الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب في زمن الكورونا

راوية رياض الصمادي

2020 / 3 / 17
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


أستيقظت على أشعة الشمس تداعب وجهي وصوت صياح الديك من بعيد جعلني أبتسم، كان صباحاً منعشاً مليئا بالنشاط، وتوجهت إلى المطبخ لأعد فنجانا من القهوة، وعبر نافذة المطبخ شاهدت أطفال الحي ينطلقون إلى مدارسهم في حافلات المدرسة الصفراء، كانو رائعين ببتسامتهم بملابسهم الجميلة، بطفولتهم البريئة، وجلست على شرفة منزلي أحتسي القهوة بهدوء.

اليوم مميز بالنسبة لي، سيعود زوجي بعد غياب أشهر من ايطاليا، لقد انهي أخيرا من دراسته للدكتوراه، وأخذت أفكر بما سأعده في المساء من أصناف الطعام وبما سأرتديه، لقد طال الغياب وشوقي إليه لم أعد أحتمله، رغم أن التكنولوجيا قد سهلت الكثير، ورغم تواصلنا المستمر عبر الكاميرا، والمكالمات الهاتفية، إلا أنها لا تكفي أبدا عن رؤيته في الواقع، وملامسته وضمه إلى قلبي وتقبيله، الواقع أجمل بكثير.

أنطلقت بسيارتي وتوجهت إلى المدينة لأشتري كل ما يلزمني لأستقبال زوجي هذا المساء، مكالمته مساء أمس جعلت قلبي يخفق بجنون عندما همس لي: "حبي، غداً سأعود في المساء، لقد اشتقت إليك"، كلماته أنفاسه مشاعره جعلتني أشعر في الحريق داخلي، ولم يتوقف قلبي عن الخفقان وكأن أجراس الأعياد في روحي أعلنت بقتراب الاحتفال العظيم.

حل المساء سريعا وكنت قد أعددت كل شيء، لهفتي تجاوزت كل الحدود، فقد أعددت مائدة الطعام وأضأت الشموع في كل أرجاء المنزل وعطرت البيت كله برائحة الياسمين فهو يحبه كثيراً وارتديت أجمل ما لدي، فستان بلا أكمام وعند الصدر الفستان على شكل قلب وضيق عند الخصر لونه أحمر بلون الدم، ورتديت حذاء أسود عالي الكعب وسرحت شعري الطويل عند مزين الشعر ووضعت صباغاً أحمر على أظافري، ورتديت مجوهرات كان زوجي اشتراهم لي قبل أن يسافر وتعطرت، أعددت نفسي بشكل سيخطف أنفاسه عندما يراني.

وتسمرت عيناي على باب المنزل وأصبحت دقات الساعة في المنزل تدق مع دقات قلبي وشعرت بالاثارة والرغبة والتشويق، وأنا في هذه الحالة من المشاعر، أستيقظت من أفكاري فجأة على جرس الباب يدق ومن فرط انفعالي وقعت عن الكنبة وأخذت أضحك على نفسي، ووقفت بسرعة وتوجهت إلى باب المنزل وقبل أن أفتح الباب نظرت إلى المرآة وسرحت خصلات شعري المتطايرة وأخذت انفاساً عميقة ثم نظرت إلى مقبض الباب، وفتحته.

لم أستوعب شيء، عندما فتحت الباب كان رجل الامن يقف بالباب، وقفت كالبلهاء أنظر إليه وعلامات التعجب والاستفهام ومشاعر غريبة خالطت قلبي، وشعرت بأن قلبي سيقف وأخيراً خرجت الكلمات من فمي: "هل حدث لزوجي شيء ما!؟"، نظر إلي رجل الامن وهو يطمئنني بعد أن شاهد الكم الهائل من الانفعالات التي أصابتني وقال:-
- " سيدتي، زوجك بخير، ولكنه الان في الحجر الصحي، فهو مشتبه بأن يكون قد أصاب بفيروس كورونا".
وخرجت الكلمات من فمي كالصاعقة وأصبح لوني شاحباً وكاد يغمي علي من فرط الأنفعال.
- "كورونا!؟"
عندما وجد رجل الأمن أنني سأسقط بعد سماع الخبر أمسكني بسرعة وأجلسني على الأريكة وقال لي:-
- "نعم سيدتي، كل من يأتي الآن من السفر يوضع تحت الحجر الصحي حتى يتم التأكد من خلوه من فيروس كورونا، سيبقى في الحجر لمدة 14 يوما كاملة، وعند ثبوت أنه يخلو من المرض سيخرج".
ومن فرط انفعالي صرخت "أريد أن أراه، أرجوك أريد أن أراه".
نظر إلي بعطف عندما وجدني انهار وابكي
- " أنه الآن في المستشفى، تم نقل جميع المسافرين إلى المستشفى وجميعهم تحت الحجر الصحي، إذا أردت مشاهدته راجعي مستشفي البلدة لتتأكدي من مواعيد الزيارة المخصصة".

غادر رجل الأمن وبقيت على الأريكة منهارة لا أتحرك من هول الصدمة، كنت أبكي من كثرة أنفعالي ولم أعلم كم بقيت من الوقت على هذه الحالة حتى جاء اليوم التالي عندما استقبلتني أشعة الشمس وشعرت بها تلامس وجهي وكأنها تقول لي "هيا استيقظي، زوجك ينتظرك"، ونهضت مسرعة إلى غرفتي وبدلت ملابسي وانطلقت بسرعة عبر الطريق السريع حتى وصلت إلى المدينة ومنها إلى المستشفي حيث زوجي يوجد في الحجر الصحي.

كان لقائي به لقائا غريبا، لا استطيع ضمه، ولا ان أشمه، ولا أن أقبله، كان لقائا من خلف الزجاج، زجاجاً يفصل بيني وبينه، عندما شاهدني نزلت من عينه دمعة، أقتربنا من الزجاج ووضع يده يحاول ملامستي واقتربت يدي منه لتلامسه ووضعتها على الزجاج وشعرت بان قلبي سيتوقف من شوقي اليه، اقترب بجسده كله على الزجاج وكانه يحاول ان يضمني واقتربت بجسدي كله وكانني ارغب بتحطيم هذا الزجاج الذي يمنعني من ملامسة زوجي وحبيب عمري ورفيق دربي، ووضع رأسه على الزجاج وهمس لي : " اقتربي"، وقتربت منه ووضع قبلة على الزجاج، ولكثرة شوقي له وضعت شفاهي على شفاهه ولكنها قبلة باردة ببرودة الزجاج، وشعرت بان الدموع احرقت قلبي زوجي أمامي ولكنني لا استطيع لمسه، لا استطيع تقبيله، لا استطيع أن أشمه، لا أستطيع أن أضمه وأجهشت بالبكاء، وكان عزائي الوحيد أنني أستطيع سماع صوته وقال يطمئنني: " لا تخافي يا حبيبتي أنها اجراءات مؤقته، بعد 14 يوما سأخرج وسنكون مع بعضنا البعض". كلماته جاءت كما البلسم لجروحي وأشواقي ولأنتظاري، وابتسمت له وقلت "أحبك". ابتسم وبقينا ملتصقين بالزجاج حتى انتهت فترة الزيارة.

عشت 14 يوما كل يوم أذهب إلى المستشفي وألتصق بالزجاج وأقبل الزجاج، وأضم الزجاج، وأعيش على صوت زوجي، لقد احترقت مدة 14 يوماً وأنا أعيش كل يوم أنتظر النتيجة بلهفة المشاعر المجنونة التي تخفق في قلبي، وجاء آخر يوم من مدة الحجر الصحي، كنت أنظر للطبيب بلهفة الطفل الذي ينتظر هدية العيد، وقال الطبيب الكلمات السحرية التي أطلقت قلبي وجعلته كما الطبل في صدري، "مبروك زوجك الآن يستطيع مغادرة المستشفى".
ومن فرحتى أنطلقت أركض إلى ذراعي زوجي الذي فتحهم لأستقبالي ونسيت كل شيء حولي وأخذت أضمه إلى قلبي وأقبله حتى وقع على أرض المستشفي وأخذ يضحك، وكان حولنا الأطباء والممرضين مجتمعين وعند مشاهدتهم زوجي يقع على الارض أصابتهم موجة من الضحك من جنون فرحي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة