الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحدي نوعي

ثائر سالم

2020 / 3 / 22
العولمة وتطورات العالم المعاصر


فلسفيا..الانسان بوصفه امتداد للطبيعة وجزء منها، لايمكنه العيش خارج قوانينها وشروطها. فهو رغم ترابطه الشديد معها، في علاقة صراع للتحرر من  هيمنتها المطلقة. ودرجة هيمنتها عليه ارتبطت دوما بمدى جهله بتحدياتها وقواها، وبقدراتها على التغير والتطور، وبمدى ضعف ادوات تاثيره عليها او التحرر من سيطرتها.
فمسيرة العلم وتقدمه، ان هي الا تاريخ نجاح الانسان في هذا الصراع، وتجليه معرفة ومنجزات وكشف وابداع،( كالادوية واللقاحات،  زراعة الاعضاء، بحوث الهندسة الوراثية ، عملية الاستنساخ، تصوير الخلية، والاستخدامات المختلفة للطاقة، والطاقة البديلة، واستخدامات الذكاء الاصطناعي..ومئات من الاكتشافات التي شكلت تحولا نوعيا في علاقة الانسان بالطبيعة وتقدم موقعه في هذه العلاقة، كغزو الفضاء وبحوثه، الانشطار النووي، وتصنيع الاسلحة النووية، دع عنك ثورة الكهرباء والانترنيت وااتطبيقات الذكية للتليفون والحاسوب).
آفاق هذه الامثلة وغيرها، ان هي الا تعبير، عن هذه العلاقة الجدلية ، الشرطية، المتجددة، التي ستبقى الطبيعة تطرح فيها، تحدياتها المتجدة، والاكثر تعقيدا، بمقدار تعاظم تحديات قدرات الانسان الخلقية، (الابتكارية او البحثية)، في التاثير بالطبيعة. فالعلاقة بين مدى هيمنة الطبيعة على الانسان وبين مدى تقدمه العلمي والمعرفي والبحثي والابداعي، ستظل علاقة عكسية. وجهلنا بظواهر الطبيعة ، سيبقى كنه الوجود، وسر ومغزى الحياة فيه، مادام التطور في الطبيعة شرطا وجوديا. ومعارفنا عن اسرارها ستبقى نسبية وامكاناتنا مهما تحسنت ستبقى محدودة، ولكنها في سيرورة تطور وتجدد. وتلك علاقة سرمدية لامجال للوجود خارجها.
والاوبئة والا مراض، هي احد تجليات هذه العلاقة، وتعبير عن هذا العجز، في مستوى معارفنا  وعلومنا الاني، ووسائل مواجهتنا، وادوات تأثيرنا. ومثل هذه الرؤية الجدلية، يمكن حتى للمسلمين ان يجدوها في النص القرآني واضحة حينما يقول (وما بلغتم من العلم الا قليلا)، (ولا تنفذو الا بسلطان). وهذا السلطان، حسب اغلب التفسيرات يقصد به العلم.

تاريخيا.. تعرضت البشرية سابقا وفي فترات مختلفة، الى جائحات وبائية مماثلة لجائحة كورونا. فقد ازهق الطاعون والجدري والملاريا والانفلاونزا الاسبانية.. مثلا ارواح الملايين من البشر، وعلى مدى سنوات، قبل ان يتم الانتصار عليها. واذا كان هذا الانتصار، تحقق في ظل مستوى علمي وطبي، ونظم رعاية، ودول ونظم بقدرات مالية، لاتقارن بالامكانات الحالية للدول المتقدمة، وللعلم(خبرات ومعارف وادوات، ومنجزات طبية، وبنية رعاية وعلاج تحتية، فانها ستكون بالتاكيد، اقدر على تحقيق الانتصار على جائحة كورونا، بسهولة وزمن اقصر، وهو تفاؤل لايخلو من منطق.

الا انه في ذات الوقت، لا يجب تجاهل حقيقة موضوعية اخرى، تتعلق بجوهر النظام الاجتماعي السياسي، الذي هو ذاته يقود اليوم، عملية مواجهة ذات التحدي. نظام باشكاليات بنيوية متعددة الاوجه، يصعب عليه تجاوزها. نظام اقتصادي يعتبر السوق قبلته وراس المال نبيه، والربح الهه،  لايمكنه ان يتصرف باخلاقية انسانية مجردة. ولا يمكن ان تكون اولوياته مستقبل حياة الانسان والبشرية (وهذه اشكالية انسانيته) ، الا بمدى ضمان ديمومة اسس واولويات النظام، الاقتصادية، والسياسية، والفكرية، القائمة على الطبيعة الانانية لراس المال والربح والاستغلال، وطبيعة عولمته.
ومع ذلك فان الطابع العالمي والوجودي للجائحة،  قد يفرض وجود هامش لرؤية عملية، يمكن ان تكتسب طبيعة اخلاقية وانسانية اوسع، واوضح، مطلوبة في هذا التحدي . فقدرات هذا النظام المالية الهائلة، توفر له قدرة على التصرف بمرونة، وحتى باستثمار الجائحة،ومواجهة الازمة لفترة، في مختلف الظروف.
فالصراع بين الشركات على انتاج ادوية او لقاحات، او معدات ومستلزمات طبية، او في تشغيل او استحداث قطاعات انتاجية او خدمية، اقتضتها الجائحة، هو مايمكن ان تفعله بسهولة ونجاح، وينسجم مع طبيعة اليات نظامها. انها في اسوأ الاحوال ستبقي على  رهانها على تعويض اية خسائر، بالعودة الى اليات سوقها وعولمتها، في زمن التغلب على هذا التحدي.... وهو امر لابد من حصوله وستسارع الخطى لتحقيقه.

كورونا تحد نوعي
ذلك لايعني ان كورونا، لم يضعنا ، امام تحد جديد، نوعي وجدي، متعدد الاوجه والمجالات، غير معروفة مديات وطبيعة آثاره على الحياة المعاصرة، ومديات خطورته وشكل انتشاره.  انه تحد وجودي وعلمي، استثنائي، قد يضع الحياة الانسانية، على ابواب، تحول نوعي في حياة النوع البشري، (الطبيعية، والاجتماعية). وانعكاساتها على الحياة اليومية، وعلى آلية عمل النظم، الاقتصادية والسياسية، في العالم ، وعلى النظام الدولي عموما.

التحديات والتساؤلات، التي طرحتها الجائحة..ستكون مطروحة على الاغلب في المدى المنظور، على جدول عمل البشرية، والنظام الدولي، ونظام العولمة، في كل ميادين الحياة المختلفة... في ميدان العلوم الطبيعية والطبية وضرورة ومدى القدرة على توفير الموارد اللازمة، ووسائل ذلك (وسائل، دواء، وعلاج، ومجالات بحث). وفي ميادين علوم المجتمع (انماط ثقافة وسلوك، واستهلاك، وشكل تواصل اجتماعي). وفي ميادين العلوم السوسيولوجية، ولاسيما مايتعلق بنظام السوق والعولمة وراس المال المالي، والنظام الدولي الذي اوجده. وربما على  اليات وسياسات ، تركز الثروات وتمركزها، في قطب من المجتمع الدولي، واعاقة تشكله في القطب الاخر، عبر ذات السياسات السابقة.

واذا كانت بلدان المركز، بنمط حياتها البذخي، اللاعقلاني، وانفاقها العسكري الهائل الذي يقترب من الترليون دولار سنويا،  وتركز وتمركز مليارات الدولارات بايدي قلة راسمالية مالية، توظف حكومات دولها لحماية مصالحها واموالها،.. اقول اذا كانت بلدان المركز، قادرة على توفير موار كبيرة لمواجهة الجائحة، ( رغم ان الجزء الاعظم من تلك الموارد انما هو ناتج عن استغلال ونهب شعوب ودول الاطراف، فان اطراف هذا النظام الدولي الغير عادل، مهددة بان تكون الساحة الاكبر،  لهذه الجائحة ، نظرا لغياب متطلبات الحد الادنى لهذه المواجهة مع الوباء، وانعدام مستويات الحد الادنى للبنى التحتية لنظام العلاج والرعاية.
هذه البلدان المتخلفة والتابعة، لم يمنحها راس المال المالي العالمي هذا، فرصة التقدم الاقتصادي والعلمي، او لم يساعد على قيامه. فهذا النظام الدولي ومن ورائه هيكلية راس المال المالي، هو من ساعد هذه البلدان الهشة، على سرقة واهدار المال العام وثروة البلد. وهو من ساهم في قيام نظم سياسية فاسدة، فرطت بموارد البلد المالية وثرواته، وتزاوجت مع هذه الفئات الكومبرادورية والطفيلية والفاسدة.  ودفعت دول كهذه، نحو حروب عبثية خلقتها هي، وفرضتها عليها، لتشتري السلاح منها، بمليارات الدولارات،
ولكنها لا توفر مشفى او دواء او غذاء او بيئة صحية وطبيعية غير ملوثة، لشعبها بكلف يمكن ان لاتشكل عشرة في المئة من انفاق على سلاح، استخدم في معارك اوجدتها سياسات حكومية خاطئة، قبل ان تكون اطماع الاخرين.
لقد فضحت كورونا ، هشاشة هذه الانظمة التابعة، ولا اخلاقية سياساتها، التي لم تتمكن، من توفير متطلبات الحد الادنى في هذه المواجهة، فعرضت حياة شعوبها لخطر الموت، بكل لامسؤلية واجرام. وتركت قطاعا واسعا من شعوبها، عرضت للجوع والمرض والموت، بكل سهولة.
فكيف اذن الرهان على اخلاقية نظام دولي كهذا؟ وكيف يمكنه تجاوز، تناقضات اشكالياته البنيوية؟ كورونا وضعت البشرية، امام سؤال نوعي يتعلق بمشروعية وفاعلية آليات العولمة ونظامها الراسمالي.

 
  
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا