الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة الدولة بالمجتمع.. في نفي مغالطات تاريخية

علي طه
كاتب

(Ali Taha)

2020 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


لا توجد شعوب واعية وأخرى جاهلة بحسبما تصوِّره لنا الثنائيات القاطعة المدفوعة بروح مرضية مازوخية واحيانا سادية... حيث تُعتمَد آلية التنميط: أخذ صورة نمطية بفعل الانتقاء عن مجتمع ما، ليرفع مصاف المثالية والنموذجية، بالمقابل، وبالضرورة، يتم انتقاء نماذج عن مجتمع آخر لتكوين صورة نمطية عنه بنحو سلبي..

الانتقاء التنميطي تنتجه ذهنياتُ عقدةِ النقصِ، تجلِد الذات اعتمادا على تبجيل الآخر، أو تنتجه ذهنياتُ عقدةِ الكمال، تبجِّل الذات استنادا لجلد الآخر... ولنا في ذلك مثالا واضحا، للأول نموذج "المستلَب" الذي يرى نفسه يعيش بمجتمع عربي متخلِّف مقابل مجتمع غربي متفوق، وللثاني نموذج "المركزية الغربية" الذي يرى نفسه متفوقا بالفطرة وبنحو جوهري أمام العالم الثالث المتخلِّف بحكم الضرورة والفطرة..

تتقدم المجتمعات او تتاخر بحسب ظروفها التاريخية، فيكون تقدمها وتأخرها مشروطا بعوامل لا علاقة ضرورية بينها وبين طبيعة المجتمعات الذاتية، اذ لا ذات للمجتمعات اصلا... إن اشتراط المجتمعات بظروفها ينفي عنها طبيعتها الجوهرية المدعاة، وبذلك يكون المجتمعُ مفتوحا على الاحتمالات الممكنة بحسب سياقاته الحافَّة به..

لا مجتمع دون دولة، تتغيير المجتمعات لتتغير معها أشكال الدول، دون أن يعني ذلك انتفاء وجود الدولة عن مجتمعات قديمة، او مجتمعات آخر التاريخ بالغةِ التطور.. فالدولة كيان طبيعي ينشئ من داخل المجتمع ونتيجة تلقائية لقواه، تتعقد مع تعقده، وتخيُّل مجتمع دون دولة هو من نوع "الطوبى" التي تنجرُّ إليها عمليا اتجاهات معينة..

يذكر عبد الله العروي بكتابه "مفهوم الدولة" بأن ثمة ثلاثة توجهات طوبية، الاولى، اسلامية تمثَّلت بدولة الخلافة، والثانية ماركسية تمثَّلت بالشيوعية، والثالثة الليبرالية المتمثلة بالفوضوية، فهذه التوجهات تنظر الى المستقبل دون الارتكاز على الحاضر، ومؤدّاها نفي الحاضر من خلال المحافظة على الوضع القائم دون الانخراط بتغييره، فهي توجهات تنفي الواقع اذ تسبِّح بحمد المثال اللاواقعي والمنتظر..

للدولة قوة الإكراه من جهة، والاقناع من جهة ثانية، جانب تعنيفي وآخر أدبي، لا يمكن للمجتمع ان يسلك بنحو قانوني دون فرض من سلطة أعلى، على أن يكون الفرض مشفوعا بمسطرة قانونية معلومة مسبقا، وكذا مشروطا برغبة مزروعة داخل أفراد المجتمع على صحَّة الخضوع القانوني وجدواه...

إن الوعي الذهني ليس شرطا كافيا للسلوك الديمقراطي، عند النخب، فكيف ذلك بالنسبة لعامة الشعب؟... للدولة ادلوجتها المؤسِّسة لرغبة الخضوع القانوني، علاوة على سلطتها الفرضية والقمعية، فيكون "الإكراه" مطلوبا طلبا ضروريا سواءً بالتلويح او بالتصريح، ومثمرا اذا استند لشرعية القبول الاخلاقي عند افراد الشعب وجماعاته..

ارفع قوة الفرض القانوني المستند لشرعية القبول الجمعي، فإذا بك تجد المجتمعات التي تدَّعي التفوق أكثر وحشية وبربرية وفوضوية من المجتمعات التي طالما يسمُّونها متخلفة، بينما كل ما بالأمر أن الأخيرة لم تحظَ، للاسف، بدولة تنتج لها ظروفها المناسبة لمنافسة هذا الآخر المتفوق!..

لا تتقدم المجتمعات دون دولة، وشماعة الوعي الجمعي تتعاون على خلقها الذهنيات المرتكسة والاخرى المتنرجسة... لا معنى لأن تكون ديمقراطيا وقانونيا بسلوكك ومن تلقائك كشرط أولي ومنطقي لضمان ديمقراطية وقانونية أنظمة الحكم المطلوبة كما تسوِّقه لنا، تحديدا، الأمزجة العاجزة، ابتكارا نظريا او مقدرة عملية، عن جدية وفاعلية العمل على بناء الدولة مستبدلة إياه ومكتفيا بأدبيات اللوم وجلد الذات المرضية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن