الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تعطيل الإصلاح إلى تعطيل الثورات

رياض الدبس

2020 / 3 / 19
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قدم رواد الاصلاح العربي في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين اسسًا لبداية مرحلة جديدة في التفكير والسلوك، في وسط من التباينات بين التجديد والتقليد، بين التطور والتخلف، بين العلم والجهل. هؤلاء الرواد الذين درس معظمهم في دول أوروبا، وتأثروا بما أنتجته ثورتهم العلمية والفكرية والثقافية والاجتماعية، وما وصلوا اليه من تطور تقني واجتماعي، حاولوا استخدام نتاج الحضارة الانسانية لتحقيق نهوض مجتمعاتهم وتقدم شعوبهم، ضمن خصوصية بلادهم التي كانت تحت نير الاحتلال العثماني المتخلف .
رواد النهضة من الأفغاني والكواكبي ومحمد عبدو .. إلى شبلي شميل، وشكيب ارسلان/ ورفاقهم. وجدوا أن الحرية جوهر النهوض، وان الاستبداد هو أساس البلاء، فكتب الكواكبي في طبائع الاستبداد، ومحمد عبدو عن المستبد العادل، وفرح أنطون عن علمانية الدولة، وطه حسين في ت الجاهلي، وعلي عبد الرازق في أصول الحكم في الاسلام، وقاسم أمين في حقوق المرأة، وسعد زعلول الذي أطلق شعار الدين لله والوطن للجميع، ونزعت زوجته الحجاب عندما عادت وإياه من أوروبا؛ فكاننانقرأ رسالة مفادهااللباس ينتمي إلى مجال الحرية الفردية ، وسعى جاهدًا لأن يكون رئيس البرلمان قبطيا مجسدا بذلك رؤيته للمواطنة وعدم التمييز .
تم إجهاض المشروع النهضوي بفعل عدة عوامل متنوعة منها_وليس كلها_ ظهور جماعة الاخوان في مصر على يد حسن البنا عام ١٩٢٨، وتحولهم إلى تنظيم يستثمر الدين في رؤيته لبناء الدولة والمجتمع، (دولة الأمة الإسلامية). وظهور الوهابية في الجزيرة العربية مسنودة بالمال ومستندة لرؤية فوقية بافضلية المسلم على اصحاب المعتقدات الأخرى لا لشئ سوى أنه مسلم. كل هذه الأفكار لعبت دورًا في الانغلاق والتطرف وعدم الاستفادة من النتاج المعرفي والتقني والعلمي. وكان لقيام الكيان الصهيوني في فلسطين المدعم من قوى دولية كبرى والهزائم المتكررة التي ألحقتها بالأنظمة العربية المختلفه نتائج كارثية؛ فبدلاً من البحث في أسباب الهزيمة والتأسيس للنهوض استخدمت الانظمة أجهزتها والبروبوغندا الإعلامية لتصوير الهزيمة نصراً ولتعزيز قبضتها على السلطة والاستئثار بخيرات البلاد ...
تخلصت الدول العربية من الاستعمار المباشر لتقع اسيرة التبعية أسيرة الأنظمة السُلطانية الشمولية، وأسيرة سيطرة أحزاب عقائدية، بعضها يدعي العلمانية، أو الاشتراكية شكلاً، ولكنه استبدادي اقصائي مضموناً، غاب عنها مفهوم الدولة الحديث واختزلت الدولة في السلطة والفرد والحزب الواحد. فانتشر الفساد والاستبداد. الأمر الذي أدى إلى خلخلة البنية الاجتماعية والاقتصادية وتراجعهما، واضعاف أو إيقاف عملية التنمية، ومن ثم هيمنة الحزب والفرد الديكتاتور على معظمها. هذا بالإضافة إلى تحالف الانظمة والمؤسسة الدينية التي تستخدمها السلطة حسب الطلب.
ويبدو لنا أن فعل الإجهاض يتكرر اليوم، فبعد إجهاض الإصلاح والنهضة، يجري اليوم، وللأسف إجهاض الثورات العربية، ومن ثم إجهاض محاولات النهضة الجديدة بإجهاضها.
قبل الحديث عن الانتفاضات الثورية العربية، ولكي لا نبتعد عن الأسباب الأساسية نشير باختصار إلى أن هذة الأنظمة تميزت بأساسيات مشتركة، أبرزها غياب الحريات والقانون، وديمقراطيات شكليّة، واختزال الدولة في الفرد أو الحزب، والتصحر السياسي والفكري وتقزيم دور الأحزاب واحتوائها، وسوء توزيع الثروة والفساد المالي والإداري وتردي الوضع الاقتصادي، ونهب خيرات البلد، بالإضافة إلى الأمية وسوء التعليم والأمية الثقافية بين حملة الشهادات العالية، وإهمال البحث العلمي، ونمو رأسمال طفيلي على حساب القطاع العام، وابتلاعه؛ فضاقت الطبقة الوسطى واتسعت الشريحة الدنيا.
وبعض الدول صاحبة الثروات الهائلةلو وضفتها في بناء مجتمع متطور لكانت في أول قائمة دول العالم المتقدمة في كل المجالات ..
هذة بعض ملامح الوضع ما قبل ٢٠١١، التاريخ الفاصل الذي يختلف ما بعده عمَا قبله .
تذكرنا ثورات الربيع العربي بثورات الربيع الأوروبي عام ١٨٤٨ من أجل الجمهورية والقضاء على الملكية وإنهاء العبودية والظلم والفقر وشملت حينها أكثر من خمسةٍ وخمسين بلدًا أوروبيا . فشلت أمام تحالف الأنظمة الملكية الاوربية، ولم تستمر أقواها اكثر من سنتين ولكنها حررت العبيد وحدَّت من الاستغلال والبطالة وفتحت الآفاق أمام التغيرات الاحقة في أوروبا. فثورات الربيع العربي جوبهت كما ربيع أوروبا بتحالفات القوى المضادة ، والأنظمة وتحالفاتها الإقليمية والدولية لضرب طموحات هذه الشعوب للحرية والعدالة والمساواة، بعض هذه البلدان استطاع أن يقضي على رأس السلطة ولكنه لم يستطع بناء دولته المنشودة.
وشهدت أكثر بلدان الانتفاضات العربية بعد ٢٠١١ أبشع حروب الإبادة الأهلية، مئات الآلاف قتلوا، وعشرات الآلاف قضوا في السجون، ودمَّر قسم كبير من بلدانهم، وهُجِّر ملايين السكان، وزاد الفساد والبطالة والاستبداد، وانتشرت كل انواع الموبقات والخطف، والحديث أصبح عن مصير اوطان وشعوب، عن موت وسجون وتهجير ووجع وفساد في كل المجالات والنموذج الأبرز على ذلك سورية واليمن والعراق وليبيا.
يمكننا بعد هذا العرض المختزل محاولة تلمس بعض عوامل وأسباب عدم تمكّن الثورات الشعبية من تحقيق أهدافها .
1) التفاف الاخوان والتيارات الدينية المتطرفة شيعية وسنية على الثورة بنسب مختلفة (مصر، تونس، العراق، اليمن، ليبيا)وتلقيهم الدعم المادي والمعنوي من العديد من الدول المقتدرة حسب مصلحتها وتهيئة الفرصة لعودة النسخة المحدثة من النظام القديم، أو تثبيته في بعضها. وهيمنة بعض هذه القوى على قيادات المعارضة في دول اخرى (سورية ) وتمويلها مادياً وعسكرياً الأمر الذي ساهم بإقصاء عناصر أساسية في الثورة مع تقدم الاجندات المذهبية الشيعية والسنية المتطرفة بتسمياتها المختلفة في معركة الاستئثار بالقيادة او في معركة تحقيق اجندة مشغليهم للالتفاف على الانتفاضة الشعبية السلمية للحرية والكرامة. ومن جهه ثانية دخول قوى متطرفة دينيا إلى جانب السلطات بتحالف جذري ومصيري ...
٢) اسرائيل اللاعب الحاضر دائما في المنطقة المرتبط بشبكة علاقات إقليمية ودولية في خدمة أجندتها، ولذلك لعبت دوراً مهما في تثبيت انظمة وترحيل أخرى لتبني شبكة جديدة على أنقاض محيط مدمر ويتدمر.
3) تجذر الأنظمة الدكتاتورية والشمولية وخبرتها في الالتفاف على مطالب الجمهور وسيطرتها على المراكز الاساسية الاعلامية والاقتصادية وتحالفاتها المتعددة الاقليمية والدولية واستعدادها لكل التنازلات لمن يدعمها من أجل البقاء في السلطة، واتساع، وقوة أجهزتها الأمنية المسلحة بالأحكام العرفية، وعدم ترددها في استخدام العنف والدمار والتهجير لكل من لا يوافقها.
4) انحسار دور الأحزاب الوطنية المعارضة وملاحقتها من السلطات وانقساماتها وترهلها وضعف خبرتها ودخول بعضها بتحالفات مع الأحزاب الحاكمة همشت وجودها وافقدتها جماهيريتها بالاضافة الى تبعية قسم منها للسلطات تبعية كاملة.
5) انتشار الأمية الثقافية والتضييق على المثقفين مع رقابة شديدة طيلة حكم هذة الأنظمة الطويل وإطلاق الحرية في تمجيد الحزب والفرد مع انتشار ظاهرة الانتهازية والتبعية والولاء مقابل منافع ومكاسب فردية .
6) تصحر الحياة السياسية والفكرية وإحلال الحاكم محل الوطن وتحويل الهزائم الوطنية المتلاحقة إلى انتصارات وانعدام النقد امام هالة مشاعر القوة والكمال .
7) نمو الآلة العسكرية والأمنية وكبت الحريات وتوظيفها في مواجهة أي مطلب أو حراك مع الاحكام العرفية التي تشكل مطرقة على رأس اصحاب إلرأي
8) نمو الحركات الأصولية وتنفذها في المراكز الأساسية في إطار تحالف الدين والسلطة ، واستثمار هذا التحالف عند الحاجة لتأجيل الصراع .
9) تجذر العصبيات في المجتمع واستثمارها من قبل السلطات حسب ما تقتضيه الحاجة
10) التدخلات الخارجية العسكرية والسياسية، وخاصة انها فاجأت القوى في الداخل والخارج ولذلك عملت على التدخل بطلب وبدون طلب، بدافع ورغبة استثمار الوضع الجديد لتحقيق مكاسب متباينة ومتنوعة حسب حالة البلد ووضعة الجغرافي والاقتصادي ونفوذه السياسي والعسكري، وهذه القوى لا يمكن أن تترك مجالا دون أن تستثمرة، ولذلك استغلت كل الثغرات للتمركز والتأثير لتحديد مصير هذه البلدان
11) المال السياسي والسلاح الذي تعددت مصادره وأهدافه وتنوعت توظيفاته حسب رغبة اصحابة، عدا عن الفساد الذي رافق ذلك. وكان ابرز من استثمر بذلك القوى الإسلامية المتطرفة السنية والشيعة، والإخوان ومتسلقي الثورات.
12) فشل الأيديولوجيات المختلفة الطامحة للتغيير وتحالفاتها المتنوعة برفع الروح النضالية وتجذيرها لبناء قادم أفضل، وفشل قيادات المعارضة التي تصدرت المشهد ونقص تجربتها وفساد بعضها ...
13) وقوع قسم من المثقفين، وبعض الأحزاب السياسية في تقديرات تستند لردود الأفعال أو سوء الفهم في تقدير المواقف السياسية بشكل عام، والانحدار إلى الطائفية والقبيلة، وتجذر روح الانتهازية عند بعضهم. وتجاهل الأسباب العميقة لكل ما يجري نتيجة هيمنة الحالة الراهنة وانحراف الرؤية وانزياح الهدف. وفي هذا السياق لفت انتباهي، وأثار استغرابي الشديد رأيًا لكاتب سوري علماني في تعليق على هامش طويل في أحد كتبه المهمةقال فيه ما خلاصته: "لو قبل الإسلام السنة في سورية بإقامة دولة علوية في زمن الفرنسيين كانوا وفروا كل هذا الدمار والموت والهدر"
14) أعتقد أخيراً أن ضعف المنظمة الدولية "الأمم المتحدة" وبشكل خاص مجلس الأمن، والمنظمات التابعة لها، ومنظمات حقوق الإنسان، ينذر بانحسار دور هذة المنظمة في لعب دور فاعل في القضايا الإنسانية نتيجة دور القوى العظمى المعطل للتوافق باستخدام حق النقض، وصعود الاتجاه الشعبوي في امريكا، وبداية تكتلاته في أوروبا، وصعود الرأسمالية التقليدية في روسيا، والطموحات البوتينيه لإعادة الدور الروسي القيصري، وميل الدول المهيمنة للتعامل مع الدكتاتوريات بدلا من التعامل مع ديمقراطيات ستنشأ من خلال ثورات الربيع العربي، يضاف الى ذلك توافق الدولة اليهودي مع دويلات دينية صغيرة وضعيفة.
إن التاريخ يتعامل بمنطقة ومكره، الذي لا نستطيع أحيانا حصره، ولكننا نعرف انه سيقول في النهاية كلمته لمصلحة الشعوب الطامحة الحرية والديمقراطية والسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم