الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الاجتماعي والانقسام الطائفي

معقل زهور عدي

2006 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تفعيل الصراع الاجتماعي كبديل عن الانقسام الطائفي

في أحد جوانبها تمثل النزعة نحو الطائفية انحدارا للعقل وانتصارا للغرائزية ، وفي سياق هذا الانحدار يتم ايقاظ أحط المشاعر البشرية كالحقد ، والتعصب ، والعنف ، والثأر ، واحتقار الثقافة والقيم الانسانية النبيلة ، الطائفية ليست التدين ولكنها عودة للعصبية القبلية بعد ان طردها التدين ، هي انتقام القبلية من التدين ، ومن وجه آخر هي انتقام البربرية من الحضارة في دورة صراع لانهاية له .

في روسيا ليس من الصعب رؤية الانحدار نحو البربرية في الستالينية ، فالبربرية الكامنة لاتنتظر زوال كل جوانب الحضارة ولكنها تتسرب من خلال أي نزعة قادرة على حملها بغض النظر عن المسميات والعناوين ، الستالينية والفاشية وجهان لانبعاث البربرية الأوربية التي لم تستسلم للمسيحية الشرقية .

اذا لم تكن الحضارة في النهاية هي كرامة الانسان وحرمته ومجده فماذا تكون ؟

الطائفية العربية ( بتمايز عن الطائفية الأوربية البائدة ) هي انبعاث النزعة القبلية بقناع ديني ، حيث تحل صلة المذهب مكان صلة الدم مقصية كل الصلات الأخرى الى مرتبة ثانوية ، ولكون مثل ذلك الاقصاء لايمكن ان يكون عقلانيا فهي تحتاج الى تخفيض مرتبة العقل لانجازه ، هي تقول للناس : ( ضعوا عقولكم في ثلاجة ، واستسلموا لما هو أسهل أي للغريزة ، ليس من داع للتفكير في سبب للتعصب الطائفي ، فكل سياق للتفكير المنطقي سيقود الى اعلاء شأن العقل وسيكون في النهاية خطوة بعكس الاتجاه المطلوب ) .

بسبب ان القبلية نزعة من الماضي ، من نمط حياة بائد ، فهي تعاني في انبعاثها الطائفي من خطر دائم ، ولتتمكن من البقاء حية تبحث باستمرار عن نقاط استناد اجتماعية واقتصادية وسياسية مستمدة من الواقع الراهن ، فالطائفية لتبقى لابد ان تتحول الى مصالح اقتصادية ، وعلائق اجتماعية ، وهياكل سياسية ، وفي سياق تحول كهذا تقوم بتدمير الروابط الأخرى ، أو تشويهها ، أو تخفيضها ، ومن ثم تقف عقبة كأداء أمام اعادة تشكلها ونموها.

من وجهة النظر التاريخية محكوم على الطائفية العربية بالزوال مثلها في ذلك مثل الطائفية الأوربية البائدة ، لكن ذلك لايتضمن أي وعد بنهاية قريبة لها .

ثمة خياران : اما ان تغرق المنطقة في سلسلة حروب طائفية تفضي في النهاية لاستهلاك طاقة الطائفية ذاتها ، وهذا ماتفعله الصراعات العنيفة دائما أقصد استهلاك الطاقة الكامنة في عواملها ، أو أن ينتصر الوعي والعقلانية وتنتفض شعوب المنطقة لتمسك مصيرها بيدها وتختصر مسارا طويلا من الألم والدم والخراب.

ديناميكية التدهور الحالية لايمكن وقفها سوى بديناميكية أخرى ، مستمدة بالضرورة من التحليل الاجتماعي والتناقضات الاجتماعية .
تفعيل الصراع الاجتماعي هو الأداة المتاحة لانتاج ديناميكية تحيد الصراعات الطائفية وتدفع المجتمع نحو الأمام بدل أن يغرق فترة طويلة في صراع دوراني تدميري .

يتضمن تفعيل الصراع الاجتماعي اعادة اعلاء شأن العقل والعقلانية ، فانقسام المجتمع الى فئات اجتماعية متمايزة من حيث المصالح الاقتصادية هو حقيقة ملموسة ، مثلما هي حقيقة ان كل فئة تسعى لتأمين مصالحها عبر السياسة والهيمنة على المجتمع .
وعلى سبيل المثال تبدو الدعوة لتفعيل دور النقابات باعتبارها التنظيم الاجتماعي القادر على الدفاع عن مصالح الفئات الاجتماعية المنضوية ضمنه بديلا عقلانيا وحقيقيا عن دور العلاقة الطائفية المتخلفة التي تزعم اضطلاعها بهذه الوظيفة.
من الواضح ان بلدا مثل سورية يسير بخطوات سريعة نحو تمايز طبقي بين طبقة واسعة لاتكاد تقدر على تأمين معيشتها ، وطبقة من المليارديرات لاتجد مايكفي من وسائل البذخ المتناسبة مع ثروتها الاسطورية !
هذا الانقسام الذي يتسع يوما بعد يوم يمثل فرصة لاستنهاض صراع اجتماعي تقدمي وسلمي يذيب في ديناميكيتة حركته الانقسامات الطائفية أو يخفضها الى درجة التحييد .
انتزاع العمال والمهنيين من الفقراء والطبقة الوسطى المهددة بالفقرمن براثن الطائفية ، ودفعهم للتضامن في نقابات ، للدفاع عن مصالحهم ، وتفعيل الصراع الاجتماعي هو في أحد الوجوه ضرورة لعكس ديناميكية التفكك الطائفي والتعبئة الطائفية .

حركة كهذه لايمكن ان تنبسط بدون فكر سياسي اجتماعي – ديمقراطي ، فكر قادر على وعي حقائق العصر ، بحيث يتمكن من جعل تفعيل الصراع الاجتماعي مقدمة لفتح آفاق جديدة نحو الأمام ولايقف عاجزا امام حركة ذلك الصراع.

فالتقدم نحو الأمام في حركة الصراع الاجتماعي هو الضمانة للابتعاد عن السقوط ليس في مهاوي الطائفية فقط ولكن لتحقيق كل انجازات المرحلة التاريخية بما في ذلك المهمتين الليبرالية والديمقراطية .
ناقش بعض المثقفين مسألة تحقيق المهمتين الليبرالية والديمقراطية ، وبحثوا طويلا عن الحامل الاجتماعي لهما ، ومن وجهة نظرنا فان تفعيل الصراع الاجتماعي ، وحشد الطبقات الاجتماعية الفقيرة والوسطى المفقرة ضمن هياكل نقابية وسياسية هو السياق الذي يمكن من خلاله انجاز المهمات الليبرالية والديمقراطية ، والأهم من ذلك تجنيب البلاد مسارا مماثلا للمسار العراقي أو اللبناني أو ربما أسوأ من كليهما .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة