الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالةٌ إلى الخطيئة المنزّهة.

زيدان الدين محمد

2020 / 3 / 21
الادب والفن


"على وسادة القبر
طفل".
- ندئ عادل.

هل كان من حقّكِ أن تكوني أُمًّا؟
ينفخون الامتنان في سقفِ السماوات، وينقشون الحنّاء سوارًا على أقدام الأُمّهات، هُنا وهُناك يستيقظون لمُعاقرة شِعر الامتنان لأعين الأمّهات، يَعدون خيولاً مُرتجفةً مع الرّياح، يشقّون العواصف مهرولين حتى يقولون بكُل الدماء المُضرَّجة على أكتافهم :
" مُمتنٌ لك يا أمي، مُمتنٌ يا عزيزتي على تسعة أشهر جُهدتِ فيها لتقذفيني إلى عفن هذا الوجود".
أمّا أنا فلم أذهبُ تمامًا إلى ما ذهبوا إليه من خديعة الامتنان، وحدي من يلمحُ على قلبي آثار الدّماء، فلم يعد من الأهمية في أن أُصدّق أنّكِ قمرًا وأغنِّي الوهم على ليلي، صدّقتُ ذلك قبلاً، وماعدتُ أصدّقُ إلّا أنكِ أوّل وآخر ما يدّل ُ على الدماء تحت زيف قميصي الأبيض.

في كل يومٍ من هذه السنة أصوم عن اغتصاب البسمة، ويطوف في أركاني ذُعرًا مروّع، تجتاحني غمامة شاحبة وتئنّ روحي بالشتائم. وحدهم يحتفلون بكِ، و وحدي أمكث ُ كذئبٍ مهذَّب في الزاوية أعوي بنحيب محاجر الليل، يحتفلون بالكارثةِ وأصمت ُ بنحيبي، هذا اليوم يتوّجونكِ فيه على إثمكِ الطويل يا أُمي وأصمت ُ بنحيبي، خطيئتكِ الأنانية التي مشيتي بأخمصيكِ فيها إلى حتفي وحتفكِ يتوّجونكِ عليها، خطيئتكِ التي جعلتْ منكِ مُجرمةً لذيذة وجعلتْ منِّي قدمان تركُضان في حقلِ المُرّ والحنظل لدفع ثمن هذه الجريمة، هل كان عليكِ لزامًا ارتكاب الغواية و تحبلي بجُثّةً مستقبلية تبكين عليها ومنها؟

غنّيت ُ بين كفّي فيروز وأصابع سعيد عقل "أمي يا ملاكي"، و ترنّمت ُ كالفرنسيين في قصيدة "الشُرفة" لبودلير عن الأم سيّدة السيدات، قرأت ُ خلسةً "خمس رسائل إلى أمي" من جيب قبّاني وهو يغتسلُ في الغُربة، أكلت ُ مع محمود درويش لمامًا خبز أمه وقهوتها من وراء القضبان، قرأت ُ "الأم" لغوركي حتى سمعتُني في صوتها، و صافحت ُ "أم سعد" مع كنفاني بيدٍ مبتورة، قرأت ُ نشيد الذهول في أعين الأُمهات و ولّيت ُ صلاتي لعشتار على مدار السَّاعة، لكن وبعد كُل هذا أخطأني ربيع البُحتري وارتدَاني خريف فرلين وغُربة الأمطار في حناجرِ الصحاري، وكيف أحتفل ُ بالخطيئة؟


الواحد والعشرون من آذار "عيد النوروز و عيد الأُم" عيدان في يومٍ واحدٍ يحملان دلالة تكاد تكون واحدة لولا فارق النتيجة، فالأوّل ربيعًا تلوحُ منه مباهج الرّحيق، يذيل أذيال الحرير، ويعير الأرض أثواب الشَّباب... أمّا الثاني فربيعًا يفرش الأرض بقواريرٍ موبوئة تتكاثر في ضربٍ من نُكتةٍ كونية تتّشح ُ بالمراثي.
وماذا أنجبتْ الأُمهات؟ ليس أكثر من الموت وحده. نفختِني ذرَّةً ضائعة في فراغ الكون يا أُمِّي، وأبليتِني بقلق الوجود ومسئولية الحُرية و أغلال الجهل والضّياع، أخلفتِني على الصليب جائعًا، مذعورًا من عطشي الصغير وحياة الكبريت هذه؛ فكم سنة من الوجود على هذا الكوكب أحاربُ فيه منذ البداية وحتى النهاية بعد نفاذ الذَّخيرة؟ كم سنة وهم يسرقون جلدي؟ كم سنة أحرث ُ الهواء؟ كم سنة وأنا أظن ُّ زورًا أنّي محظوظًا بالحياة؟ كم سنة وأنا "وحدي أدافع ُ عن هواءٍ ليس لي، وحدي أراود ُ نفسي الثَّكلى فتأبى أن تُساعدني على نفسي، و وحدي كنت ُ وحدي عندما قاومت ُ وحدة الروح الأخيرة"؟ كم سنة وأنا أدفع ُ ثمن غوايتكِ مع الآخر من أجل متعةٍ عابرة مشروطة؟ كم سنة وأنا ضحيّة مصائد الطبيعة لكِ لتوقعيني في جُبّ المُعاناة؟
والآن وبعد كل هذا تريدين و يريدون مني الاحتفال والتهنئة لأنّهم يحتفلون! كلّا، كلّا، وعلَّ أقصى صنيعتي هي الاعتذار الوحيد لكِ الذي أشادَ به محمود درويش، لكنهّ اعتذار عن تقبيلكِ اليوم، عن النظر لعينيكِ الحانيتين المليئتين بفاكهة خطيئة الوجود الشهيّة؛ فإبن أمّه يُفضّل أن يسقط دائمًا بكل حقده على أن يبرّر لكِ دفعكِ له في هذا السقوط بامتنانٍ مُضجر، وابن أمّه هو اليوم من يقول لكِ في غضب ِ اللائمين:
"كان من الفضيلة ألّا أكون يا أُمي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح