الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرديّة ليست حرّية

قاسم هادي

2020 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الجاذبية موجودة وفاعلة تحدث كل لحظة في أماكن مختلفة حول الكون، نيوتن أشار إليها وإكتشفها فقط، عرّفنا بها، فسّر الظواهر المرتبطة بها، الشيوعية كذلك كحركة قائمة كصراع طبقي مستمر يحصل كل لحظة في أماكن مختلفة من هذا الكون، ماركس أشار اليها وإكتشفها، عرّفنا بها، فسّر الصراع الحاصل بوجودها لكن عظمة ماركس لم تكن في التفسير فقط وإنما إصراره على تغيير الواقع وقيادة الصراع ودعوته لكل القادة العماليين للخوض في الصراع علنياً وإظهار جبروت وجسارة الطبقة ، هذا الصراع الطبقي يظهر بأشكال متفاوتة بدءاً من صكّ العامل لأسنانه وهو يتجه لعمله دون رغبته وحتى الإضراب العام والعصيان المدني، لم تختفي الحركة يوماً لم يختفي الصراع اطلاقاً، يسكن احياناً ويركن للسراديب أحيانا أخرى لكنه باقٍ وسيستمر. فيما يتعلق بالجماهير والعمال بشكل خاص فان عاملين أساسيين يحولان بينهم وبين الانتماء إلى الشيوعية او حتى الثقة بقدرتها اجتماعياً وسياسياً،، مع عدم إنكار انتشارها السريع في العقدين الأخيرين.

كان لسعي البرجوازية المحموم وإنفاقها المليارات لتحقيق هدفين أساسيين أولهما هو شيطنة الشيوعية وربط أي حدث سيء بمخططات الشيوعية حتى صار الغرب مقتنعاً (كاقتناع العرب بالمؤامرة الصهيوامريكية ضد النهوض العربي). صار العامل لايثق بالشيوعية بل يفضل العمل ليل نهار ليصل الى "دولة الرفاه" وحتى بعد إثبات التاريخ لهذه الكذبة فانه يبقى يتعلق باي من "الكبار" الأطراف الاخرى من البرجوازية لانقاذه لان الشيوعية حين تعطيه الحرية ولكل حسب حاجته ومن كل حسب قدرته وتعيد له الخيار ستسلبه روحه، ولا اعرف شخصيا ماذا يبقى من الروح في ظل الرأسمالية كي تسلب!!؟. سعت البرجوازية بشدّة في جعل خيارات العامل هو نائب جديد في البرلمان يحصل على دعم النقابات ويحقق مالم يحققه الآخرين في السبعين دوره برلمانية سابقة او عمدة او محافظ او رئيس نزيه (افضل من غيره) استغلت في ذلك قيادات نقابية، قساوسة، رجال دين، والأعلام وانهالت الفتاوى مدفوعة الثمن مثلا من كلا جانبي المعممين شيوخا وملالي ضد الشيوعية وحصر المنهج القادر على إدارة الثروة العالمية ومنح الرفاه مع تقليل ساعات العمل وخفض سن التقاعد وكل ما يحلم به اي إنسان سويّ،حصره بمجرد دعوة الحاد.

نفس هذا العامل ينطبق على دول القطب المناهض للرأسمالية وهو قطب رأسمالية الدولة وكل تلك الدول التي دارت حكوماتها في فلك الاتحاد السوڤيتي والتي ظلّت لعقود تقمع شعوبها وتقنعهم ان هذه هي الشيوعية فان العامل وأصحاب الأعمال الصغيرة باتوا يعرفون كما الشمس بربرية "الشيوعية" التي تعلموها من قادة المعسكر الشرقي والأحزاب "الاشتراكية" التي لم تختلف كثيرا عن حزب البعث. عوضاً عن ممارساتها القمعية وخداع الجماهير ب "شيوعيتها" فانها علمت حتى أطفال المدارس ان الشمولية هي الشيوعية وهي إلغاء الفرد وذوبان أحلام وشخصية وطموحات وإنجازات الإنسان في الدولة هو القربان الذي يدفعه الإنسان ليعيش بلده الحرية والرفاهية دون الإشارة إلى ان الحرية والرفاهية التي يشيرون إليها كانت تعني وزرائهم ورجالات الحكومة فقط. فقد العامل الثقة بالشيوعية في هذه البلدان أيضا ليس لانها تسرق روحه كما يظن العامل في الغرب بل لانها تأكله حيّاً، وحتى حين فشلت في إدارة بلدانها فان صوت سقوط نظامها الرأسمالي، كما يشير منصور حكمت، فانه صار دويّه سقوط الشيوعية.
العامل الآخر، وهو نفس الهدف الثاني الذي تعقبه سعي البرجوازية المحموم، هو ضرب الشيوعية الماركسية في مقتل. العمل على تقديس وتعظيم قيمة الفردية (individualism) التي كل أساسها هو عدم الركون الى التجمعات والاتحادات والتجمع العام الذي هو أساس التنظيم المجالسي. حيث ان حتمية الاشتراكية التي يشير اليها ماركس لا تقوم فقط على أساس أزمات البرجوازية الاقتصادية في تراكم رأس المال وغزارة السلع في وقت عدم قدرة المنتجين (العمال) على شراء نفس بضائع إنتاجهم إنما على الحس الطبقي وإدراك العمال لأهميتهم في مسيرة الإنتاج اولا وقوتهم في اتحادهم وتجمعهم من ناحية ثانية حيث أن الوعي الطبقي مع التنظيم سيمكنهم من إيقاف سلسلة الإنتاج وبالتالي هلاك الرأسمالية بانهيار ترسانتها وطفيلياتها حين لن تكون قادرة على تغذيتها. وهذا بالضبط ماتمت مهاجمته، التجمعات والاتحادات المبنية على أساس التجمع العام لكل وحدة انتاج او وحده سكنية. بتقديس الفردية وان عدم تدخل الآخرين في شؤونك وعدم فرض الأحزاب او الاتحادات أوامرها عليك هو مطلق الحرية دون الإشارة إلى ان الفردية او التبرؤ من التنظيم هو الهدف النهائي لها لتسهيل إدارة الفرد وقمع الفرد واستغلال الفرد.

لاتتعلق مسألة سكون الصراع او ظهوره بفشل التفسير وغياب المنهج او انسداد الأفق إلا ان التحديات الهائلة التي لم يكن بالإمكان حصرها في مقال واحد، اضافة الى العوامل المذكورة ساهمت في تأجيل ودفع الصراع الطبقي الى صراع اقطاب البرجوازية تشارك فيه الطبقة العاملة منقسمة كل جزء مع أحد تلك الأقطاب. الّا ان نفس الرأسمالية أعطت بما لايقبل الشك ان فردانية الإنسان الغربي وقرف العامل الشرقي من "شيوعية" نظامه إلا أن الشيوعية قادمة في قلب شباب التحرير وفي ضمير السترات الصفراء وفي كنداكة السودان ووعي العامل الامريكي مدى قباحة نظامه. في النهاية وبالرغم من أهمية النقاط التي أشرت لها لكن هنالك تحديات أكبر ولا بد للإشارة ان للمقال جانب آخر أود إيضاحه في مقالات قادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة