الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هزيمة الكورونا و الموت

مازن كم الماز

2020 / 3 / 19
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


ما تفعله الكورونا بنا , بالجملة , هو بالضبط ما يحدث لنا لكن بالمفرق , بالقطعة , لكل واحد فينا , كل لوحده .. الأوبئة هي كالمجاعات و الحروب فضائح عامة بينما معاناة و موت كل واحد منا هي بالنسبة للمجتمع و أفراده , للسلطة و أتباعها , مجرد فضيحة خاصة جدا , فضيحة لا تكدر السلم الاجتماعي أو شعور الجماعة , السلطة , المجتمع , البشرية , بالأمان .. إن الميكانيزمات التي نستخدمها عادة لتخفف من حدة وعينا بنهايتنا الحتمية الوشيكة , موتنا , تصبح معرضة للانهيار في حالات الأوبئة و الحروب و المجاعات .. إن عزل الموت عن "المجال العام" الذي يتم بنجاح كبير في الأيام العادية عبر طرد المرضى و الموتى خارج "الفضاء العام" الذي يبقى تحت هيمنة وهم السيطرة على الألم و المرض و الموت , هذا العزل ينهار فجأة عندما يصبح الموت و المرض و الألم مشهدا يوميا أو توقعا حقيقيا قادما من قلب الجماعة نفسها , من بقية أفرادها , عندما يتحرر وعي القدر أو الموت من الكوابح و الأفيونات اليومية التقليدية .. إن أوهام السيطرة على المرض و الموت ضرورية جدا لتعمل ماكينة المجتمع و السلطة و الجماعة عموما بانتظام .. أهم شيء في هذا الوهم هو عزل ( استلاب ) الإنسان عن جسده المحكوم بالألم و الموت , من كائن يعي مصيره , كائن مؤقت جدا , إلى برغي في ماكينة الجماعة , مجرد أداة بتصرف المجتمع و السلطة , إنها مضطرة لأن تقمع وعيه بذاته , بفردانيته , بمصيره كفرد , كإنسان , لأن تمسخه من فرد , من إنسان , كائن بشري , إلى عامل , مواطن , جندي , مناضل , مخبر أو زعيم , إنها تجعله ينكر ذاته , أن يرى ذاته أي شيء إلا أن يكون فردا , أن يكون هو .. عجيبون نحن , تقمعنا الجماعة كأفراد , تقتلنا في كثير من الأحيان حرفيا لا رمزيا أو معنويا , فقط لكي تحيينا للأبد كما تزعم كمؤمنين أو كأبطال أو كمواطنين جيدين .. لكن في اللحظة التي نتحرر فيها من أوهام الانتماء القطيعي , ما أن نعيد خلق أنفسنا كأنوات , كذوات كأفراد مستقلين حقيقيين , حتى نقف على الفور عراة أمام حقيقة وجودنا و مصيرنا المحتوم .. أن نتحرر من القطيع يعني أن نبصر الهاوية التي نقف على حافتها و أن نرى جيدا أننا لا نملك إلا أن نلقي بأنفسنا فيها , أن هذه هي حريتنا المتاحة من القطيع و أوهامه .. كي تبدو الجماعة مغرية للفرد عليها أن تعده بهزيمة مصيره , بتجاوز موته , و لأن لا شيء في الطبيعة و لا شيء في مقدور البشر قادر حقا على هزيمة قدرنا , تلجأ القطعان من مجتمعات و أنظمة إلى آليات الإيهام و التلقين المختلفة لكي توهم الإنسان أنها تنقذه بالفعل من مصيره المحتوم , تحقنه بالخرافات الدينية أو خرافات علمية و اجتماعية تصبح أكثر ضرورة كلما بلغت البشرية مستوى أعلى من وعي الموت و الذات .. تجلد الكورونا الوعي النائم و تجبره على معايشة القلق مجددا و تجبر الإنسان أن ينظر إلى نفسه و العالم من دون الله أو الوطن أو الكنيسة أو الأخلاق , من دون الجحيم و جنان الخلد , أولا من دون المستقبل الذي لا ينتمي إليه و لن يراه .. على الطرف المقابل تحاول السلطة و الجماعة جاهدة أن تعيد إحياء وهم السيطرة على المرض و الموت بمزاعم من شاكلة العمل على اكتشاف أدوية شافية أو لقاحات واقية أو الحديث عن نهاية وشيكة و أكيدة للوباء , لكن كل شيء يؤكد هشاشة وجودنا و عجزنا الأزلي أمام الموت و المرض و الألم .. لا توجد سلطة أو جماعة , أي قطيع , يمكنها أن تقدم لنا سوى الأوهام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علامات استفهام وأسئلة -مشروعة- حول تحطم مروحية الرئيس الإيرا


.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن نبأ مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي




.. دعم وقلق.. ردود فعل على حادث طائرة الرئيس الإيراني


.. ردود فعل دولية وعربية بشأن وفاة الرئيس الإيرانى إثر حادث تحط




.. الشعب الإيراني مستاءٌ.. كيف تبدو الانطباعات الشعبية بعد موت