الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا وقانون الدفاع إلى هنا ستنتهي اللعبة

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2020 / 3 / 17
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


الطاعون الذي اجتاح الهضبة وقضى على الدجاجات ومعظم سكان مدينتهم، جعل والده يطفأ الكير ويهمل الحديد، والعدة والعتاد ويمضى حاملاً إياه على قدمين تقصفان من الخوف...كل شيء مرّ أمامه كما مرّ أمام أناس الهضبة التي يرتعون فوق سفوحها، ولما كان الطاعون وباء فلن يكون بمقدور أحد الفرار منه.
غدت الأنفاس تعدُّ الواحد تلو الآخر، بدا الجميع أعداء لبعضهم البعض...
الزيارات تضاءلت كما لم يسبق له نظير.
المحال أغلقت ابوابها وبدت كمساكن للأشباح...
الحانات أغلقت على من فيها والدعارة لم تتوقف وكذلك الموت فقد أزكم الأنوف فيها...وألقيت الجثث الواحدة تلو الأخرى دون أن تدفن وبقيت أجسادهم تتضاءل دون أن تذوي الرذيلة.
النجاسة هي سبب الطاعون والموت سيمحو وجودهم جميعاً... عبر الهضبة كلها كأفعى ممتدة ثم ما تلبث أن يتسع فاهها لتقبض بأنيابها على النفق الذي حفرته الطبيعة لتضيق ثانية حتى لا تتسع إلا لسكة القطار، القادمون بدو كنذير شؤم لم يجلب معه سوى السوء لأناس البيوت الدافئة.
الريح الصفراء قدمت مع كلّ القادمين من الشمال، أتلفت بضائعهم دون أن يتحدث إليهم أحد، قليل منهم صمد حتى النهاية...منهم من أصابته كحة متواصلة فلم يستطع أن يقف على قدمين تقصفان وجسد يهتز من أعماقه حتى هوى فاغراً عينيه.
النساء لم يعدن بالكثير فلم يبقى الكثير من الطحين لم يعددن العدة ليوم كهذا.
المطحنة هي المكان الوحيد الذي يمكن أن يسطو عليه كل منهم ليسلب منه شيئاً، ولكن الموت كان هناك غريباً لقد ماتت زوجته كفحمة سوداء دون أن تصيبها النار دون أن تحترق...
فمشهد زوجته كفحمة سوداء جعله يفرُّ دون أن يلوي على شيء...
لم تجعله يحمل غير ذكراها، ودموعه وتلك النطفة بين ذراعيه...
مضى بين قيعان سحيقة كما كانت تلك الأزقة التي قطعها حاملًا الدواء الذي لم يصل به في الوقت المناسب، فلقد كانت أول خطواته في عبور بيتهم العتيق، آخر أنفاس أبيه فيه... لم يكن لأحزانه مبرر في أن يبقى وحيدًا... فللأحزان كيان غريب متشابك الأغصان، يجعل للنفس ذائقة في اختيار من تبوح له بالأسرار...لكن حياته الذاهلة هي علبة الأسرار والمفتاح الذهبي لحياة لم يعرفها لم يألفها...
أسرار وخيوط العنكبوت ...لم يتخط سوى الصراع مع الموت فلم تكن هناك في الحقيقة أسرار لتخبئ..
أسابيع طويلة كانت وهو مختمر بالليمون والخل في غرفة رمادية تسكنها الفئران التي أبقت على عيونها الدائرية على حوضه الماثل دون حراك بالقرب من الفرن الصغير المتوهجة ناره...لم يعرف كيف وافق صاحب البيت إيجار أبيه البيت السكني الموحش بثمن يسير هكذا ببساطة...
البيت مسكون...
ربما لكنه حتى هذه اللحظة لم ير أيّ شبح...
رغم أنّه قد سمع ذات ليلة أنينًا خافتًا ما لبث أن دوى صوت سقوط مدويّ.
لكنه لم يلوِّ على شيء بقي يدهن جسده بمعجون من المعوذات يفرك به جسده جيئة وذهابَا، عندما سأل أباه صباحًا بعد أن أمسك خيوط الفجر الاولى بيده بالشق الرفيع من بطانيته ، وحينها غفى الصوت ، لم تغمض عيناه وبقيتا معلقتين بأسئلة حائرة لم يستطع ابتلاع حجر حنجرته...
-أبي...
الطاعون...الكوليرا...التفوئيد...سارز...إنفلونزا الطيور...إنفلونزا الخنازير...والكورونا...
بعد هروب من مختبر إلى اجتياح للعالم...الهروب منه أشبه بالمعجزة...
يقولون: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
ويقولون: منعوا النقاب...فجاءهم النقاب بالكمامات لا فرق بين امرأة ولا رجل ولا دين ولا عقيدة.
ويقولون: منعوا الصلاة والوضوء فجاءهم الغسول والوضوء أزيد من خمس مرات في اليوم.
ويقولون: سنصلي أينما وجهنا فكل الأرض لنا متاع وإن غلقوا أبواب المساجد.
ويقولون: سنسلم وسنتحدى كل الممنوعات، سنقيم الأفراح ونرقص ونغني وسنبكي ونعزي في بيوت الأتراح...
ويقولون: فليذهب الكفرة النجس إلى جهنم...ومعهم المجوس...ولنكن شعب الله المختار.
ويقولون: كل شيء سيمضي، بالتوكل والتواكل...ألم نمضي من قبل عمرًا؟
القضية ليست بالتواكل بقدر ماهي بحجم الوطن...وبروح الانتماء...والمسؤولية المجتمعية لأنفسنا ولعوائلنا ولأصدقائنا ولمن نحب...ولمن عشقت قلوبنا ولمن تألمت...
أليس الوطن بيتنا وحينا وحيث رتع صغارنا وكنا يومًا نرتع في حماه...؟
ألم نرسم الحجلة ولعبنا الزقيضة والغميضة وبيت بيوت وكرسي كراسي وطاق طاق طاقية تحت سماء زرقاء وأن كانت يومًا رمادية؟
ألم يكن الوطن في قلبنا يومًا حين تألمنا من داعش ومن الخلايا النائمة؟
لا أدري أيهما أكثر إيلامًا أن نضل في السفاهة والمهاترة أم نتعلق بوهم وبعنجهية الاختيار وننسى همنا الواحد هم الوطن؟
بلا عرس بلا ترح...بلا سلام وتسليم...بلا وقفة واحدة لنتأمل الصالح العام بأن حقيقة السلامة والصحة هي الأصل في المعادلة.
رغم الجدلية التي تحكم قبضتها على قرارات الحكومات الأردنية المتعاقبة وبخاصة الاقتصادية منها إلا أنها فاجأتني وقد كنا في مجلسنا الصغير نتلاوم: لم كل هذا التأخير بفرض الحجر الصحي على جميع القادمين عند صدور الإعلان عن الحالة الأولى...؟ لم لم تغلق المعابر والحدود حينها؟
من الغباء الاستماع لم يدعي الخوف على السياحة والمطالبة بإنقاذها...
عن أي سياحة تتحدث وفي وقت كهذا؟
عن أي وطنية بإنقاذ السياحة تتحدث وقد تفشى الوباء؟
كنا نعض على أيدينا غضبًا لم لم يطبق قانون الدفاع من الحالات الأول؟
ولكن مع كل هذا أخيرًا تم الأمر...
الصرامة هي الحل...وهي المنفذ الوحيد للنجاة...
لا هروب من القضاء إلا بقضاء، ولا اتكال إلا بوعي وحكمة وصبر وقبض على كل الإشاعات والأقاويل والسفاهات.
أخيرًا اتخذت الحكومة الأردنية قرارات حازمة تتوافق وقضية الوطن.
لا شك أن التربية الوطنية اليوم ستسجل قانون 124 قانون الدفاع بممارسة عملية، لن يدعي أولادنا أنهم لم يفهموا الدرس...لأنهم ببساطة عاشوه بكل حذافيره بعقلانيتها وحكمتها وبكل غبائها واللامسؤولية فيها.
الجيش ثانية يقود المشهد..
الجيش الذي يقولون: لم هو؟ لم يعد له أهمية؟ فمذ متى خضنا حربًا؟ ومذ متى كان لوقوفه على الحدود عازة؟ ولم تلك المكرمة التي تسمى جسيم لأولادهم؟
كزوجة بقيت أيامًا طوال تنتظر زوجها فيغيب كما هلَّ تلبية للواجب...فيبقي الاشتياق في شغاف القلب...
وكأمّ بكت أيامًا على حمى صغير وألم ما أنام عينيها ولا قلبها ليلاً أو نهار...ليأتي ذلك الجندي من مهامه ليزيل الهم والغم...
من عانى هو أولى بالمكرمة...ومن لم يذق طعمها فلن يستطع يومًا لها وصفًا.
حمى الله الأردن...
حمى الله الإنسانية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم