالوا للناس : عبد السلام عارف طائفي ويحن لحكم معاوية ، ويريد بناء قبره في الشام ، شتم الامام علي ع عندما زار البصرة ، فقال : السلام عليكم أيها الرجال فقد كذب من قال : أنتم اشباه الرجال ؟.
تكذيب لعلي إبن أبي طالب إمام الشيعة ... والرواية في شتم أهل البصرة هي الاخرى مشكوك فيها .
خرجت الشيعة في تظاهرات أمام بيت محسن الحكيم ، تهتف الجموع بالموت لعبد السلام عارف ، الخميني المستهدف من فبركة شتم عارف لعلي ، كان جالسا بجانب الحكيم وهو يسمع هتافات الشيعة لمحسن الحكيم : اللي يرشك بماي نرشه بدم إسمع يالسيد .
معناه : الذي يتعرض لك نقتله .
الخميني سأل الحكيم : لماذا تقولون لي أن شيعة العراق لايطيعون المرجعية الدينية ، وهاهم أمامكم ؟.
رد عليه الحكيم : شيعة العراق كذابون ومنافقون فلا نثق بهم .
أخرج الناس بفبركة خبر كاذب ويصفهم بالكذب والنفاق ؟.
يعلق مؤلف كتاب ( سنوات الجمر ) علي المؤمن على إتهام الحكيم لشيعة العراق : اذا كانت الامة كما تصفون ، لماذا أنتم قادتها ومراجعها ، إتركوها وشأنها .
وأنا اقول : اذا كانت الامة كذلك ، فهي نتاج تربيتكم وسياستكم ، وأنتم إما فاشلون في تقويم الامة أو تتعمدون إفسادها ، والاخيرة أتبناه ؟.
وضعت المتفجرات في طائرة عارف ، فقتل ، وعادت الشيعة تهتف أمام بيت الحكيم : صعد لحم نزل فحم .
يعني الله إنتقم منه واحرقه لانه شتم عليا ؟.
بقيت فبركة شتم عارف لعلي عقود من الزمن تؤمن بها الشيعة ، ومن يعرف أنها فبركة ، لايجرأ أن يكشفها خوفا من القتل .

تبنه بعض العراقيين لها ، وبحثوا عمن كان مرافقا لعارف في زيارته للبصرة ، فوجدوا ( عبد الزهرة عثمان ) عز الدين سليم ، عضو حزب الدعوة ، وعضو مجلس الحكم الانتقالي الذي شكله بول بريمر .
قبل إحتلال العراق سألوا عبد الزهرة عثمان : أنت كنت مع عارف في البصرة ، هل صدرت شتيمة من عارف لعلي ؟.
سأل عثمان : لماذا ؟.
قالوا له : لاننا نعلم بأن عارف سياسي ناجح ولايمكن أن يخرج إلى هكذا خطاب طائفي ، وكان يصلي في الكاظمية ويقول : نحن أبناء علي والحسين ؟.
إشترط عثمان أن لاتخرج شهادته إلا بعد وفاته ، لانه يخشى من ال الحكيم .
وفعلا قتل عبد الزهرة عثمان أمام بوابة المنطقة الخضراء ، بتفجير حتى تدفن معه الاسرار التي يعرفها ، وخرج منها هذا السر : دخلت مع عبد السلام عارف البصرة وخرجنا ، فلم يصدر منه هذا الكلام ، وهو فبركة صدرت من محسن الحكيم ضد عارف لانه رفض طرد الخميني من العراق .
حدثني صديق كان يلتقي بنوري المالكي ، أنه سمع من المالكي قبل الاحتلال للعراق ، وهو يتحدث مع قيادي آخر في حزب الدعوة ، علينا ان نتخلص من عز الدين سليم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟