الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السوق الحرة والاحتكار والفساد فى كردستان

كمال سيد قادر

2006 / 6 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ارتفاع تكاليف المعيشة، الجشع، الابتزاز، الاستغلال والفساد الادارى والمالى اصبح اليوم هم المواطن الكردستانى الذى يئن تحت وطئة الظروف المعيشية الصعبة حيث تكاليف السلع والخدمات والايجارات ارتفعت بصورة حادة فى الاونة الاخيرة تجاوزت فى بعض الاحيان معدل 500%. و بعض الخدمات الاساسية تكون فى اكثر الاحيان غير موجودة كالمياه الصالحة للشرب و الكهرباء فى اكثرية القرى والارياف او توفر بصورة متقطعة و بجودة متدنية كما هو الحال فى المدن.

المواطن الكردستانى اصبح وسيلة للاثراء الغير المشروع من قبل بعض المسؤلين الحكوميين و الحزبيين فى هذ الاقليم الفدرالي الذى اسس بعد تدخل عسكرى امريكي مباشر بعد حرب تحرير الكويت سنة 1991 كمنطقة امنة لحماية مواطنى المنطقة من القمع البعثى و ثم توسعت صلاحيات الاقليم بعد اسقاط النظام الدكتاتورى من قبل القوات الامريكية و حلفاءها ربيع 2003 و الا لم يكن بوسع الاكراد و غيرهم فى العراق اسقاط النظام الفاشى ناهيك عن تسلم السلطة فيه.
صحيح بان امريكا قامت بهذه المهمة من اجل مصالحها الخاصة و اتباع المصالح الخاصة من قبل الدول هى القاعدة و ليس الاستثناء فى العلاقات الدولية، و الا تتبع اللاحزاب الكردية المختلفة مصالحها الحزبية الخاصة و حتى تخوض حروبا دموية مع احزاب كردية اخرى من اجل هذه المصالح فى بعض الاحيان؟

و لكن المواطن الكردستانى هو الان على وشك فقدان سعادته بالتخلص من النظام القمعى، اذ بدأت ايادى المسؤلين الحزبيين و الحكوميين الجدد تمتد الى حقوقهم السياسية والاقتصادية والمدنية الى ان وصل الامر الى حد لا يطاق و لا يمكن السكوت عنه من الان فصاعدا مهما كانت الحجج لان هذا الوضع يشكل خطرا على مستقبل اقليم كردستان و لا يجوز لمواطنى الاقليم ان يفقدوا الثقة باقليمهم حيث بعض الدول المجاورة و جماعات ارهابية داخلية تقف لهذا الاقليم بالمرصاد و تنتظر الفرصة المناسبة لاجهاض التجربة الفريدة فى تاريخ كردستان منذ اكثر من الفى عام.

الاثراء الغير الشرعي الفاحش من قبل بعض المسؤلين و العوائل المقربة من السلطة السياسية و سلب الحقوق الاساسية للمواطنين حيث لا يوجد دستور للاقليم يضمن الحقوق الاساسية و لا لائحة تضمن هذه الحقوق و اصلا لا وجود لقانون يحمى حقوق الانسان فى الاقليم او جهاز قضائي مستقل يلجأ اليه المواطن وقت الحاجة، كله جعل من المواطن الكردستانى فريسة للأبتزاز و الاضطهاد و اهانة الكرامة الانسانية من قبل بعض المسؤلين و اقربائهم و هم يتصرفون حسب امزجتهم العشائرية الطبيعية و يتمتعون بامتيازات و حصانات تشبه مثيلاتها التى كان يتمتع بها الفراعنة القدماء.

و كل من يتجرأ على الاحتجاج ضد هذا الوضع المأساوى يتعرض الى الاعتقال و الاختطاف والتعذيب او حتى فى بعض الاحيان القتل.
انا شخصيا كان لى مشوار طويل مع معتقلات عائلة البارزانى الحاكمة حيت ذقت مرارة الاختطاف و السجن الانفرادى والتعذيب و المحاكم الصورية و ليس لسبب الا نشر بعض المقالات عن الفساد و سوء استعمال السلطة من قبل بعض افراد هذه العائلة.

والمسؤلين فى الاقليم ليس لديهم حجة لتبرير هذا الوضع غير مصطلح السوق الحرة، كانما نظام السوق الحرة قد انشأ من اجل الابتزاز و الاضطهاد والاحتكار و الاثراء الغير المشروع؟ فهو مبرر باطل اساسا لان تاريخ السوق الحرة و و خلفياتها الفسلسفية و التجارب المستخلصة من تطبيقها فى الدول المتقدمة تثبت بما ينفى هذه المبررات. و اصلا لا توجد سوق حرة فى كردستان لكى تصبح مبررا.

فكرة السوق الحرة تستند اصلا على النظرية الاخلاقية قبل النظرية الاقتصادية و الا لاصبحت هذه الفكرة كما يريدها المسؤلون فى اقليم كردستان اى الفوضى و الجشع والاحتكار.

عودة سريعة الى تاريخ نشوء فكرة السوق الحرة تثبت بان الغرض الاصلى وراء نشوء هذه الفكرة كان غرضا ساميا يهدف الى رفع مستوى المعيشة للمواطنين و اطلاق مواهبهم على اساس الحرية و المساواة لكافة المشتركين.
السوق الحرة بتعريفها الحالى "كسوق يتبادل فيها البضائع والخدمات على اساس المنافسة الحرة والمتساوية لجميع المشتركين". تحكمها نظرية العرض والطلب. اى الطلب يتناسب عكسيا مع السعر و العرض طرديا معه.

فكرة السوق الحرة هى فكرة فلسفية اقتصادية تبناها الفيلسوف الاخلاقى والعالم الاقتصادى الاسكوتلندى ادم سميث Adam Smith (1723-1790).

فكان ادم سميث فيلسوفا اخلاقيا قبل كونه عالما اقتصاديا و اول كتاب منشور له جعله كاتبا مشهورا لم يكن عن الاقتصاد بل عن القيم الاخلاقية حيث نشر سنة 1759 كتابه المشهور "نظرية العواطف الاخلاقية" (Theory of Moral Sentiments) . فى كتابه هذا وضع ادم سميث نظريته الاخلاقية القائلة بان الانسان يولد مع القيم الاخلاقية السامية و ان وجدانه هو من مكوناته الطبيعية يميز بواستطه بين الخير و الشر بصورة تلقائية. بعد نشر هذا الكتاب بسنوات قام ادم سميث بنشر اشهر كتاب حول الاقتصاد بعنوان "ثراء الامم" (The Wealth of Nations). اعترف ادم سميث فى كتابه هذا بان الانسان يتسم ايضا بالخاصية الانانية و لكنه كان على يقين بان الانسان سيتغلب على هذا الغرائز بقوة القيم الاخلاقية التى هى جزء من تكوينه الطبيعى.

معتمدا على نظريته الاخلاقية لم يكن بوسع ادم سميث التفكير بامكانية انزلاق فكرة السوق الحرة الى هاوية الابتزاز والاستغلال و الاحتكار وحرمان الاخرين من لقمة عيشهم كما هو الحال الان فى بعض المناطق، و الا لربما لما تبنى هذه الفكرة.

و الانسان كما نراه الان هو كائن حى كاي كائن اخر يولد و هو لايعرف شيئا عن الاخلاق و الوجدان و ان القيم الاخلاقية هى قيم مكتسبة من المحيط الثقافى و الدينى لهذا الانسان و لذا فان القيم تتغير من ثقافة الى ثقافة و لو ان هناك بعض القيم الاخلاقية السامية تعتبر قيم عالمية كالصدق و عدم الاعتداء، ولكنها قيم غير ملزمة و يمكن الالتفاف حولها بحجج عدة. و لهذا لا يمكن باتا الاعتماد فقط على القيم الاخلاقية من اجل ضمان حقوق الافراد فى المجتمع و خاصة الاضعف منهم.

و هذا هو ايضا السبب الرئيسى لوجود اعداء كثيرين للسوق الحرة بين معتدل و متطرف.

و الدول التى تبنت نظام السوق الحرة حاولت و تحاول من جانبها تصحيح مسار هذا النظام و استأصال عوارضه السلبية من خلال التدخل المباشر بوسائل قانونية و اقتصادية.
قوانين منع ظاهرة الاحتكار فى السوق و قوانين تحديد اوقات العمل و منع عمل الاطفال و تحديد اسعار بعض السلع الاساسية هى من بين هذه الوسائل التى تلجأ اليها الدول للتقليل من مساوء السوق الحرة، اذ لا توجد سوق حرة بالكامل بمعناها الفوضوى و الا لعاد المجتمع الى وضعه الطبيعى حيث كانت القوة تحكم و كما هو الحال بالفعل الان فى بعض مناطق العالم بشكل او باخر.

لعل اهم خطوة تقوم بها الدول المتحضرة لضمان تكافوء الفرص و الموساواة فى السوق، هو منع ظاهرة الاحتكار حيث ينفرد منتج سلعة او مقدم خدمات ما بتحديد الكميات و الاسعار فى السوق و منع المنافسين لغرض جنى اكبر الارباح الممكنة على حساب المستهلكين. و لظاهرة الاحتكار انواع عدة منها الاحتكار الاجبارى حيث تقوم شركة ما بالدعم من السلطة السياسية بمنع المنافسين لها فى السوق و الانفراد بتحديد الاسعار التى تضمن لها اكبر الارباح.

و هذا النوع من الاحتكار هو موجود الان فى اقليم كردستان و خاصة فى ميدان اتصالات الهواتف النقالة حيث تنفرد شركة كورك تلكوم للاتصالات و هى شركة مملوكة من قبل افراد مقربين من السلطة بالسوق فى هذا المجال فى محافظات اربيل و دهوك و لا يختلف الامر كثيرا بالنسبة لمحافظة السليمانية حيث لشركة اسيا للاتصالات امتيازات احتكارية متشابهة.
الان و بعد توحيد ادارتى السليمانية و اربيل من المنتظر ان تشكل الشركتين تحالفا احتكاريا (كارتيل) لمنع المنافسة فى مجال الاتصالات الهواتف الجوالة و التفرد بتحديد الاسعار التى تريدانها.

تقديم السلطات الكردية وجود السوق الحرة مبررا لحالة الفوضى و الاستغلال و الجشع فى السوق هو مبرر باطل لانه لا يوجد اصلا سوق فى كردستان تسمى بالسوق الحرة بل كل ما هو موجود سوق يهمين عليها بعض المسؤلين الحزبيين و الحكوميين و خاصة من اعضاء العوائل الحاكمة التى تستولى على حصة الاسد من الغنائم من خلال استعمال وسائل الترهيب و التهديد و الاكراه و الاحتكار لغرض تراكم اكبر ثروة ممكنة فى اقصر مدة زمنية.

اى سوق، كسوق كردستان لا ينظمها قانون لمنع الاحتكار و قوانين تحمى حقوق العمال و المستهلكين و تحدد سقف اسعار بعض السلع الاساسية و الخدمات، يمكن ان تنزلق الى حالة الفوضى و تؤدى الى الفقر وا لحرمان للاكثرية الساحقة من المواطنين بدل الرفاهية و العيش بكرامة.

لنأخذ مثلا الوضع القانونى للعمال فى اقليم كردستان، فان العامل عندما يبيع سلعته (طاقته الانتاجية) لصاحب العمل فانه يدخل فى وضعية قانونية اسوأ من وضعية العبيد انفسهم اذ لا يتمتع بالتامين الصحى او الضمان الاجتماعى و هو فى حالة وفاته فى العمل او اصابته باعاقات دائمة او مؤقتة تمنعه من العمل يجب عليه الاعتماد على النفس لتغطية مصاريف العلاج و لا تعويض له للدخل الضائع و فى حالة وفاته ربما تضطر عائلته الى التسول للبقاء على الحياة. و فيما يتعلق بالسكن الملائم للمواطنين و هوحق معترف به فى الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الانسان، فان الزائر لاقليم كردستان يستطيع ان يرى كيف ان الاف العوائل تضظر الى السكن فى الخيام او بيوت مؤقتة لا تصلح الا لتربية الدواجن بسبب الارتفاع الجنونى لتكاليف السكن.

و فيما يتعلق بعمل الاطفال فان الالاف من الاطفال فى اعمار تتراوح بين 4-16 سنة تفترش الشوارع كصباغى الاحذية و بائعى السجائر او تعمل فى الورشات والمقاهى لمساعدة عوائلهم الفقيرة.

و لا يمكن للقيم الاخلاقية ان تعوض عن غياب القوانين المناسبة فى اقليم كردستان اذ ان المستفيدين من الفوضى الحالية فى السوق الكردستانية هم اكثرهم من المسؤلين الساسيين والعسكريين الذين خاضوا حروبا لاقتتال الاخوة منذ عقود من اجل السلطة و المال و لذا فهم لا يبالون بالقيم الاخلاقية و حقوق الانسان. فمن لا يحترم حق الحياة لا يحترم اصلا الحقوق الاساسية الاخرى للانسان.

جانب سلبى اخر فى الحياة الاقتصادية للاقليم هو التفشى الفاحش لظاهرة الفساد الادارى و المالى. مبدأ المساواة فى تكافؤ الفرص و الكفائة فى توزيع المناصب هو مصطلح غريب هناك، حيث ان العضوية فى عائلة قريبة من السلطة السياسية تمنح صكا لدخول نادى المليونرين او التربع على مقاعد وزارية او سياسية قيادية.

صحيح بان الفساد الادارى هو منتشر فى كل دول العالم و بدرجات متفاوتة و لكن الفساد فى اقليم كردستان له ميزات خاصة. فان المستفيدين من ظاهرة الفساد فى الاقليم هم عادة معروفين للعلن و يمارسون الفساد علنا دون الخجل من الاحد و لا توجد قوانين او مؤسسات مستقلة لمنعهم.
ميزة اخرى مهمة يمتاز بها الفساد فى هذا الاقليم هو تدويل هذا الفساد، اى ان هذا الفساد يتم ممارسته بدعم دولى، و خاصة الامريكى. كل يهتم بشؤون منطقة الشرق الاوسط يعرف بانه دون التدخل العسكرى الامريكى المباشر فى العراق لم يكن بوسع الاكراد و غيرهم تغير نظام صدام. و لذا فان الامريكيين يحتفظون بنفوذ واسعة فى العراق و خاصة فى اقليم كردستان و لهم قولهم فى كثير من المجالات. فمن البديهى اذن ان نستنتج بان الامريكيين هم على علم بحالة الفساد المتفشى فى اقليم كردستان و يغضون النظر عنه لاسباب ما. انا حسب اعتقادى ان الامريكيين يسكتون عن هذه الحالة او حتى بدعمونها لاسباب سياسية، اى انهم بسبب الحالة الامنية السيئة فى العراق يحتاجون الى دعم القيادات السياسية لهم و خاصة القيادات الكردية، و ان هذه القيادات تعرف ذلك و هى تقوم بدورها بابتزاز الامريكيين من خلال الاستلاء على الموارد المالية للاقليم كاجر لهذا التعاون.

و كدليل على ما اقوله اذكر مقال نشره الباحث الامريكى Michael Rubin، الباحث فى مركز الابحاث American Enterprise Institute فى واشنطن و هو مركز بحث قريب من سياسة البيت الابيض، فى دورية المركز Middle East Quarterly، ربيع 2006. يقول الباحث فى هذا المقال بان عائلة البارزانى الحاكمة تراكمت مليارى دولار منذ عام 1991 و تقوم بابتزاز التجار والمستثمرين او تعتقل من لا يرضى بدفع رشاوى لافراد هذه العائلة. اليس هذا دليل على ان الامريكيين هم على علم بكل صغير و كبير يحدث فى كردستان؟

و لكننى اعتقد ايضا بان السكوت الامريكى عن اوضاع الفساد فى الاقليم هو خطوة تكتيكية مؤقتة الا ان تاتى الفرصة المناسبة لان الامريكيين لم يقدموا دمائهم و اموالهم من اجل اثراء طبقة فاسدة.

و لعلهم يفعلوا بهاؤلاء الفاسدين ما فعلوا بنوريغا و موبوتو!

فينا-النمسا
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -