الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الولادة في زمن الحروب، تجعل الموت قريبا منك دائما -

ازهر عبدالله طوالبه

2020 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


الولادة في هذه الحياة ليّست حربا باردة كما تظُن، فهي لا تجرؤ على أن تُصيبكَ بالجنون بعد أن أعطتّك عقلا كامل، ولا تجرؤ على بتّر أطرافك بعد أن ولدت بجسدٍ سليم، أو أنّها تضعُكَ تحتَ تراب الأرض بعدَ أن أتَت بكَ من السّماء، أو أنّها تجّعلكَ جائعاً بعد أن أشّبعتك، أو عارياً بعد أن البستّك، ربما ليسَ هذا حالها الحقيقي، إنّها تتعاملُ معكَ بهذه الطريقة ؛ لأنها تعلم ما لا تعلمهُ عن الحروب التي تدور رحاها على هذه الأرض التي أتيّت لها، فتحاولُ أن تكونَ اكثرَ عطّفاً عليك، قبل أن تسّتغنيَ عنّها وتُصبح ابن الحياة.. وأنا ك شابٍ -الآن- تجاوزت الغشرين ونيف من عُمره، بتُ أكثرَ إيماناً بما ذكَرت بالمُقدّمة، ولو عدتُ قليلاً لسنواتِ ولادتي، ولو عُدتَ أنت -أيضا- لسنواتِ ولادتكَ ؛ لاتضحَ لنا الكثير من الامور . وسنرى بأنّ ولادة كُل واحدٍ منّا كانَت في وقتٍ عصيب، لا نُحسَد عليه، ولا على أنّنا أصّبحنا من أبناء الحياة، وأمّا عَن ولادتي، فقَد كانَت في منتصفِ التّسعينيات، في وقتٍ كانَت السياسية السّلطوية لبعضِ الدول التي قامَت على الدّماء- تحاول أن تتوسّع في سيطرتها على العالم بجوانبٍ مُتعددة، تحتَ مسمّياتِ كثيرة، وكانَ من أهم تلكَ الجوانب، جانبين شرّخا العالم، وكرّسا الأفكار التي تجّعلهُ يزداد في تقسّيماته إلى حاكمٍ ومحكوم، وقوي وضعيف، ومتقدّم ورجّعي، والجانبانِ هما الإقتصادي، والجُغرافي الذي يتعلّقُ بعُنقهِ العامِل الإقتصادي بشكلٍ كبير، فكانَت تلكَ الأنظمة السياسية تتعاملُ بما يُحقّق لها اهدافها تحت مفهوم " الغاية تُبرّر الوسيلة"، ولَم تجِد وسيلةً تُحقّقُ بها غايتها، أفضلَ من وسيلةِ إضرام نّار الحروب في العالم، ودبّ الفزع والهلع في قلوبِ البشرية جمّعاء، مع المُبالغة أكثر في بعض المناطق والأقاليم التي تودّ إحتلالها أو إضعافها . كنتُ اتوقّع بأنّ الحروب مرتبطة بتلكَ الفترة - ولادتي- القصيرة فقط، وأنّها ستنّتهي حالَ إنقضاء تلكَ السنوات، ولَم أكُن أتوقّع بأنَّها ستكبرُ معي، وأنّها ستتطوّر باسلحتها كُلما إزدادَت إحدى خانات عدّاد عُمري، فالثمن على هذه الحياة باتَ كبيراً جداً، وربما أحد هذه الأثمان حياة البشرية جمّعاء بما فيها " النبات والإنسان والحيوان " .

إنّ حجم الرّعب الذي يتعرّض له الكون في هذه الأيام، أكبر وأعمَق بكثير من حجمِ الرّعب والهلَع والخوف، وكلّ ما عاشهُ الإنسان في الفترات القديمة، على الرّغم من البؤسٍ والحُزنٍ والقَتل الذي تعرّضَ لهُ فيها -الفتراتِ السابقة-، والذي جعلهُ كرمادٍ منثور على صخرةٍ بازلتية كبيرة، دُحرِجَت إلى قاعِ إحدى الأودية العميقة .

لستُ مبالغاً إن قُلتُ بأن الحروب القديمة، هي حروب ارّحمُ للبشرية من هذه الحروب التي نتعرّض لها في أيّامنا الحالية، والقول هذا مبنيٌّ على مُقارنةٍ بسيطة، كنتُ قَد قمتُ بها أمس، بعد أن فكّرت " بالولادة والموت "، وقَد يراها جُزء منّكم منطقية، والجزء الآخر لا يراها كذلك . فالحروب القديمة كانَت تمّتاز بأسلحتها البسيطة حتى لو أنّها كانَت تؤدي إلى الموت . فالقتالُ بالسّيف يختلفُ إختلافاً كببراً عَن القتال بمسدّسٍ يسّتوعبُ عددا لا بأس به من الرّصاص، والقتال بالمسدّس يختلفُ عن القتالِ بسلاحٍ اتماتيكي يبتلعُ الرّصاص ولا يشّبَع منّها، والقتالُ بسلاحٍ اتماتيكي يختلفُ عن راجمةِ صواريخ، أو طائرة حربية تلّقي بصواريخها على رؤوس الصغار قبلَ الكِبار، والقتال بطائرةٍ موجّهةٌ الى فئة مُعيّنة من البشَر يختلفُ عن القتال بفيروسٍ يُصيب البشرَ جميعا - كما نشّهَد اليوم -، دونَ أن يُراعي أحد.. والاهمّ من ذلك بأنّ الحروب القديمة، كانَ طرفيّها واضحين للجميع، يتقاتلان على مرا الجميع، بإتضاحِ الحُلفاء والأصدقاء للطّرفين، وأمّا في حُروبِ اليوم، لا تعلمُ مَن حلفيكَ، وإن علمّتهُ لا تضمنهُ، ويصلُ الأمر إلى حالةٍ من الغوّغائية بالعداء، حتى وصلَ الامرُ بنا - اليوم- إلى العيش في عالمٍ كلّهُ اعداء، وكلّهُ قتلَة ومُجرمين، وتُجار حَرب، يعيشونَ على قتلِ الأبرياء، وسفكِ الدماء، وتجارةِ الاعضاء .


إن الأيام التي نعيشها في هذه الحياة، تُثبتُ لنا، بأن الولادة في هذه المجرّة، هي موتٌ لنا وحياةٌ للحروب...


فهَل سيأتي يوم وستنّتَصِر بهِ الإنسانية على كُل أسلحة الحُروب الدموية بمختلفِ أشكالها ؟!
وهَل سيأتي يوم نولدُ بهِ ولادة حقيقيّة، ونشّعرُ بأنّنا بشرٌ ومِن حقّنا ان نعيشَ بسلام ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا