الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (209) المدرسة الاستخبارية الالمانية

بشير الوندي

2020 / 3 / 15
الارهاب, الحرب والسلام



مدخل
-------------
قصة الاستخبارات الالمانية فريدة في تنوعها , فهي استخبارات لدولة تسببت في حربين عالميتين وفي اسقاط الامبراطورية الروسية , وكانت بيد اعتى دكتاتور في التاريخ , ومن هنا فإن لها اهمية استثنائية في دراساتنا المركزة حول المدارس الاستخبارية في العالم .
----------------------
فذلكة تأريخية
----------------------
كان تأسيس الامبراطورية الالمانية عام ١٨٧١, وتشكلت من ٢٦ اقليماً , وبنيت الامبراطورية الالمانية على الحس القومي وجمع الولايات من منطلق قومي , ووصل الى حد الصراع مع الكنيسة الكاثوليكية , وضرب نفوذها , من قبل المستشار(رئيس الوزراء ) الشهير بسمارك , وتطور الحس القومي ليصبح دافعاً للصراع مع الشيوعية ايضاً , ثم سقطت الامبراطورية لتشكل جمهورية اتحادية بسبب خسارة الحرب العالمية الاولى عام ١٩١٨.
وتعود فكرة المدرسة الاستخبارية والفكر الامني الى بدايات تشكيل الامبراطورية وانتشار الحس القومي والصراع المذهبي بين البروتستانت والكاثوليك والحروب المستمرة بين الدول الاوروبية والتي كانت تتكرر وتنشب وتخمد وتعود , وخلال الخمسة عقود من عمر الامبراطورية تشكلت الفكرة الامنية ومفاهيم الأمن القومي الالماني ضمن هكذا بيئة ومناخ , وكان الاهتمام المتزايد بالعمليات على حساب جمع المعلومات بمثابة السمة الواضحة في المدرسة الالمانية.
وكان الامن الجماعي الاوروبي له سياسة امنية التزمت بها دول اوروبا بعد سقوط نابليون لمنع تكرار غزوات مشابه لغزوات نابليون , واستمر هذا النظام الأمني قرابة النصف قرن , حتى بادرت الدولة الالمانية الحديثة "الامبراطورية الالمانية" في عام ١٨٧٩ الى حلف ثنائي مع النمسا , فرسخت نظام الاحلاف وسياسة التحالفات والذي استمر في تزايد بين دول اوروبا حتى انتهى بالحرب الاولى وكان احد اسبابها.
فإهتمت المانيا بترسيخ مبدأ الامن الوطني كامبراطورية حديثة , فكانت لا تهتم للأمن الاوروبي بقدر اهتمامها بالامن الداخلي الذي اولته جل اهتمامها , فكانت تولي اهتمام بالغ بقطع يد المخبرين والجواسيس مع تزايد الحس القومي للامة الالمانية.
--------------------------------------
اشعال حربين وتغيير انظمة
--------------------------------------
وبإعتبارها من مسببي اشتعال حربين عالميتين , فان للاستخبارات الالمانية الاولوية في سلم المدارس الاستخبارية , فقد استطاع الالمان , برغم الفارق الزمني القصير , ان يبنوا مدرسة استخباريه قوية شغلت العالم من ١٩١٠ الى ١٩٤٥ , واخافت الجميع وروعت السياسيين واستطاعت ان تتقدم بخطوات متسارعة جداً , رغم البناء الاستخباري البريطاني والفرنسي القديم والطويل .
فقد دخلت الى عقول الامراء والقادة في كل انحاء العالم بالعامل النفسي والدعاية القوية , حتى ان اول تجربة حقيقية لاسقاط امبراطورية وتغيير نظامها يعود للاستخبارات الالمانية عندما دعمت البلاشفة ضد حكم القياصرة واسقطت النظام في ١٩١٧ , وهو من ابرز ما قامت به الاستخبارات لإخراج احد اهم الجيوش من جبهة العدو بتغيير النظام الحاكم وبعمل امتد لعدة سنوات على عدة محاور تم فيه لم شمل وتوحيد المعارضين , والدعم الاعلامي والعسكري و المالي والحرب النفسية.
رغم ان شكل الاستخبارات الخارجية كمؤسسة كان غير متكاملاً انذاك , وكانت تدار من خلال وزير الخارجية وكانت الاستخبارات العسكرية واستخبارات ميدان فقط , لكن التآمر واسقاط نظام يحسب قصب السبق فيه للاستخبارات الالمانية.
ورغم ان الالمان خسروا الحرب , لكن هنالك قصصاً كثيرةً , وعمليات ذكية جداً نفذتها الاستخبارات الالمانية لا يمكن التغافل عنها , كزج عملاء , وتجنيد ضباط في جانب العدو , ورغم ان النظام الهتلري كان حديث العمر في الحرب العالمية الثانية , لكن استخباراته تطورت بشكل هائل وتطور معها الخطر والتهديد بشكل كبير.
---------------------
العنف الصامت
---------------------
كانت المدرسة الالمانية من أعنف اجهزة الاستخبارات وقد تكون الاعنف في مجموعه الاستخبارات الدولية الكبيرة , وتتمحور نظرية المدرسة الالمانية على الحرب السرية ( الصامته ) لاسيما في الحربين العالميتين , اي ان الاستخبارات ليست لجمع المعلومات بقدر ما هي اداة حرب سرية بصمت وبلا ضجيج , ولذا اشتهرت اجهزة الاستخبارات الالمانية بتنفيذ عمليات قتل واغتيال وتفجيرات وتدمير واشعال فتن وقتل العملاء.
وتمتاز المدرسة الالمانية الاستخبارية ب :
١ العسكرة في منظومة الاستخبارات اي ان زعامة المؤسسة للرتب العسكرية العليا.
٢ الإنضباط الشديد .
٣ العمليات النشطة حيث تميل الى العمليات السرية كثيرا .
٤ المركزية الشديدة .
٥ التركيز على الحرب النفسية ضد العدو من خلال الاعلام الموجه.
٦ تبرع في الخداع والتضليل.
٧ تتقن استخبارات الميدان
٨ اتقنت عمليات الاستخبارات المضادة.
الا ان الاستخبارات الالمانية اخفقت في الاستخبار البعيد , فرغم قصفها الشديد على بريطانيا وتفوقها الجوي الهائل , الا انها لم تفلح في تحقيق اصابات دقيقة وحيوية مما يشير الى ضعفها في زرع العملاء خلال الحرب العالمية الثانية .
رغم ان اول تطبيق لقانون حماية اسرار الدولة ومكافحة الجاسوسية والمشرع في بريطانيا عام ١٨٨٩, قد طبق من قبل احدى المحاكم في ١٩١٠ ضد ضابط شاب الماني "زيغفر هلم" حيث اعتقل ومعه رسومات عن ميناء بورتسموث الحربي.
وكانت الاستخبارات الالمانية " الغستابو " تتكون من ٤٥ الف موظف غزو العالم استخبارياً , ولنا ان نعتبر ان الوريث الشرعي للاستخبارات الالمانية هي استخبارات المانيا الشرقية التي ورثت المنظومة والفكر النازي في المدرسة الاستخبارية بعد سقوط برلين وتلاشي النظام الهتلري وتقسيم المانيا , وهي وزارة أمن الدولة Ministerium für Staatssicherheit في ألمانيا الشرقية المعروفة إختصارا بشتازي وهي اختصار للكلمة الألمانية Staatssicherheit وتعني حرفيا أمن الدولة.
---------------------
مبدآن حيويان
---------------------
كانت الاستخبارات الالمانية حساسة للغاية تجاه اي احتمال للخرق فكانت لاترحم الجواسيس وتعاملهم بقسوة , وتختبر بحساسية جواسيسها كي تتأكد من عدم تجنيدهم كمزدوجين من خلال سلسلة معقدة من الاختبارات.
في احدى المرات , اثناء الحرب العالمية الثانية الحّت الاستخبارات الالمانية على جاسوس انكليزي يعمل لصالحها , في حاجتها لمعلومات عن وجود مصنع مهم للادوات العسكرية في ضواحي لندن , وضلت تلحّ عليه في السؤال , ولأنه كان جاسوساً مزدوجاً مهماً لدى الانكليز , وبسبب الاصرار اضطر الانكليز الى ان ينتجوا معلومات وهمية عن المصنع ومكانه كي يقنعوا الالمان , الا ان الاستخبارات الالمانية كشفت حقيقة الجاسوس ,لأن الارض التي اشار اليها في المعلومات المزيفة كانت مزرعة لتربية العجول.
وقبل الحرب العالمية , لم تكن الجاسوسية تهتم للأهداف البعيدة لعدم امكانية إستهدافها ومعالجتها , لكن بدخول الطيران اصبح ممكنا ان تفكر بضرب هدف في عمق العدو فاصبحت الاستخبارات تتجسس لتعالج اهداف العدو وتدمرها , لذا طور النازيون مبدأ ((نرى لنضرب )) في جهدهم الاستخباري , وبنيت الفكرة على قوة سلاح الجو الالماني في تنفيذ الضربات , ولعله كان وراء هذه الفكرة .
------------------------
جهاز واحد شامل
------------------------
وفي عام 1956 تم تأسيس جهاز المخابرات الفيدرالية وهو الجهاز الاستخباري الوحيد الجامع في المانيا , ومسؤول عن الامن الداخلي والخارجي , ويشمل المخابرات المدنية والعسكرية ويعمل في كافة المجالات وبكافة الطرق القانونية وغيرها .
وفي العام ٢٠١٩ وبعد ١٢ عاماً من العمل المتواصل في بنائه، ، افتتحت وكالة المخابرات الفدرالية الألمانية رسمياً مقرّها الذي يعدّ الأضخم من بين مقرات الاستخبارات في العالم ولايسمح في المقر مطلقاً بالهواتف المحمولة، وأجهزة الكومبيوتر الشخصية، كما لايجوز استخدام للبريد الإلكتروني الشخصي ولا لوسائل التواصل الاجتماعي، داخل المقر .
ويبلغ تعداد افراد المخابرات الالمانية الفيدرالية الفعليون الرسميون قرابة الأحد عشر الفاً في المانيا والعالم , منهم 6500 حول العالم .
-------------
خلاصة
-------------
ان الاستخبارات الالمانية كانت تتنقل من نظام لآخر , وكل نظام كان يختلف جذرياً عما قبله من بسمارك لهتلر الى شطر المانيا لشطرين ومن ثم توحدها مرة اخرى , وحتى صعود المانيا من اعتى دكتاتورية مدمرة في العالم الى واحدة من اقوى وارسخ الديموقراطيات , ورغم كل ذلك كان بناء الاستخبارات يتم بخطوات متسارعة , ومن هنا فرادتها واهمية الاطلاع عليها , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين