الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سد النهضة والمستقبل المائى لمصر

على زايد عبد الله

2020 / 3 / 21
دراسات وابحاث قانونية


شرعت أثيوبيا إبان ثورة 25 يناير 2011 فى مصر فى بناء سد النهضة- مستغلة الحالة الثورية داخل مصر وارتباك مؤسساتها الامنية مستخدمة فى ذلك المنطق الذى يقول اغتنم فرصتك إذا أتتك سانحة – بغرض إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة داخل الأراضى الأثيوبية، وتنفيذ المشروعات القومية ذات التمويل الاجنبى التى تدر عائد نقدى كبير، وقد انشغلت الدولة المصرية ممثلة فى مؤسساتها عن قضية سد النهضة كثيراً (حوالى أربع سنوات كاملة من عمر بناء السد) فى وقت كانت تهتم فيه بالشأن الداخلى وترتيب أوراقها من جديد فى مرحلة حرجة من تاريخ الدولة، وفى نفس الوقت التصدى لكافة المؤامرات الخارجية التى تحاك بها من قبل جانب بعض الدول والتكتلات المختلفة، وقد بدأت الدولة المصرية بعد أربع سنوات كاملة من عمر بناء السد إجراء المفاوضات الثلاثية (تحديداً بين عامى 2014/2015) مع اثيوبيا والسودان للمحافظة على حقوقها المائية وعدم الإضرار بالأمن المائى لها والمحافظة على حصتها من ماء نهر النيل، وكان توجه الدولة المصرية واضحاً من البداية بأنها لا تقف ضد أى دولة أو تتأمر ضد اى دولة تريد أن تُحدث تنمية اقنصادية شاملة والاعتراف الكامل بحق اثيوبيا فى تنمية مواردها الاقتصادية من خلال سد النهضة، ولكن بما يحافظ على حقوق مصر والسودان فى حصتهم المائية من نهر النيل، هذا هو الطريق الدبلوماسى والسياسى الذى سلكته الدولة المصرية فى مفاوضات سد النهضة ولكن مواقف اثيوبيا تجاه مفاوضات سد النهضة كانت كلها تعنت ومحاولة فرض الذات على مصر والسودان والسعى إلى ملء وتشغيل السد دون الاتفاق بشكل نهائى مع دولتى المصب على هذه الطريقة، ومن الطبيعى والمنطقى أن نجد دولة السودان موقفها واضح وصريح من قضية سد النهضة وتعزيز التعاون المشترك بينها وبين مصر والوقوف موقفاً واحداً كشريك عربى وباعتبارهم دولتى المصب المتضررتين من بناء سد النهضة ولكن الموقف السودانى فى فترات كبيرة من عمر المفاوضات لم يقدم موقفا واضحاً تجاه قضية سد النهضة وبالتحديد فترة حكم عمر البشير الذى قاد حملة شنعاء ضد مصر وفوت الفرصة على مصر فى الوصول الى مفاوضات أكثر قوة وأكثر تقدماً تحقق آمال شعبها فى الحفاظ على أمنها المائى، وحتى مع انتهاء حكم عمر البشير وتولي المجلس العسكرى السودانى ووقوف وتأييد مصر لما يحدث فى السودان من تغيير ثورى حقيقى يحقق طموحات الشعب السودانى وتأييد القوات المسلحة السودانية لثورة الشعب السودانى، كانت مواقف السودان فى هذه الفترة التى تمر بها واضحة فى مفاوضات سد النهضة وجنبا الى جنب مع مصر، ولكن مع استقرار الاوضاع الداخلية فى السودان وانتهاء المسيرات فى الشوارع والاتفاق على خارطة طريق ،تغير الموقف السودانى تجاه قضية سد النهضة ولم تُظهر تعاون حقيقى مع مصر، ومع تعنت اثيوبيا فى المفاوضات ودخول الولايات المتحدة الامريكية والبنك الدولى وسطاء فى المفاوضات والمحادثات مع الدول الثلاث بشأن قضية السد ووضع اتفاق يضمن حقوق كافة الأطراف بما لايضر بمصالح الدول الثلاث، وعلى كثرة الاجتماعات التى عقدت بواشنطن حول القضية وجدنا أنفسنا كدولة مصرية خرجنا دون جديد يمكن إضافته لهذه القضية، فيوم بعد يوم نفقد أرضية كبيرة فى هذه المفاوضات. فالولايات المتحدة الامريكية تتوسط فى هذه المفاوضات وتعلم جيداً إنه لا جديد يتحقق من جراء هذه المفاوضات فهى واسرائيل تدعم بكل قوة الجانب الاثيوبى فى موقفه، وهذا الدعم يجعل الجانب الاثيوبى واقفاً موقفاً ثابتاً فى قناعاته بطريقة ملء وتشغيل السد، ويخرج علينا الجانب الاثيوبى رافضا الضغوط الامريكية بالتوقيع على مفاوضات سد النهضة فيما يخص ملء وتشغيل السد، فموقف اثيوبيا يمثل ابتزاز سياسى كبير للدولة المصرية. فنحن من سلما أنفسنا للولايات المتحدة الامريكية والبنك الدولى فى هذه المفاوضات ولم نخرج منها بجديد. فالولايات المتحدة والبنك الدولى ممولين رئيسيين لتشييد سد النهضة واستخدامها ورقة ضغط على مصر والسودان لفرض هيمنتها على الشرق الاوسط بما يحقق مصلحة اسرائيل فى المنطقة.
وفى محاولة مصر إنقاذ المفاوضات وتكوين تكتل عربى بشأن قضية سد النهضة، أجتمعت جامعة الدول العربية مؤخراً بشأن قضية سد النهضة وخرج بيان رافض لتعنت دولة اثيوبيا فى المفاوضات والتأكيد على حقوق مصر والسودان فى المحافظة وعدم الإضرار بحقوقهم المائية وحصتهم من مياة نهر النيل، خرجت علينا دولة السودان رافضة ومتحفظة على بيان جامعة الدول العربية طالبة شطب أسمها من البيان الصادر، وكأن صفقة ما أُبرمت بينها وبين اثيوبيا وأطراف أخرى لم نعلم عنها نحن الدولة المصرية اى شئ حتى الآن، ومن بعدها قاد وزير الخارجية المصرى سامح شكرى عدة جولات ببعض الدول العربية كالامارات وسلطنة عمان وغيرها من الدول لكسب التأييد العريى لمصر فى قضية سد النهضة، والوقوف مع مصر فى هذه القضية من أجل المحافظة على حقوقها المائية، فى الوقت التى تقود فيه أثيوبيا حملة تبرعات لاستكمال بناء السد غير واضعة فى اعتبارها حقوق الدول الأخرى. فالمياة هى عصب الحياة لكافة المواطنيين ولا يمكن الاستغناء عنها فى كل بيت مصرى ولو لمدة ساعة واحدة فقط، حيث يصاب كل شئ فى المنزل بالإضطراب، وأود الإشارة هنا وكلامى القادم موجه مباشرة إلى الدولة المصرية، فإذا كان الشعب المصرى قد حمل على عاتقه الاصلاحات الاقتصادية التى اتخذتها الدولة فى فترة معينة أثرت بالسلب على دخول المواطنيين وارتفاع أسعار بعض السلع الاستهلاكية ومواجهة جشع واستغلال بعض التجار، فكل ذلك استوعبه الشعب المصرى بعقلية المصلحة العامة تستدعى تحمل هذه الاجراءات ، ووقف الشعب بجانب دولته فى هذه المرحلة الصعبة التى كان لابد من اتخاذ هذه الاصلاحات الاقتصادية، ولكن قضية المياة ينظر إليها الشعب نظرة مختلفة عن قضية الاصلاح الاقتصادى، فلا يمكن أن يستوعب الشعب المصرى قلة المياة وندرتها وعدم وجودها فى وقت من الاوقات، فهنا لابد أن يغيب مصطلح لازم نتحمل شويه، فالقضية هى قضية حياة ووجود.فهناك بعض الحقائق الثابتة المترتبة على بناء سد النهضة وهو تأثر حصة مصر فى المياة وبالتالى تأثر حصة الفرد اليومية فى استهلاك المياة، فضلا عن تأثر كافة قطاعات الدولة ويأتى فى مقدمتهم القطاع الزراعى فى بلد فى أصلها بلد زراعية فى المقام الأول، بما يؤثر بالتبعية على نوعية المحاصيل التى تقرر الدولة زراعتها وبالتالى تفقد الدولة نوعيات معينة من المحاصيل تحقق فيها مركزاً متقدما فى التصدير الخارجى، هذا فضلا عن تصحر العديد من الافدنة وعدم زراعتها لعدم توافر المياة لزراعتها اى ما يقارب مليون فدان عن كل 5 مليارات متر مكعب نقص فى المياة (على حسب التقديرات)، بما يكون له عظيم الاثر على الامن الغذائى المصرى.
وفى النهاية أود أن أقول أن ملف سد النهضة إن لم يدار من قبل الدولة المصرية بمزيد من الاحترافية السياسية والقانونية بعيداً عن تدخل أطراف وسيطة أخرى ومزيداً من ضياع الوقت والجهد فى مفاوضات لم تحترمها اثيوبيا وتخالف كل قواعد القانون الدولى، فى وقت انشغل فيه العالم بفيروس كورونا المستجد ومحاولة كل دولة السيطرة على الموقف من أجل عدم زيادة تفشى الفيروس بين سكانها، فأصبح فيروس كورونا الآن هو حديث العالم، مما يطفئ الضوء عن بعض القضايا الهامة فى العالم التى تحتاج إلى دعم وتأييد عالمى كقضية سد النهضة بالنسبة لنا نحن المصريين، حتى لا نجد أنفسنا فى النهاية مفروض علينا سياسة الأمر الواقع بتأييد خفى من قبل بعض الدول التى تريد الإضرار بمصالح مصر، والتأثير على المستقبل المائى لها.
وعلى الجانب الآخر من المعركة وهذا ليس من وجهة نظرى بديلاً وتنازلاً عن حقوقنا التاريخية والثابتة فى مياة نهر النيل ولكن لابد أن يأتى دور الدولة فى ضرورة تعزيز الموارد المائية الحالية والمستقبلية من إنشاء محطات معالجة وحفر الآبار والاستفادة القصوى من مياة الامطار التى تسقط على مصر كل عام ويمر العام ويأتى الآخر دون وجود خطة واستراتيجية واضحة للاستفادة من هذه المياة التى تهطل بكميات كبيرة، والتى يكون مصيرها للاسف فى النهاية بالوعات الصرف الصحى، هذا فضلا عن دورنا نحن أفراد المجتمع فى التعاطى مع قضية المياة، فنحن كأفراد مجتمع علينا مسئولية مجتمعية تتمثل فى أهمية التوعية بالمحافظة على المياة وضرورة ترشيد استهلاك المياة بشكل كبير فى استهلاكنا اليومى للمياة سواء فى المنزل أو العمل أو فى الشارع أو فى مشروعى الخاص أو غيره، مع فرض غرامات مالية وادارية على إهدار المياة، فإذا وجدناها اليوم سوف نبحث عنها غداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي


.. مراسلة العربية: إسرائيل طلبت إطلاق سراح 20 من الأسرى مقابل ه




.. اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين


.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل




.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر