الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأيٌ في ..... ماهية النهضة؟!... (الجزء الأول).. دور النهضة وماهيتها؟

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2020 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


كانت قضية النهضة ولا زالت وستبقى إلى أمد غير معروف , قضية لكل أمة و شعب و مجتمع يريد أن يتقدم , وينفض عن نفسه غبار القرون ومتاهات التخلف , ويلحق بركب الشعوب المتقدمة , والتي تزداد تقدما في كل لحظات من لحظات حياتها .
ولأن النهضة قضية أمة ومجتمع , فهي ليست مشروعا ينتمي لأحد بعينه ، ولأنها هكذا , فأن أسئلتها تدور في أذهان الجميع , سواء كانوا قوميين وحدويين أو وطنيين عراقيين أو سوريين أو مصريين أو مغاربة............الخ ، أو كانوا أمميين إسلاميين كانوا أو شيوعيين ، أو كانوا ليبراليين قدامى أو جدد ، وحتى إن كانوا من الناس العاديين!
فكل من هئولاء وجد أن رفاه المجتمع وتقدمه وازدهار وسعادته ونهضته , لا يستطيع تحقيقها ألا التيار الفكري والسياسي الذي اختاره هو بناءً على قناعته هذه .. فكان أصل الاختيار السياسي والفكري عند هئولاء جميعهم .. هو:
تقدم ورفاه ونهضة الشعب الأمة المجتمع!
ولأن الأصل هكذا , فأن أسئلة النهضة تدور في أذهان وضمائر جميع هئولاء .

وأسئلة النهضة الخالدة التي تدور في أذهان الجميع تبقى هي هي :
لماذا كنا متقدمين ثم تخلفنا ؟
ولماذا كانت أوربا متخلفة عنا ثم تقدمت علينا ؟
ولماذا أمم كثيرة تتقدم , وأمم أكثر منها تتخلف ؟
وهل أن التقدم قدر اختصت به شعوب وأمم بعينها ، والتخلف قدر آخر اختصت به شعوب أخرى غيرها؟
وما هو السبيل الذي يفتح أفق المستقبل أمام شعبنا وأمتنا ويحقق نهضتهما ؟
وأسئلة أخرى كثيرة على هذا المنوال تتوالد عن بعضها! .
*****

وعند الإجابة على هذه الأسئلة تختلف الرؤى والآراء:
من شخص لآخر وبين فريق وفريق آخر وبين تيار وتيار فكري أو سياسي آخر منهم.....الخ.. ومع الأسف:
كان هذا الاختلاف الموضوعي في جوهره ، عنيفا في أغلب الأحيان ودمويا في بعض الأحيان!
لكن مهما كانت نتائج هذا الاختلاف في الرؤيا والتصور , فأن طبيعة هذه الأسئلة وحتى أجوبتها المتباينة ، تؤكد حقيقة مهمة جدا وهي :
أن [قضية النهضة] هي قضية لجميع هئولاء , وإن اختلف الوعي بها وبأهميتها , وطرق الإجابات عليها.. كما أنها تؤكد حقيقة أخرى أكثر أهمية.. وهي :
أن صعود وهبوط التيارات السياسية ـ كما أثبتت التجربة العربية على الأقل ـ مقترن ، بمدى وعي كل تيار سياسي وفكري بقضية النهضة وبمدى قربه أو بعده عنها , وبمدى ما يحققه منها سلبا أو إيجابا ، وأن تيار المستقبل ــ مهما كان أسمه وأيديولوجيته وتوجهه ــ هو التيار الذي ينجح فعلا في تحقيق النهضة الشاملة , ويجعلها حقيقة معاشة في حياة الأمة والمجتمع!
*****
ومع كل هذا تبقى أسئلة النهضة قائمة , ويبقى سؤالها الجوهري: ما هي النهضة قائما ؟
فــمــا هـــي الــنــهــضــة حــقــا ؟

مع الأسف – وهذا من أوجه الاختلاف في وجهان النظر- غالبا ما يعبر عن النهضة في الأحاديث والحوارات والأدبيات والمحاضرات , وحتى في برامج الأحزاب السياسية عن النهضة بـ ( مشروع النهضة ) , وكأن النهضة في نظر هئولاء (مشروعا) يمكن أن يعده - على الورق – شخص أو جماعة أو حركة أو سلطة سياسية , وبعدها تصبح النهضة حقيقة قائمة!
ولو كانت نهضات الأمم والشعوب بهذا السهولة ، لما تبقي شعبٌ واحدٌ على وجه الأرض متخلفاً!
فشعوب الأرض – كما نعلم - جميعها قد أعدت (مــشـــاريـــع) لنهضتها.. لكن السؤال المهم هنا هو :
أيٍ من هذه الشعوب نجح وأي منها فشل؟ ..... ولماذا هذا الشعب نجح وذلك فشل؟

حسب اعتقادنا: أن هذا التصور عن النهضة واعتبارها (مشروعاً) مبني على عملية تبسيط وتسطيح ، وربما جهل بجوهر النهضة واختلاط مفهومها بمفاهيم التنمية الاقتصادية ، واعتبارها ـ وفق هذا التصور ـ مشروعا سياسيا واقتصاديا , يمكن انجازه بعقليات وآليات التنمية الاقتصادية والبشرية ، في حين أن تجارب الأمم والشعوب التي نهضت فعلا تدلنا: على أن النهضة قضية أخرى , وإن تضمنت هذه العناصر ـ أي عناصر التنمية ـ المهمة .
فالنهضة الأوربية مثلا :
كانت عملية انتقال شامل من عصر إلى عصر آخر تماما , ومن مجتمع إلى مجتمع مغاير ومن عقلية إلى عقلية جديدة تماماً ، وكذلك كانت عملية انتقال من منظومة قيم ومفاهيم معرفية معينة ، إلى منظومة قيم ومفاهيم معرفية جديدة!
أي أن (النهضة الأوربية) كانت :
عملية انتقال شامل من مرحلة وتاريخية محددة الملامح والتفاصيل والمواصفات , إلى مرحلة جديدة بكل قيمها ومفاهيمها وأدواتها ومواصفاتها وتفاصيلها ، وبكل علاقاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وبجميع بنياتها ومنظوماتها المعرفية والحقوقية والثقافية والقانونية والإيديولوجية!

أي أن النهضة الأوربية كانت مرحلة تاريخية ضمن سياقات التاريخ الأوربي ، ولم تكن (مـــشـــروعـــاً) أعده شخص أوربي بعينه أو جهة أوربية ما ، إنما كانت مرحلة تاريخية فرضها تطور التاريخ الأوربي نفسه ، فتغيرت بموجبها جميع المنظومات المعرفية والقيم والثقافية والسلوكية والسياسية الأوربية , وتبعها تغير نظرة الأوربيين إلى أنفسهم وإلى الآخر , وإلى الكون والوجود بمجمله , وإلى مجمل شؤون الحياة الدينية والدنيوية والأخروية!
*****
وعملية الانتقال الأوربي هذه لم تكن رأسية , وبطريقة [الإقلاع المباشر] من عصر إلى عصر آخر ، إنما كانت عملية تاريخية متدرجة وممتدة لعدة قرون ، ولها مقدمات كثيرة:
مقدمات تناولت بالنقد والتقويم والتصحيح ، جميع القيم الاجتماعية والسلوكية والمفاهيم السائدة في المجتمع الأوربي في ذلك العصر ، وكان نقداً تناول قيم الروح والفكر والمقدسات والثوابت الأخلاقية والدينية للمجتمع الأوربي ، وتناول الثقافة والسلوك والحقوق والقوانين وأسس السلطة والحكم , وجميع مفاهيم وتقاليد المجتمع وعلاقاته الاقتصادية والسياسية , وجميع مفاهيمه عن الكون والوجود والحياة ودور الإنسان فيها ، وموقعه منها جميعها .

وقد أدت هذه المقدمات الممتدة لقرون , إلى خلخلة القيم والمفاهيم والقناعات القديمة السائدة في المجتمع الأوربي , وأعدت ساحته الخاوية لاستقبال قيم ومفاهيم وأفكار جديدة , كانت الكنيسة تعتبرها زيغاً وهرطقة ومروقاً على الدين ، ومعصية لأوامر لله وإرادته!
وعندما انتصرت هذه القيم والمفاهيم والأفكار الجديدة وسادت المجتمعات الأوربية , خلقت عصرا جديدا ومرحلة تاريخية من أهم مراحل التاريخ الأوربي والإنساني ، فأصبحت أوربا بها وبعدها ، سيدة العالم وصانعة المعجزات!
فكانت النهضة الأوربية بصورتها هذه: عبارة عن (قــــــــــــارب) انتقلت به أوربا من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة ، وعبرت به التاريخ بين المرحلتين وبين الضفتين وبين العالمين : الــحــديــث والــقــديــم! .
*****
وهـــــذا يـــعـــنـــــــــــــــي :
أن النهضة قضية تاريخية واستحقاق تاريخي وليست مشروعا سياسياً أو تنموياً , يمكن خلقه أو صناعته بإرادة فردية أو جماعية .. فحتى (النهضات القومية) التي تبدو هكذا ، كالنهضة الروسية (بإرادة الحزب الشيوعي السوفيتي) أو النهضة اليابانية (بإرادة الإمبراطور) أو النهضة الصينية أو غيرها ، إنما كانت تعبر عن (الاستحقاقات التاريخية) لنهضة هذه الشعوب ، وما الأفراد والجهات والأحزاب وأدوارها التي تبدو مركزية فيها ، إنما كانت تعبيراً عن ذلك الاستحقاق التاريخي لنهضة تلك الشعوب ، وليس العكس!
فهذه النهضات القومية عند تلك الشعوب ، تمثل درجة من درجات تطور مجتمعاتها ضمن مسيرتها وصيرورتها التاريخية ، والنهضة الأوربية ، بالذات كانت تمثل تلك المسيرة والصيرورة التاريخية لعموم المجتمعات الأوربية ، ولحظة من لحظات انتقالها إلى مرحلة تاريخية جديدة أكثر تطوراً ، ولم تكن قط قضية احرزت فيها أوربا نجاحات مذهلة في المشاريع التكنلوجية والعلمية والصناعية والاقتصادية فقط ، أو بصورة عامة!
وعلى هذا يمكن تعريف النهضة ـ وكما تؤكدها النهضة الأوربية ذاتها ـ هي القـــــــــــــــارب الذي تنتقل به الشعوب والمجتمعات بين مراحل التاريخ المختلفة!
ومن حيث الزمن تمثل النهضة اللحظات القلقة المضطربة في حياة الشعوب والمجتمعات , لأنها تمثل بؤرة اللحظات التي يصبح فيها الصراع على أشده ، بين القيم والمفاهيم القديمة مع القيم والمفاهيم الجديدة ، ولا ينتهي هذا الصراع إلا بانتصار طرف من هذين الطرفين:
 الأول : انتصار القيم والمفاهيم والأفكار الجديدة ، وسيادتها في عموم المجتمع والسير في طريق الارتقاء الحضاري الشامل!
 الثاني : أو بتغلب القيم القديمة عند بعض المجتمعات المحافظة جداً ، والتي تحارب التغير بعنف تتفوق قوته على قوى التغير الصاعدة .. ففي هذه الحالة تصاب النهضة بانتكاسة خطيرة ، وتمثل نكوصاً تاريخياً عن مسارات تقدم المجتمع الذي تتواجد فيه ، فيبقى في تخلف دائم ويزداد تخلفاً بمرور الأيام!

ومعلوم عندما تنتصر القيم الجديدة في ذلك الصراع وتصبح واقعاً في أي مجتمع , فيتطور المجتمع بواسطتها في المجالات الحياتية والحضارية المختلفة ، ويجتاز بها عتبة القديم وتخلفه ومرحلته التاريخية القديمة ، فينتقل (بمركب النهضة) هذا إلى مرحلة تاريخية جديدة!

لكن بمرور الزمن ـ ولعدة قرون ـ تصبح هذه المرحلة الجديدة قديمة وتقليدية أيضاً وتحتاج إلى تغير شامل ، ولا يتم هذا التغير إلا (بنهضة جديدة) , فيعود الصراع بين القديم والجديد من جديد ـ وهكذا دواليك ـ فالصراع بين القديم والجديد دائماً ، هو جوهر قوانين تطور الحضارات وآليات تطور المجتمعات!
*****
وهذا يعني أن [النهضة هي قارب النجاة والعبور] بين مراحل التاريخ المختلفة ، وهي ليست مقتصرة على عصر بعينه من العصور أو بمرحلة تاريخية محددة ، إنما هي قانون تطور المجتمعات العام ، و قارب العبور بين عصور التاريخ المختلفة .
فأهم درس تعلمن النهضة الأوربية هو ، أن النهضة مرحلة انتقال تاريخية وليست مشروعاً سياسياً أو تنموياً!
(يــتــبـــع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي