الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الريف و المدينة في المجموعة القصصية أصوات لم أسمعها

صابر عصام
أستاذ باحث

(Aissame Sabir)

2020 / 3 / 15
الادب والفن


- صدرت مؤخرا مجموعة قصصية للكاتب المغربي محمد زهير عنوانها (أصوات لم أسمعها) عن دار النشر «المطبعة والوراقة الوطنية»
موزعة على مائة و ستّ عشرة صفحة، و تضم هذه المجموعة الأنيقة عشر قصص،هي على التوالي:
«تنازع»
«شرفةعلى الماء»
«ألوان الطيف»
«الوليمة»
«خفق الغيم»
«أنوارالشموس»
«السفر»
«الرديفان»
«إيكاروس»
و«أصوات لم أسمعها».

_ هذه الأخيرة هي التي أشعلت آوارَ البحث لسبر أغوارها و الإحاطة، ولو نسبيا، بما تحتجنه من قضايا و تيمات، ناهيك عن كونها الجزء الذي شمل الكل بما تنضح به من آليات السرد...
و تمتاز هذه القصة بشكل خاص و المجموعة بشكل عام، باللغة الإيحائية و الموضوعات الجمالية، و غيرها من القضايا التي تستهوي عشاق الشعرية في الإبداع.

_ بدأ الكاتب قصته بسرد متقطع اعتمد فيه عدة تقنيات مما يجعل من هذا المثن القصصي خزانا لعديد من الاليات الإجرائية التي تنم عن إحاطة الكاتب بها، ناهيك عن القضايا الثقافية و الاجتماعية التي مررها عبر متوالياته السردية قيد الدراسة.
قبل استعراض و استخراج تلك الاليات السردية، سنقوم بادئا ذي بدئ باستنطاق هذا المثن المبني وفق تصور استرجاعي، إذ إن القاص افتتح قصته بقطيعة جلية للتسلسل المألوف و المنطقي لوقوع الأحداث و ترابطها. بتقديم ما كان من المفترض تأخيره و هو التحسر على ضياع و انسياب الزمن من بين يديه دون سماع الكلمة المرجوة، ولا بوح بما يخالج شعوره. ليأخذ بعد وصف نقطة الانطلاق في استذكار الأحداث و المغامرات التي عاشها في صمت مع صفية يوما بعد يوم... حدثا بعد حدث... شربة بعد شربة... .و نظرة بعد نظرة.
هذا الاسترجاع الزمني الذي نزل عليه بثقل رهيب في لحظة تبادل نظرات الوداع مع طيف صفية الزائر له في لمعة المياه، جعل من ذاكرته المخرومية تتدفق أحداثا كلها حسرة و تدمر من شخصية الذات البطلة، كما يتدفق الينبوع ماء صافيا لم يقدر فاه المعلم هذه المرة عليه شربا بعدما لاح له طيف العشق الممنوع زائرا...
وفق هذا التصوير المتقطع جاء السرد حكيا و استرجاعا لما قد خزنته ذاكرة البطل من أحداث قد مر بها دونما استرسال و لا ترتيب في عرضها عمد القاص إلى الحذف و تجاوز ما قد رآه زائدا و مشوشا في مثنه، و تلخيص و إيجاز لما قد يكون إطنابا في سيناريو التقديم.
إذا سلطنا الأضواء على أولى عتبات النص، العنوان، نجدها حبلى بتأويلات عدة تبقى أهمها معاناة الذات البطلة في سكون و هدوء دونما إقدامها على البوح رغم طغيان ضمائر تعود على هذه الذات الذي يظنها القارئ بطلة فعلا، و رغم حركية جملها الفعلية إلا أنها أفعال ثابتة مادام أنها تتحرك في غير موضعها و تنطق عكس ما ينتظر منها...
أفعال ثابتة، و كلمات صامتة من الذات البطلة، تقابلها إشارات ناطقة من الطرف الاخر، طرف مُلحّ على إرسال خطابات مشفرة عبر قنوات مختلفة إلا أن متلقيه المفترض لم يكن ليفك شفراتها دونما انسلاخه من جلدة المدينة التي لم تدع موضعا في المعلم دون ملئه، حتى أردفته ذاتا لا تكاد تسمع إلا خرير المياه و صفائه، و سماقية الأشجار و اخضاراها، أما معزوفات صفية على أوثار الاختفاء و التجلي، و نغمات هيت لك المتعددة، فتكاد تكون معزوفات بيتهوفن و موزار الراقية أنغامها للصم و البكم.
هكذا جاءت دواليب السرد متقطعة بين استباق و استرجاع إلى حين اليوم الفاصل دفؤه فاه المعلم عن طيف صفية في لمعة الماء...
و نحن نقرأ القصة استوقفتنا مجموعة من المضامين التي اتخذها القاص مطية مناسبة لمثنه الحكائي؛ تأتي أبرزها في كيفية نقل الصورة النمطية لأحوال البادية في المخيال الثقافي، إذ إن همّ كل مثقف كما صوره القاص في شخصية المعلم، هو الحضارة للتمتع بما تزخر به من وسائل الترفيه و إشباع الشبقيات، و التجول بين بنيانها المرصوص المرصع الشاهق.
اما البوادي فلا رغد عيش يرجى فيها، و لا متعة تمنحها، لذا فالمعلم، محور الأحداث، استحوذ عليه شبح المدينة بأطياف مومسها و حاناتها الصاخبة و شوارعها البراقة. مما أوقعه في شَرَك اللامبالاة للزهرة الوردية الملبس، الناعمة الملمس، اللطيفة المسمع، الصافية المنظر. حجاب المدينة أسدل على صفية و فضائها، الذي طالما كان ملاذا لاستعادة صفاء الفكر. أما فكر المعلم فقد أفلت فيه صورة صفية و البادية مع بزوغ شعاع المدينة فيه كل صباح و مساء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل