الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُستعمَرة العِلم كُورونا وأفاتار الهيمنة

حنان بن عريبية
كاتبة

2020 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


كورونا : " أصبحت الآن تجسيداً للموت ومدمّر العوالم "

في خضم جدولة الأوضاع الراهنة نجد أن فيروس كورونا الوبائي يحتل الصدارة ككارثة وبائية اكتسحت جميع مكونات التقسيم الجغرافي للدول.. ضاربة بذلك جميع معايير القوى التقليدية.. وبالتالي كان لهذا السوط الفيروسي دورا في محو التفرقة بين أقوى الدول وأضعفها كغزو وبائي شامل شل حركة جميع الشرائح وعطل صيرورة الحياة الطبيعية بنفس درجة الهلع وتفاوت درجات الخسائر البشرية.. تتضارب الآراء حول الأسباب الرئيسية لتفشي الوباء الذي جعل العالم لا يصاب بتسمم فيروسي فقط وإنما يعري صراع الهيمنة من ناحية ويرمي في وجوهنا قصور التصور الربحي من منطلق الصراعات الاقتصادية مع إعادة النظر في مكانة دور العلم بين ثنائية مكانة الإنسان مقابل الإنسان ومكانته مقابل الطبيعة.

إن الفرضيات متعددة لمعرفة ماهية الفيروس الكوروني أو بالأحرى نشأته الوضعية والغرض منه تحديدا.. وأمام تضخم نسبة الخسائر البشرية أصبحت الدعوات تنصب كلها على الالتزام بضوابط وقائية.. دعوات ملزمة الهدف منها محاولة احتواء انتقال العدوى والحد من الخسائر.. في هذا الصدد يمكننا الاستدلال على منطلق الحروب ككل عبر العودة العصور القديمة التي استخدم فيها البشري وسائل مختلفة للسيطرة وكانت الصراعات محركا أساسيا لكل الأساطير المؤسسة وحياكة بطل الإنقاذ وكيفية التصدي للشرور

نشير هنا وأمام تفاوت درجات الشر التي تتجسد عبر آليات مختلفة لتداخل مفهومه في الدور الأساسي الذي يلعبه العلم حيث نجد علماء كان علمهم مصدرا للإبادة الجماعية سواء عن طريق الحرب النووية أو البيولوجية وغيرها من الحروب التي تستجيب لبنود واستراتجيات مستعمرة العلم كما أسميتها وبالرغم أن وازع البقاء أمر بديهي في التركيبة البشرية إلا أن مزجه بالهيمنة والغطرسة لم يخلف سوى انحدار كيفية الاستدلال على الكيان البشري ككل طالما نجد في الضفة الأخرى ثقافة تضخم الأرصدة والنفوذ.. أمام هذا الصراع كان لفيروس كورونا موقفا آخر جعل العالم برمته يهتز أمام حقيقة مرعبة تتأرجح بين ثنائية الحياة المعزولة والموت الحتمي

ما يجعلنا نشير إلى تغيرات جوهرية للعديد من المفاهيم.. ففي الزمن الكوروني مرادف الحياة هو الحظر سواء الصحي أو الذاتي أو حظر التجول.. كلها تدعو لحياة بصبغة وقائية ولكن ممزوجة بخطابات الترهيب والهلع.. أن خارجا هو الموت.. واعتزال الحياة هو الحياة.. ما يحيلنا كما أشرت سابقا لإعادة النظر في مفاهيم الصراعات ككل وصراع الهيمنة بالخصوص

إننا نعلم أن الحروب البيولوجية ليست مسقطة وإنما موجودة منذ القدم رغم تغير الأساليب المعتمدة فيها فالبشري استعمل السم والتسميم ولوث الأودية بهدف انتصار سلطان البقاء والسيطرة.. وكورونا فيروس ليست من ترتيبات الطبيعة وإنما من مختبر تركيبة الطبع البشري المتغطرس.. فهو لا يختلف عن القنبلة الذرية جوهريا ولا على محصلة تفشيه التي أودت بالحياة البشرية وتساقطها بنسب مرتفعة.. ومهما كانت صورة السلاح فان المعتمد لنا فيه هو النظر في الغاية منه.. وهو ما يذكرنا بالمقولة الشهيرة لروبرت أوبنهايمر* والد القنبلة النووية كما يتم تلقيبه " أصبحت الآن تجسيداً للموت ومدمّر العوالم " التي اقتبسها من الكتاب المقدس الهندوسي.. صراع الربوبيات بين ثنائية الخير والشر مقولة استحسنها لأنها تعكس فعلا الطبع الأناني في الفرد وهيمنته.. ومهما كانت نتائج القنبلة النووية التي جعلت التسمم الإشعاعي متلازمة اكلينكية ونفسية ليومنا هذا فان هذه المقولة تعد مفتاحا لمعرفة كنه وأبعاد صور التأله سواء دينيا أو علميا ووازع النفوذ والسيطرة والتملك

هكذا نقف على أن العقل البشري في حاجة لإعادة ترويض جموح التسلط والجشع والنظر في جوهرية أسس دور العلم

إننا لا ننكر أن العقل البشري بجميع خاصياته عليه تعلم الانضباط الذاتي.. فكورونا فيروس بقطع النظر على أنه كارثة وبائية فانه قام بتعرية عورة مناعة الجشع والنفوذ وقام أيضا بتعرية جميع موازين القوى العالمية.. فلم تعد الثروات المنهوبة عبر القوى الاستعمارية تصلح.. ولم تعد الأموال الضخمة التي تصرف على الأسلحة تنفع.. فالوباء جعل البشرية اليوم تقف أمام وجوبية إعادة مفاهيم جديدة للهيمنة ودور العلم والصراعات الاقتصادية والاجتماعية.. وخاصة إعادة النظر في المفاهيم التوسعية للدول بعد أن أثبت الفيروس الكوروني هشاشة مناعة الجشع التي يكتسبها من منطق الربح فقط.. أما بخصوص الغاية لظهور فيروس كورونا أو الفيروس التاجي فبروز قوى جديدة وتغير لجام الهيمنة نحو وجهة حلول أخرى.. أمور تتكفل بالإجابة عنها مُستعمَرة العِلم


هامش
http://www.faktoider.nu/oppenheimer_eng.html *
https://www.manhattanprojectvoices.org/oral-histories/j-robert-oppenheimers-interview/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم