الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثغرة في جدار الأبارتهايد

سعيد مضيه

2020 / 3 / 15
القضية الفلسطينية


طوال نصف قرن ونيف والاحتلال الإسرائيلي يطبق سيطرته المطلقة، يجني الفوائد والأرباح من استعمار الضفة وتهويدها ومحاصرة القطاع. يرتفع جدار الأبارتهايد الذي أسست له حكومة بن غوريون منذ الأيام الأولى لدولة إسرائيل؛ لم يجد ما يصده عن قضم المزيد من الأرض العربية، لم يتعرض لمحاسبة، ولم يضطر لدفع ثمن ممارساته القرصنية. صدرت أصوات معدودة من الوسط اليهودي تستنكر وتستهجن، لكنها ليست وازنة في التدافع السياسي داخل إسرائيلي. ظل المجتمع اليهودي ينحرف نحو التطرف اليميني وتستفحل في أوساطه ثقافة الكراهية العنصرية، ويتعاظم النشاط التخريبي للمستوطنين برعاية حكومة تمثلهم. جاء نظام ترمب اليميني العنصري دعامة إضافية لنظام كولنيالي اقتلاعي، فتح شهيته على إنجاز عملية تحويل فلسطين دولة خالصة لليهود. وأصدر الكنيست قانون دولة اليهود القومية تمهيدا لنسف الحقوق المشروعة لشعب فلسطين في وطنه.
وسط كل هذا الركام بزغت أزمة الحكم وتزايد حجم القائمة العربية. جهد انتخابي متواضع من جانب فلسطينيي يوم الأرض، استهوى بعض اليهود أسفر عن كسب مقعدين للقائمة العربية حرما اليمين الفاشي من مواصلة الاستئثار بالسلطة التنفيذية في إسرائيل. جهد متواضع في الحملة الانتخابية للقائمة العربية خلق أزمة حكم في إسرائيل. تخلص معسكر غانتس ، أزرق أبيض، من حيرته وألفى نفسه مضطرا لأن يمد يده الى القائمة ويدعوها للتفاوض من أجل كسب أصواتها وتشكيل حكومة الأغلبية البسيطة. لم يتحول غانتس عن يمينيته ولم يراجع موقف كتلته إزاء شعب فلسطين؛ وشأن رابين كل ما فكر به إقصاء الفلسطينيين في دولة خاصة بهم دون تحديد طبيعة الدولة وحدودها. هي مجرد قطع الطريق على مشروع الاقتلاع الكولنيالي. ومن المهم إدراك الفرق بين يمين فاشي اقتلاعي، ويمين بديل يعترف بحق الأقلية في البقاء على أرض وطنها. إن إقصاء بنيامين نتنياهو عن الحكم إقرار بفشل نهج اليمين الفاشي ويشكل بداية مرحلة فرط النسيج العنصري، وتقويض نظام الأبارتهايد. خلاصة القول أن ملابسات تشكلت تاريخيا دفعت قيادة أزرق أبيض لتفضيل اللجوء الى القائمة العربية وتحدي الليكود. طبيعي أن يجرّم نتنياهو الخطوة معتبرا القائمة العربية خطرا إرهابيا، والتعاون معها يقوض أمن إسرائيل. وأثناء الحملة الانتخابية لم يوفر نتنياهو جهدا في التحريض ضد العرب والقائمة المشتركة؛ وفي يوم الاقتراع أطلق استغاثة عنصرية بتحريض فاشي ان الحافلات تنقل الناخبين العرب الى مراكز الاقتراع كي يقوضوا الدولة اليهودية! دولة إسرائيل في خطر .
كتب إيهود أولمرت، رئيس حكومة إسرائيل الأسبق ، في صحيفة معاريف ان "آلاف المصوتين الذين فكروا بالبقاء في بيوتهم ركضوا إلى صناديق الاقتراع لإنقاذ الدولة من التهديد الرهيب. آخرون قرروا التصويت لليكود بدلاً من التصويت لأحد الأحزاب على يمينه. أجواء مشابهة فرضها نتنياهو في الحملات الانتخابية الثلاث للسنة الأخيرة: تحريض لا ينقطع ضد المواطنين الإسرائيليين العرب والأحزاب التي تمثلهم.... ليس له مشكلة في أن يشطب شرعية 15 عضواً للقائمة المشتركة، رغم أن لجنة الانتخابات والمحكمة العليا لم تجدا شائبة في ولائهم لقوانين الدولة. وإذا كانت حاجة، فسيحرض نتنياهو ضد النواب العرب، بل وسيسير شوطا ًأبعد وسيحاول تثبيت قواعد أو قوانين تؤدي إلى استبعادهم، أو استبعاد بعض منهم من المشاركة في تصويت الثقة أو حجب الثقة عن الحكومة التي تطرح على الكنيست لنيل ثقتها. لا توجد أي خطوة يتردد نتنياهو في اتخاذها طالما قد تساعده في التملص من ربقة القضاء وضياع الحكم، مهما كان الضرر اللاحق بنسيج الحياة المشترك هنا ".
حملت تصريحات نتنياهو العنصرية الكثيرين على التحرك المضاد. وأخذت تصدر أصوات يهودية تعارض موقف نتنياهو ازاء شرعية وحق الناخبين العرب، وقد يكون موقف رئيس الدولة، رؤوبن ريفلين، من أبرزها، فهو قد رفض تصريحات نتنياهو وانتقدها، صراحة حيث أكد "عدم وجود أنصاف مواطنين في اسرائيل" . وانبرى تمير بيدرو، رئيس الموساد السابق، في مقابلة لافتة لصحيفة "معاريف" الاسرائيلية، نشرت بتاريخ 28/2/2020 ، قال، بشكل واضح وحازم: "لقد وصلنا الى حالة يعتبر فيها كل من لا يوافق على أمر ما سياسي خائنًا. هذا أمر رهيب وخطير . فمن غير اللائق اعتماد دعاية اليمين ضد رئيس أركان سابق ومنعه من الجلوس مع العرب لمجرد تصويرهم كأعداء للدولة. فانا أترقب مجيء اليوم الذي ستكون فيه الأقلية العربية جزءًا من الحكم، ولا أريد ان يقول أحد لليهود الأمريكيين، انتم لا تستطيعون ان تكونوا جزءًا من الإدارة والحكم." وتمير بيدرو كان على رأس عمله معينا من قبل نتنياهو عندما نشرت مجموعة من ضباط الأمن السابقين بيانا ضد نهج نتنياهو اليميني المتطرف، وطالب بحل الدولتين، فأعلن تمير دعمه للبيان حين استقال من المنصب.
وجد نتنياهو مرض كورونا خشبة إنقاذ يستجير به معلنا ضرورة حكومة طوارئ تستبعد القائمة العربية؛ رد عليه غانتس بحكومة طوارئ تضم جميع أطراف التمثيل بالكنيست، ثم أعلن صراحة تقديم ثلاث حقائب للقائمة العربية. أمر مشكوك فيه أن تشارك القائمة بحكومة تواصل الاحتلال وتطلق العنان للمستوطنين.
سخر الصحفي بجريدة هآرتس، أمير أورن، في تحليل نشره على موقع “والا” من مقترح نتنياهو، وكتب: “لو كانت حكومة وحدة وطنية تهم نتنياهو فعلا لكان قد تنحى جانبا وأفسح المجال لحكومة وحدة برئاسة بيني غانتس". كما فضح هزلية التمثيلية ،إذ وقف نتنياهو مرشدا بين الصحفيين: " لا علاقة بين معالجة العدوى وبين مبنى الحكومة التي تعكس قراراتها توجهات وتوصيات المستوى المهني والخبرة ".
وكتب المحلل بصحيفة هآرتس ، فرطر، إن نتنياهو " بدا في المؤتمر الصحافي متطفلا وهو يرشد الإسرائيليين في كيفية العطس واتباع وسائل النظافة، وسط محاولات لترهيبهم برسم سيناريوهات تشبه مشاهد يوم القيامة، وكل ذلك من أجل جني مكاسب سياسية ودعائية في أيام تمتاز بالضبابية وعدم الوضوح وقلق من المستقبل المجهول".
ولفت المعلق البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، " لمواقف متناقضة عنده (نتنياهو)، مذكرا بقوله قبل أيام: “لا نريد وحدة، سنتجه إلى جولة انتخابات رابعة”. ويتساءل نحوم برنياع: فما الذي تغيّر؟ ويقول برنياع إن الذي تغير ليس كورونا، نافيا هو الآخر العلاقة بين مخاطر انتشار هذه العدوى وبين هوية الحكومة.
واستنكر اولمرت تصريحات نتنياهو بهذا الصدد،" إن نحو مليوني مواطن خونة، ورفع شعار ‘إما بيبي أو طيبي’. قال للجمهور إن الخيار الذي في أيديهم هو إما التصويت لدولة إسرائيل اليهودية والصهيونية أو لأولئك الذين يريدون إبادتها".
نهج نتنياهو المدان يمد جذوره في عقيدة جابوتينسكي الذي طرحها في بداية عشرينات القرن الفائت تحت شعار "الجدار الفولاذي". قال ان العرب أذكياء ولن يتخلوا طواعية عن وطنهم؛ وليس لنا سوى أن نراكم فرض الوقائع بحيث يضطر العرب الى التسليم بمشيئتنا . دعا جابوتينسكي الى العنف وصرح على المكشوف بالهدف الصهيوني للاستيلاء على فلسطين بكاملها. كان بن غوريون يخاتل ويناور مخفيا استراتيجية الحركة الصهيونية -هدف إقامة الدولة. ومع أن بن غوريون ناهض موقف جابوتينسكي، واعتبر دعوته فاشية وكرر اتهام حركة حيروت التي أسسها بالفاشية إلا انه، حال نضج الظروف عام 1942 ، وألقى المشروع الصهيوني في حضن التوسع الامبريالي الأميركي على حساب حليفتيه بريطانيا وفرنسا، أعلن عن هدف إقامة الدولة، و تعاون مع المنظمات الفاشية المنبثقة عن حيروت، حيث سمح لمنظمته العسكرية العلنية – الهاجاناه - التنسيق مع منظمتي ليهي وإيتسل الإرهابيتين في العمليات الإرهابية التي وجهت ضد الإنجليز والفلسطينيين واليهود المعارضين. وضع بن غورويون ونفذ خطة دالت من أجل التطهير العرقي في فلسطين. الانتدابية وتنقيتها من غير اليهود. وأكثر من مرة اقترفت الهاجاناة جرائم الحرب وطلب من بيغن تبنيها دفعا للشبهة أمام الرأي العام. بدأت العمليات الإرهابية عام 1939 إثر صدور الكتاب الأبيض من حكومة بريطانيا ثم استؤنفت مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واستمرت حتى حرب التطهير العرقي عامي 1948و1949. وبانتهاء حرب التطهير العرقي فرض بن غوريون نظام أبارتهايد جرد الفلسطينيين من أراضيهم وميز ضدهم . وبعد عدوان حزيران وعلى إيقاع نهب الأراضي العربية وتوسيع الاستيطان شرع المجتمع اليهودي ينحرف نحو اليمين وتستفحل ثقافة الكراهية العنصرية بين صفوفه ، مما ضاعف شعبية الليكود.
بمجرد تسلم ميناحيم بيغن رئاسة الحكومة إثر انتخابات عام 1977 باشر مشروعا استيطانيا استهدف " جعل من المحال قيام دولة فلسطينية غربي النهر". ولما عارض الرئيس الأميركي المشروع الاستيطاني المقترح، نظرا لكون الأراضي المستهدفة بالاستيطان محتلة، شن ضده بيغن حملة شعواء تمظهر خلالها بدور الضحية، جريا على التقليد الصهيوني كلما فرغوا من التحضير لعدوان إرهابي.
ولما تحول رابين للاعتراف بكيان فلسطيني شن ضده نتنياهو حملة شعواء، وحسب تعبير اولمرت في مقالته المشار اليها أعلاه،" خلق الأجواء السامة التي أدت إلى اغتياله . فكيف يمكن أن ننسى المظاهرة مع التابوت، كيف يمكن أن نحاول طي المشاهد في ميدان صهيون، مع صورة رابين في بزة الـ أس أس حين كان نتنياهو يقف على الشرفة ويخطب، يخلق لأول مرة تهديداً ملموساً على القواعد الأساسية للحياة الديمقراطية في إسرائيل".
لم تقتصر جهود نتنياهو على الداخل ، بل استغل استفحال ظاهرة اليمين العنصري وأنظمته الفاشية في أميركا وأوروبا فنظم نتنياهو وأشياعه خلف المحيط حملة رصدت لها المليارات امتدت علىنطاق دولي دمغ نقد دولة إسرائيل باللاسامية، وحاصر الحركة الدولية للتضامن مع شعب فلسطين. تباهى نتنياهو أن وزيره للشئون الاستراتيجية، غيلاد إردان ، قد أفلح في تقويض التعديل الأول على الدستور الأميركي ، والذي يحمي حرية التعبير بالولايات المتحدة الأميركية، وذلك من خلال ممارسة الضغوط على الهيئات التشريعية لمعظم الولايات وعلى الكونغرس الفيدرالي، حيث أقرت قوانين تحظر نشاط حركة التضامن مع شعب فلسطين! بموجب القوانين الجديدة بات انتقاد سياسات إسرائيل خارج القانون؛ وحيث يسمح في إسرائيل انتقاد ممارساتها فإن انتقاد إسرائيل في الولايات المتحدة يدمر المرء سياسيا وإعلاميا وأكاديميا. ومثال التأثير المدمر للقوانين الجديدة ان أساتذة جامعات وجهت لهم دعوات لإلقاء المحاضرات فرض عليهم التوقيع على بيانات يقرون أنهم لن يقاطعوا إسرائيل، كشرط لاعتلاء المنبر . تعتبر هذه الإجراءات داخل الولايات المتحدة أخطر قيد على حرية التعبير منذ فترة مكارثي في أوائل عقد الخمسينات من القرن الفائت.
ورفعت الصحفية آبي مارتين قضية حقوقية ضد جامعة جورجيا بسبب إلغاء محاضرة لها بعد رفضها التوقيع على تعهد بعدم مقاطعة إسرائيل.
ومثال آخر ألغت كلية بولاسكي التقنية في جامعة أركنساس يرنامج دعاية مع صحيفة" ليتل روكس أركنساس تايمز" بعد أن رفض مالكها، ألان ليفيريت، التوقيع على تعهد أنه لن يقاطع إسرائيل، معتبرا ان القوانين التي أقرتها ولاية أركنساس مع 27 ولاية أميركية أخرى غير شرعية، وهو لذلك يفضل المخاطرة بمشروعه التجاري على الرضوخ لقوانين انتهكت التعديل الأول للدستور الأميركي. من المهم الإشارة أن ليفيريت لا يقاطع إسرائيل.
إن انتقاد سياسات إسرائيل لا تنطلق من كراهية لليهود ، وهي إحدى القضايا الراهنة لحقوق الإنسان. غير أن اللوبي الإسرائيلي والإجرام الليكودي المنظم يبذلون المساعي الحثيثة لإزالة العقبات بوجه سياسات الاستيطان عن طريق تلويث أنشطة حقوق الإنسان، التي شرعت تهتم بالاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية نظرا لامتناع الحكومات ذات التأثير في السياسات الدولية عن التدخل لإيقاف جرائم إسرائيل ضد الإنسانية .
هذا الجدار الخارق للحدود يشارف على التفكك تمهيدا لانهياره . وليس تعاقب انتخابات نيابية ثلاث خلال أقل من عام سوى مظهر لأزمة نهج عنصري إحلالي وكولنيالي. حاول اليمين الليكودي إضفاء الطابع الديمقراطي على دولة الأبارتهايد، مستظلا بتأييد دول الغرب الامبريالية او تغاضيها. غير ان أزمة حكم الأبارتهايد استفحلت وأحدثت التصدعات في هيكله . حاول نتنياهو إرهاب الطيف السياسي المعارض ، إذ وضع القائمة العربية خارج القانون في اعتداء صارخ على قرارات المحكمة العليا واللجنة العليا للانتخابات. وجاء موقف التحدي لديماغوجية نتنياهو يخرق جدار الأبارتهايد ويقر للعرب حقوقهم مواطني دولة ، بل سكانها الأصليين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال