الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجند بخمسة وعشرون ليرة

حسن كله خيري

2020 / 3 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في يوم الثلاثاء بتاريخ 15/3/2011 كان لي موعداً مع شعبة التجنيد العسكرية في منطقة عفرين أقصى شمال سورية، طبعاً في كل صباح كنت أستيقظ باكراً للذهاب إلى مدرسة الثانوية في مدينة حلب، بحكم أن القرى الكُردية غير مخدمة بشكل جيد من ناحية التعليم، والخدمات الضرورية للمواطن، لكن هذه المرة توجهت نحو مدينة عفرين وصلت باكراً قبل شروق الشمس بقليل لحجز دور في الطابور الذي سيقف أمام الشعبة، انتظرت لحين فتحت الشعبة أبوابها في حوالي التاسعة بعد أن أنتهى الموظفون من وجبتهم الصباحية.

صاح المجند خمسة الأوائل أدخلوا، طبعاً مع سيل من الشتائم والسباب كما كنا نسمع من الذين سبقونا في الألتحاق بالجيش السوري، حان دوري مع خمسة شبان أخرين للدخول، دخلنا وسط سخرية العناصر.

_ الموظف: حسن؟
_ نعم
_ أعطيني أوراقك تثبت أنك سوري من عفرين وتثبت إنك طالب؟
_ تفضل هويتي وشهادة الإعدادية وعدة أوراق أخرى.

هنا استغرق الوقت طويلاً وأنا أدخل غرفة تلو أخرى، دخلت حينها أكثر من أربع غرف داخل المبنى، وطبعاً أخر غرفة يجب علي دخولها هي غرفة رئيس الشعبة، وفي النهاية دخلت غرفة صاحب السيادة جالس خلف الطاولة بملامح متعصبة وهذه ملامح تعودنا عليها عامة تدل على محاولة تخويف وإعطاء الهيبة، وكما تعلمها من غيره من جماعة الذين يسمون أنفسهم أبي حيدرة من حاشية الأسد.

_ حسن؟
_ نعم
_ أوراقك يا حسن؟

أعطتيه، وقع عليها وختمها مع تحريك شفتيه روح ع ثكنة هنانو العسكرية مشان تساوي فحوصات الطبية ماشي.
_ حاضر

في اليوم التالي ذهبت إلى ثكنة هنانو كون لم يبقى لدي وقت الكافي نتيجة بعدها عن قريتي، وصلت إلى الثكنة صباحاً، حيث المئات من الشباب من مختلف الفئات السورية المتواجدة في محافظة حلب، منهم شبان جدد سوف ينضمون للجيش، منهم من سيتم فرزه، ومنهم مثلي يريدون إجراء الفحوصات.

وقفت في دور لأنتظر الدخول لأجراء أخر التواقيع، دخلت إلى غرفة الإنفرادية أنتظرت لحوالي الساعة، حان دوري أخيراً وأنا أمشي نحو المكتب وإذ بموظف ضخم الهيئة في عقد الثالث من العمر، يحمل رتبة ضابط لا أتذكرها بالضبط.

_ أنت حسن؟
_ نعم
_ النظام لا يعمل إذهب وعد في الغد!

_ رددت ماذا أفعل أنا، أتكلم معه، قد أتيت من عفرين ولدي مدرسة لا أستطيع المجيء دائماً أريد أن أنهي هذا العمل لكن بدون جدوى!

_ صمت قليلاً … وقال يمكننا تمرير التقرير طبي … إن ساعدتني وهو يقوم بتدوير شاشة الحاسوب لأصدق مايقوله.

_ كيف أساعدك؟

_ بلهجة خفيفة قال ... قديش معك ... هنا فهمت ما يقصد!

_ رددت لدي 30 ليرة فقط، أنا سأعطيك 25 وخمسة لي، لكي أصل بها إلى حي الأشرفية ( حي الكُردي في مدينة حلب )، أعطيته ما أراد 25 ليرة، وطبعاً خلالها لم يخلوا الأمر من محاضرة في الوطنية (بدن تشد عظمك يا حسن).

أنتهت معاملتي وخرجت من الغرفة وفي يدي فقط 5 ليرات، حينها لا أدري ماذا جرى لي سوى أنني كنت أريد فقط الوصول إلى البيت بسبب التعب، الوقوف الطويل، سماع المحاضرات والكلام الذي أرهق الشعوب الشرقية، أريد الانتهاء فقط، لكن لم أكن أتوقع يوماً ما سوف يطالب السوريون بالحرية والكرامة نتيجة لثقافة الرقابة والترهيب من قبل دولة البعث، وما رأيته قبل هذا الموقف في سجن المركزي وفرع الأمن في حي الأشرفية بداية 2010، لم أكن أتوقع أن الحرية سيكون مهرها غالٍ، وأن الجيش الذي كنت سأنضم له سوف يحارب شعبه الذي أقسم أن يدافع عنه وأعلن له الولاء، لم أكن أتوقع أن الثورة ستمر عليها ذكرى التاسعة لإنطلاقتها وما زال المجرمون يقتلون ومازالت البلاد تنحدر نحو الخراب والتهجير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟