الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرية المراسلات بين المحامين

خالد خالص

2006 / 6 / 8
حقوق الانسان


تكمن المهمة العليا للمحامي، كمساعد للقضاء، في التهدئة الاجتماعية التي تنتج على اثر نهاية نزاع قائم في المجتمع. ويمكن الوصول الى هذا الهدف بسرعة افضل عن طريق مفاوضات تفضي الى اتفاق معين بدل اللجوء الى المحاكم او انتظار مأل مساطر قد تطول كثيرا. وللوصول الى هذا الاتفاق فان تقاليد واعراف مهنة المحاماة دأبت على ان يدخل محامي الاطراف في محادثاث وان يتبادلوا مراسلات تتضمن أراء موكليهم ومقترحاتهم.
وتختلف المراسلات المتبادلة بين المحامين في هذا الاطار عن السر المهني للمحامي على عكس ما اورده بعض الزملاء في كتاباتهم . فالمحامي في اطار القيام بمهامه يتلقى شفويا او كتابة من موكله اسرارا يصبح هو مؤثمن عليها ويصير من تم مسؤولا ان مهنيا او جنائيا او مدنيا ان هو اقدم على افشاءها. والسر المهني للمحامي له طابع عام ومطلق ( من حيث المبدأ ) وهو من النظام العام ويشمل كل ما يصل الى علم المحامي بمناسبة مزاولته لمهنته . وقد تم احاطة هذا السر برعاية خاصة وصارمة سواء على صعيد المسؤولية المهنية ( الفصل 36 من ظهير 10 شتنبر 1993 المنظم لمهنة المحاماة والفصل 29 من النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط ) او الجنائية ( الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي ) او المدنية ( الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود ).
واذا كان السر المهني يشمل كل ما تم الافصاح عنه للمحامي للاحتفاظ به وعدم الادلاء به فانه لا يمتد الى ما افضى به الموكل لدفاعه بغاية تبليغه الى خصمه بواسطة زميل له من اجل محاولة ابرام اتفاق معين او صلح لنزاع او لمشكل قائم. ففي هذه الحالة ينتفي السر المهني للمحامي باعتبار ان ما تم الافصاح عنه قد وقع بغاية التبليغ الى دفاع الخصم. الا ان هذا التبليغ لا يجب ان يكون عشوائيا وبدون حماية اذ ستصعب كل محادثة وكل محاولة اتفاق او صلح او غيره اذا ما علم الاطراف ان مقترحاتهم ستستعمل ربما غدا ضدهم امام القضاء او امام الغير. ومن هنا برزت الى الوجود ومنذ القدم سرية المراسلات بين المحامين لاضفاء طابع الوقار وعدم الفوضى على هذه المراسلات.
و تعتبر مبدئيا المراسلات المتبادلة بين المحامين سرية ما لم يتم التنصيص على خلاف ذلك. وامام غياب اهتمام المشرع المغربي بالموضوع فقد اهتم النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط بالمراسلات بين الزملاء حيث نص بالمادة 27 على ما يلي : "يجب على المحامي اما بصفة شخصية او بواسطة كتابته ان يؤشر ويضع تاريخا حال التوصل بالارساليات والنسخ وجميع المراسلات والوثائق والمذكرات وجميع ما يوجهه اليه زميله.
كما نص بالمادة 30 على ان "الرسائل المتبادلة بين الزملاء لها مبدئيا الصبغة السرية ولا يمكن باي حال من الأحوال تمكين الموكل بأصل هاته الرسائل، غير انه يحق للمحامي أن يبعث لموكله بفحواها على شرط تنبيهه بعدم إمكانية الإدلاء به.
" بين المحامين، تفقد الرسائل صبغتها السرية ويمكن الإدلاء بها عندما تحمل عبارة غير سرية، وكذلك فيما إذا كانت هناك موافقة من طرف كاتبها، وإذا وقع نزاع بين المحامين حول طبيعتها، فإن لنقيب المحامي الذي توصل بالرسالة أن يفصل في الأمر.
إن تلك الرسائل تفقد صبغتها السرية بمجرد ما يصبح الاتفاق نهائيا، وفي حالة نزاع حول الصفة النهائية لهذا الاتفاق يعرض الأمر على نقيب المحامي الذي يرغب في الإدلاء بتلك الرسائل".
الا ان النظام الداخلي عالج سرية المراسلات ضمن الفرع الرابع منه والمتعلق بالسر المهني وهو ما يمكن ان يكون مصدر خلط للممارس او للباحث كما سبقت الاشارة اليه سالفا.
ولا يمكن اعتبار جميع المراسلات التي يتبادلها المحامون فيما بينهم ذات طابع سري اذ تنعدم السرية في المقالات والمذكرات والمستنتجات والمرفقات التي يتم تبليغها من محام لمحام في اطار مسطرة معينة. فتقاليد واعراف مهنة المحاماة تحتم على المحامي ان يتعامل مع زملائه بطريقة ترسخ روح الزمالة وتسهل على محام الخصم القيام بمهامه في جو من الشفافية والثقة.
ومن التقاليد والاعراف ان يخبر المحامي زميله باي طعن تقدم به ضد اي قرار صدر لفائدة موكل هذا الزميل. كما يجب عليه اخبار الزميل المنصب على خصم موكله باي طلب تأخير وان يعرض عليه نسخا او صورا من الوثائق التي يعتزم الادلاء بها اثناء المناقشات.
وقد دون النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط هذا العرف بالمادة 24 التي تنص على ما يلي : "يتعين على المحامي بمجرد قيامه بأي طعن كيفما كان وفي أية مادة كانت، أو طلب يرمي إلى إيقاف التنفيذ، أو إدخال مقال استعجالي عارض أو أي طلب آخر يهدف إلى تأخير أو تعليق تنفيذ مقرر قضائي، أن يخبر زميله الذي يستفيد موكله من ذلك القرار في الوقت المناسب.
إذا أراد المحامي أن يطالب بتأخير قضية وجب عليه أن يخبر بذلك زميله مسبقا وداخل أجل كاف ومعقول وأن يحاول قدر الإمكان الحصول على موافقته.
كما يجب عليه أن يعرض على زميله نسخا أو صورا كاملة لجميع الوثائق التي يعتزم الإدلاء بها في المناقشات".
كما اهتمت التقاليد والاعراف بتعامل المحامين فيما بينهم سواء اثناء جريان الدعوى او اثناء التأمل او المداولة او اثناء اجراءات الخبرة اوالبحث او التنفيذ اذ يجب على المحامي ان يخبر زميله باي مذكرة او مراسلة او تعليق او وثيقة تهدف الى تأخير او توقيف سريان الدعوى.
وقد نص الفصل 25 من النظام الداخلي على هذه التقاليد والاعراف كالتالي :
"لا يحق للمحامي سواء أثناء جريان الدعوى لدى أية محكمة كانت أو أثناء التأمل أو المداولة أو أثناء الخبرة أو أثناء إجراءات التنفيذ، أن يضع أية لائحة أو مستنتجات أو مذكرات أو مراسلات أو تعليق أو وثيقة كيفما كانت ترمي إلى تأجيل أو توقيف سريانها بدون أن يخبر بذلك حالا المحامي المنصب عن الخصم وذلك في جميع الأحوال التي يقع فيها تبليغ هاته الوثائق على يد كتابة الضبط ".
ولا يمكن اذن اضفاء طابع السرية على الاجراءات المسطرية كالمقالات والمذكرات والمستنتجات والمرفقات التي تسلم الى المحامي بعدما سلمت الى هيأة المحكمة اما مباشرة او بواسطة كتابة الضبط وكذا المراسلات المتعلقة بطلب التأجيل او توقيف سريان الدعوى او غيرها باعتبار ان جل هذه الوثائق تتعلق بالمسطرة المتبعة.
ولا تكون السرية الا بالنسبة للمراسلات التي يتم تبادلها بين المحامين والتي تهدف الى ايجاد حل للنزاع اما بتقديم مقترحات او الدخول في مناقشات للوصول الى اتفاق بين الاطراف. اما اذا اصبح الاتفاق نهائيا فان المراسلة تفقد صبغتها السرية ويمكن الادلاء بها امام القضاء. و في حالة وقوع نزاع بين المحامين حول الصفة النهائية للاتفاق فانهم ملزمون بان يعرضوا الامر على النقيب.
و لابد هنا من الاشارة الى ان التقاليد والاعراف المهنية كانت تقتضي في السابق ان يرفع الامر الى النقيب اذا كان المحاميان ينتميان الى نفس النقابة. اما اذا كانا ينتميان الى نقابتين مختلفتين فان الامر كان يرفع من طرف المحامين كل الى نقيب الهيئة التي ينتمي اليها. وكانت تثار عدة اشكالات وعلى عدة مستويات سواء تعلق الامر بانظمة داخلية مختلفة ام بانظمة داخلية مماثلة ولكن مع اختلاف مواقف وأراء النقباء حول الصبغة السرية ام لا للمراسلة. وقد ورد في مشروع اعراف المحاماة بفرنسا المعد من قبل ندوة النقباء انه اذا كان محاموا الخصوم ينتمون لنقابات مختلفة فان الرأي يصدر عن النقيب الذي يوجد في دائرة المحكمة المعروض عليها النزاع. ويفصل النقيب المختص وفقا للنظام الداخلي لهيئته.
اما فيما يتعلق بهيئة المحامين بالرباط فان الفصل 30 من النظام الداخلي ( الفقرة الاخيرة ) قد نص على ان الامر يعرض على نقيب المحامي الذي يرغب في الادلاء بتلك الرسائل.
الا ان محامي القرن الواحد والعشرين لا يقتصر على المراسلات الكلاسيكية المتعارف عليها قديما بل تطورت أدوات عمله بواسطة وسائل الاتصال الحديثة ومنها الانترنيت او الشبكة العنكبوتية.
وقد واكب المشرع المغربي شيئا ما هذا التطور باعترافه بقانونية التوقيع الالكتروني الذي يختلف تماما عن التوقيع العادي باعتبار ان على الراغب في استعمال مثل هذه الآليات ان يتوجه الى جهة متخصصة في اصدار الشهادات حيث يحصل مقابل مبلغ مالي سنوي على شهادة مرفوقة بمفتاح عام وبمفتاح خاص بالمستعمل الجديد بحيث انه عندما ترسل الرسالة الالكترونية مشفرة بالمفتاح الخاص فانه يتم ارفاقها بالتوقيع الالكتروني الذي هو عبارة عن رمز والذي تتأكد من صحته الشركة المتخصصة قبل ارساله. ويمكن للمتلقي او المستقبل ان يستعمل المفتاح العام للتأكد من صحة التوقيع الشيئ الذي يمنع المرسل من التنكر للمعلومات او المعطيات التي ارسلها.
الا ان الامر يصبح اكثر تعقيدا في حالة غياب التوقيع الالكتروني الذي يعطي ضمانات مهمة للمرسل وللمرسل اليه في المعاملات التجارية على الخصوص.
فهاجس المحامي حينما يستعمل هذه الشبكة بصفة عادية ( وبدون توقيع الكتروني ) في مراسلاته مع زملائه يكمن في ضمان وصول هذه الاخيرة وعدم امكانية الاطلاع عليها من قبل الغير. واذا كانت الشبكة العنكبوتية تسمح بالحصول على الحجة التي تفيد توصل الغير بالمراسلة فان على المحامي ان يحصن ادوات عمله حتى لا تصبح مراسلاته والوثائق التي ترفق بها عرضة للضياع او عرضة للافشاء.
واذا ما قارنا المراسلات الكلاسيكية التي كانت تتم بالورق فاننا نلاحظ ان اية مراسلة الكترونية او رقمية تعترضها المخاطر التالية :
1- تحريف مضمون المراسلة ( او الوثائق ) وهو مشكل كمال او تمام الرسالة ( او الوثائق )،
2- الشك في المرسل وهو مشكل هوية الباعث،
3- حجة الارسال/او التوصل وهو مشكل الرفض،
4- امتداد النشر وهو مشكل السرية،
5- مدة التخزين وهو مشكل الحفظ او الارشيف.
واذا كانت ثقافة الورق لا زالت سارية المفعول في مراسلات المحامين بعضهم لبعض فان التحول الي المراسلات الرقمية اصبح يفرض نفسه لما توفره هذه الاخيرة من سرعة الاتصال وربح للوقت وللورق والمداد وغيره.
الا ان الحرص ضروري وواجب على من يستعمل الامكانات الرقمية اذ عليه ان يتوفر على وسائل لتشفير مراسلاته حتى لا تقرأ من طرف الغير. وعملية التشفير تكمن في جعل المعلومات او المراسلات المتبادلة غير مفهومة من قبل الاشخاص غير المرخص لهم بالاطلاع عليها باعتبارها نصوصا مشفرة. والتوقيع الالكتروني يساعد لا محالة على ضمان صحة المعلومات المرسلة.
كما يمكن للمرسل ان يضيف في أخر مراسلاته العبارات التالية لحمايتها من الغير اكثر:
"هذه المراسلة سرية. فاذا توصلتم بها ولم تكونوا انتم المعنيون بها فانه وجب تنبيهكم الى عدم امكانية الافصاح عن مضمونها او امكانية تصويرها او توزيعها او اتخاد أي اجراء مبني على ما ورد بها. واذا توصلتم بها عن طريق الخطأ فالمرجو اتلافها او ارجاعها الى المرسل".
ويمكن كذلك للمحامي ان يضمن هذه العبارات في المراسلات التي تتم عبر الفاكس
ومن جهة اخرى فان اغلب البرامج العنكبوثية تتوفر على امكانية ارجاع البريد الالكتروني الذي يؤكد توصل المرسل اليه ويكفي القيام ببرمجة الحاسوب لهذا الغرض. وباعتبار ان صندوق البريد الرقمي محمي بمفتاح السر فان الاشعار بالتوصل يصبح حجة على صاحب العنوان الالكتروني.
ولكل هذه الاعتبارات وغيرها وامام المشاكل التي من الممكن ان تثار مستقبلا بين الاطراف فان تدخل المشرع المغربي من خلال القانون المقبل لمهنة المحاماة الذي لم يتطرق للموضوع – حسب علمنا -وكذا تدخل الاتظمة الداخلية لهيئات المحامين اصبح امرا يفرض نفسه في الظرفية الراهنة لتقنين المراسلات بين المحامين سواء كانت كلاسيكية او عبر الشبكة العنكبوتية. كما تجدر الاشارة الى ان نظاما داخليا موحدا لجميع الهيئات المتواجدة بالمغرب اصبح امرا ملحا وان جمعية هيئات المحامين بالمغرب مدعوة للتفكير مليا في الامر كما حدث بالنسبة لهيئات المحامين بفرنسا بواسطة المجلس الوطني للهيئات في اول الامر او كما وقع بالنسبة لهيئات المحامين بدول الانحاد الاوروبي.
ولابد من الاشارة بالمناسبة الى ان مهنة المحاماة بالمغرب توجد اليوم في مفترق الطرق. ويبقى لنا جميعا الخيار : فاما ان تبقى مهنتها حبيسة نوستالجيا الماضي وبعيدة عن التطورات التي يشهدها العالم واما ان تأخد بزمام الامور وتتطور مع متطلبات العصر وتتحمل نتائج هذا التطور وهو ما يتطلع اليه المحامون بالمغرب ليس فقط فيما يخص المراسلات - التي لا تعد الا محورا بسيطا - ولكن فيما يخص جميع المحاور الكبرى الاخرى التي يجب علينا جميعا الوقوف مليا عندها لمعرفة من منها لا زال صالحا ومن منها بحاجة الى التحديث.
ونعتقد بصدق ان مشروع القانون بتنظيم مهنة المحاماة الذي عرض على الامانة العامة للحكومة من قبل وزارة العدل مؤخرا– والذي اتى ببعض المقتضيات الجديدة التي اقترحناها في ابانها- لن يستطيع مواكبة الحداثة غدا اذ سيبقى قانونا متجاوزا مقارنة مع ما تتطلبه العولمة في عصرنا الحالي ولا بد من اعادة النظر فيه قبل عرضه على البرلمان حتى لا تنظم مهنة المحاماة بالمغرب غدا بقانون ترقيعي لا يشفي الغليل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية