الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أردوغان وموافقة الاضطرار على اتفاق موسكو بشأن إدلب

عليان عليان

2020 / 3 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


بات واضحاً أن أردوغان الذي تعهد وتوعد بإجبار الجيش العربي السوري للعودة إلى المناطق السابقة على تحريره ما يزيد عن 2000 كيلو متر مربع من محافظة إدلب قبل نهاية شهر فبراير- شباط الماضي ، تراجع عن هذه الوعود مضطراً في الاتفاق الذي وقعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الخامس من آذار الجاري ، والذي جرى اعتباره ملحقاً لاتفاق سوتشي الموقع بين موسكو وأنقرة في 17 أيلول- سبتمبر 2018 الذي لم يلتزم به أردوغان .
فالاتفاق في نصوصه المختلفة يعكس ميزان القوى على الأرض في محافظة إدلب المائل بقوة لمصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه ، ما يعني أنه الاتفاق الذي وقعه أردوغان هو اتفاق الاضطرار المرتبط بالعديد من العوامل أبرزها :
أولاً : الخسائر الكبيرة التي مني بها جيش الاحتلال التركي، وفصائل الارهاب في محافظة إدلب، على يد الجيش العربي السوري وحلفائه من الإيرانيين ومن فصائل المقاومة وعلى رأسها حزب الله ، بدعم جوي روسي حاسم، خاصةً بعد هزيمة الجيش التركي في معركة سراقب الاستراتيجية والخسائر التي لحقت به ، والتي اعترف بها أردوغان لحظة مغادرته موسكو ، حين صرح بأن عدد قتلى الجيش التركي كان بالمئات.
ثانياً : : إدراك أردوغان في اللحظة التي سبقت وقف إطلاق النار ،أن استمرار المعارك في محافظة إدلب من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه، بدعم روسي غير محدود ، سيؤدي في المحصلة إلى الاصطدام مع روسيا وجهاً لوجه ، وهو لا يريد الوصول إلى هذا الخيار بانتظار متغيرات دولية وعسكرية لمصلحته ، خاصةً وأن وصوله لهذا الخيار ينطوي على كلفة عالية جداً عسكريا في مواجهة دولة عظمى ، وكلفة اقتصادية هائلة قد تؤدي بالاقتصاد التركي إلى الحضيض ، في ضوء المزايا التي تحصل عليها تركيا من التبادل التجاري والسياحة مع روسيا ، وفي ضوء امتياز خط الغاز الروسي عبر تركيا الذي يعود على تركيا بفوائد اقتصادية لا حصر لها.
ثالثاً: تنامي المعارضة التركية له في الداخل ، بعد نقل مئات من جثث الجنود الأتراك في صناديق خشبية ، ما دفع المعارضة التركية وأوساط كبيرة من الرأي العام التركي ، لأن ترفع الصوت عالياً ضد التدخل التركي في سورية ، والذي عبر عن نفسه بالعراك بالأيدي الذي دار بين نواب حزب العدالة والتنمية الأردوغاني ، وبين نواب المعارضة من الحزب الجمهوري وحلفائه في قاعة البرلمان التركي.
لقد بدأت أوساط كثيرة في تركيا تطرح السؤال الكبير : لماذا يموت أبناءنا في سورية ؟ ذلك السؤال الذكي الذي طرحه الرئيس السوري بذكاء، في خطاب موجه للشعب التركي : لماذا يموت أبناءكم في سورية ؟ مذكراً بالعلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الودية مع الشعب التركي ، وما تركه هذا السؤال من تأثير كبير في الداخل التركي.
رابعاً :لأنه لم يحصل على دعم حقيقي من الولايات المتحدة ، ولا من الاتحاد الأوروبي عشية معارك إدلب الاستراتيجية وغداتها ، ، فالإدارة الأمريكية رغم تصريحاتها الشكلية ، بشأن دعم الجيش التركي في إدلب ، إلا أنها لم تقدم له عملياً أي دعم حقيقي على أرض الواقع، وضعته في إطار اللقاءات الثنائية، بين موفدي الإدارة الأمريكية وحكومة أردوغان أمام الخيار المحدد : إما أن تكون معنا أو مع روسيا بما في ذلك التخلي عن صفقة أس .أس 400.
ناهيك أن الإدارة الأمريكية، وإن شجعته على المضي في معركة إدلب، مقدمة له الوعود بالدعم الذي لم يتحقق ، كانت تسعى لإطالة أمد المواجهات في إدلب ، حتى ترتب أمور قواتها في الشرق السوري ، لتأجيل استحقاق المواجهة المحتمة مع الجيش العربي السوري وحلفائه، بعد أن أعلن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، بأن الوجهة القادمة للجيش العربي السوري وحلفائه بعد تحرير إدلب، ستكون باتجاه الشرق لتحريره من قوات الاحتلال الأمريكية.
أما الاتحاد الأوروبي فقد رفض عملياً تقديم أي دعم عسكري أو سياسي له في مسألة إدلب ، ورفض توفير أي دعم له بشأن إقامة منطقة حظر جوي في سماء إدلب ، وكان أن رد أردوغان ، بفتح الباب أمام لجوء عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين وغيرهم باتجاه الحدود اليونانية ، للوصول إلى الدول الأوربية ، ما زاد من شقة الخلاف بينه وبين قادة الاتحاد الأوروبي.
سوريا المستفيد الأكبر من الاتفاق:
كما أسلفت فإن موافقة أردوغان على اتفاق موسكو هي موافقة المضطر ، الذي حققت من خلاله سورية مكاسب كبيرة من عدة زوايا أبرزها:
1-ان اتفاق سوتشي 2018 بات وراء ظهرها ، بعد أن حررت ما يزيد عن نصف مساحة محافظة إدلب ، وأن أردوغان اضطر للموافقة على بقاء الجيش العربي السورية عند خطوط التماس التي وصل إليها مع الجيش التركي والفصائل الارهابية.
2- أن الاتفاق أنجز إلى غير رجعة تحرير خط M5 الذي يربط حلب بالعاصمة دمشق مروراً بحماة وإبعاد نقاط المراقبة التركية عنه.
3- أن الاتفاق نص على البدء التدريجي بفتح طريق M4 الذي يربط حلب بمدينة اللاذقية عبر تسيير دوريات روسية تركية مشتركة على هذا الطريق ، مع خلق منطقة أمان لهذا الطريق بواقع ستة كيلومترات شمال الطريق وست كيلومترات جنوبه ، وتفريغ المنطقتين من أي تواجد للفصائل المسلحة ، ما يضمن تحرير مدينتي أريحا وجسر الشغور وجبل الزاوية وجبل شعشبون ، ناهيك أن الاتفاق، لم يقيد أيدي الجيش العربي السوري في مواصلة مطاردة الفصائل الإرهابية.
4- أن الاتفاق نص في بنوده ، أكثر من مرة ،على وحدة الأراضي السورية ، وسيادة سورية على كامل أراضيها.
5-أن الجيش العربي السوري وحلفائه ، إذا ما تم تنفيذ الاتفاق ، يكون قد وفر على نفسه دماء العديد من الشهداء.
هل أنقذ الاتفاق ماء وجه أردوغان المهدور في إدلب ؟
لكن أردوغان عمل على تسويق الاتفاق، أمام الشعب التركي وفي مواجهة المعارضة ، بأنه إنجاز كبير لتركيا ،من زاوية أنه لم ينص على إزالة نقاط المراقبة الجديدة التي أقامتها تركيا والتي تزيد عن (12) نقطة في محافظة إدلب ، والتي تحولت إلى قواعد عسكرية مجهزة بقاذفات الصواريخ ، وأنه لم ينص على انسحاب ما يزيد عن (15) ألف جندي تركي دخلوا محافظة إدلب، معززين بما يزيد عن (3000) دبابة ومدرعة وغيرها من التجهيزات العسكرية ، والأهم من ذلك أعلن أردوغان بأنه حقق مكسباً سياسياً من خلال النص على العودة لاتفاق جنيف بدلاً من منصات أستانة لحل الأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254.
لكن بعيداً عن عنتريات أردوغان ، ورغم الاعتراف جزئياً بأنه قد حقق بعض المكاسب ، لكن الاتفاق في محصلته كان لمصلحة سورية وحلفائها ، يمكن البناء عليه عسكرياً ،إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه لن يكون سوى هدنة مؤقته أو اتفاق مرحلي ، أرغم أردوغان عن النزول المتدرج من أعلى الشجرة ، بعد أن وعد بإجبار الجيش العربي السوري للعودة إلى المناطق التي كان فيها قبل بدء معركة إدلب.
المواجهة القادمة : تحرير إدلب قرار استراتيجي سوري لا رجعة عنه بدعم روسي مطلق
الرئيس التركي حتى اللحظة - ورغم لقاءات الوفدين العسكريين الروسي والتركي في أنقرة لوضع الآليات لتنفيذ الاتفاق - إلا أنه لم يتخل عن خططه في سورية ، وذهابه إلى بلجيكا ولقائه قادة حلف " النيتو" للحصول على دعمهم في إدلب في إدلب لمؤشر على ذلك ، وخطابه البائس المكشوف إلى جانب الرئيس الروسي بأن سورية هي من أخلت بالاتفاق، رغم أنه بات معلوماُ لدى القاصي والداني، أنه من أخل بالاتفاق ، عندما قطع وعداُ على نفسه في 17 سبتمبر – أيلول 2018 ، بأن سيفصل ما أسماه الفصائل المعتدلة عن الارهابية قبل نهاية تشرين الأول 2018 ...لمؤشر آخر على نوايا أردوغان.
روسيا تعلم علم اليقين أن الفصائل الموجودة في إدلب كلها إرهابية ، وأن أردوغان هو الداعم الرئيسي لجبهة النصرة المصنفة دولياً كتنظيم ارهابي ، وأن الفصائل المتعددة التي تنتمي لجنسيات أجنبية، من أصول تركية ، مثل : كتائب السلطان مراد، كتائب السلطان محمد الفاتح، لواء الشهيد زكي تركماني، لواء سمرقند، أجناد القوقاز، وحراس الدين وكتائب السلطان مراد وغيرها هي من صنيعة نظام أردوغان، وبعض هذه الفصائل اندمج في هيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة)، وتعلم أن تنظيم داعش هو الآخر لقي دعماً في مرحلة سابقة من قبل نظام أردوغان.
وتعلم روسيا جيداً أن أردوغان لن يتخلى عن "جبهة النصرة" ومشتقاتها ،لكنها تسعى بالتدريج إلى دفع أردوغان إلى النزول بشكل كامل عن شجرته العثمانية البائدة، مستثمرةً الخلاف بينه وبين الإدارة الأمريكية في مسألة الأكراد في الشمال السوري ، بعد أن نجحت دبلوماسية أستانة الروسية في جر تركيا، إلى القبول بمناطق خفض التصعيد، في مختلف المناطق السورية ، التي مكنت الجيش العربي السوري من تحرير الغوطة والمنطقة المحاذية للجولان ودرعا وحلب وغيرها ، ليتفرغ لاحقاً لتحرير منطقة دير الزور والبوكمال من تنظيم داعش الإرهابي .
وتسعى كل من روسيا وإيران ، إلى دفع أردوغان للتسليم بقوة الأمر الواقع ، الذي تفرضه انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه في ميدان القتال ، في المرحلة القادمة.
أردوغان يعد العدة للمواجهة العسكرية القادمة ، على أمل أن يحقق مكسباً على الأرض في محافظة إدلب ، في ضوء تواجد ما يزيد عن (100) ألف مسلح من " الجيش الوطني السوري- صنيعة تركيا" ومن مختلف التنظيمات الإرهابية الخاضعة لتركيا، في مساحة كبيرة من الشمال السوريً بدءاً من مدينة رأس العين في الشمال الشرقي، مروراً بجرابلس والباب وعفرين وصولاً لمدينة إدلب ، يعمل على توظيفهم والاستفادة منهم في مجمل حساباته وأهدافه المستقبلية الخاصة بسوريا ، وعلى أمل بائس بأن يكون له حضور دائم في المعادلة السياسية السورية القادمة ، بعد أن فشل في تحقيق هدفه الاستراتيجي العثماني ، بالاستيلاء على سورية والصلاة في المسجد الأموي .
وأخيراً أكاد أجزم في ضوء ما تقدم ،بأن تصدي جبهة النصرة ومشتقاتها يوم أمس للدوريات الروسية - التركية المشتركة في طريق M4 ، لم يخرج عن التفاهم التركي مع التنظيمات الارهابية ، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أردوغان يسعى جاهداً لإقناع أبو محمد الجولاني – زعيم جبهة النصرة- بأن تنضم جبهته في سياق تكتيكي ، إلى صنيعة تركيا المسماة "بالجيش الوطني السوري " ، وأن ترفع علم هذا الجيش ، ويسعى كذلك إلى ضم بقية التنظيمات للجيش المزعوم ، وبذلك يضمن التحلل من اتفاق سوتشي ، تحت زعم أن جبهة النصرة لم تعد تنظيماً إرهابياً.
لكن قوة اندفاع الجيش العربي السوري وحلفائه ،الذي تمكن من تحرير نصف محافظة إدلب في زمن قياسي ، في إطار استراتيجية القضم المتسارع ، وبدعم روسي غير محدود لضمان تحرير كل الأرض السورية وعودة سيادة الدولة عليها ، واندحار الفصائل الإرهابية من عشرات المدن والبلدات بدون قتال يذكر ، يؤكد بما لا يدفع مجالاً للشك أن المرحلة القادمة ستشهد تحرير محافظة إدلب بالكامل، ودخول الجيش العربي السوري لمدينة إدلب، مكللاً بغار الانتصارات على الاحتلال التركي وأدواته الإرهابية .
انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج