الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية ( أكفان ومغازل ) انفراد الصوت الواحد

جبار وناس

2006 / 6 / 9
الادب والفن


كنا قد قرأنا وتابعنا باهتمام المسرحيات التي درج الكاتب الشاب عمار نعمة على كتابتها بدءا من مسرحية ( القاع ) ذات النزعة المتشائمة والتي يقف الواقع الذي تحرك في وسطه سببا في هذه النزعة ووصولا الى المسرحيات التالية ( ليلة جرح الامير – مقامات نورانية – قبور بلا شواهد ) وآخرها ( أكفان ومغازل ) ، ويبدو ان مساحة الحرية المتاحة بعد سقوط الدكتاتورية بدت أرضا خصبة للكتاب في ان يتجولوا في جغرافية ما كان يحسب خطا أحمرا عند مشارط الرقيب فرحنا نشاهد خروجا للمكبوت بألوان شتى منها السياسي والاجتماعي والديني ويجد له صدى وحضورا واضحا في الساحة الفنية العراقية ورحنا تسمع عن عناوين كثيرة منها – المسرح الاسلامي – المسرح الحسيني – التشابيه – ومسرح التعزية والنوع الاخير أخذ مداه عند الكاتب عمار نعمة فقد بدأ يركز على الحوادث التاريخية المؤثرة في الذاكرة ومنها واقعة الطف لينسج نصوصا تحاول ان تستل ما يتماهى مع واقعنا المعاصر او ايجاد المعادل الذي يتواشج معه في الفعل والاثر بعد ان يجعل من هذه النصوص مفرغة من محتواها الزماني والمكاني ويبعث بها في خطاب مسرحي يتعكز على استشعار ما هو منادم لنا في لحظاتنا الحاضرة . ففي مسرحية ( قبور بلا شواهد ) نرى الكاتب يستل لنا شخصية قابيل وقصته المعروفة في صيرورة أول خطأ عرفته البشرية وكذلك سحب لنا شخصية جابر الانصاري ليعطي لها ملامح بواقعية معاصرة تمتزج مع هموم الواقع الذي نعيشه عالم الارهاب والقبور الجماعية ومصادرة الاخر يحصل هذا عبر الترابط ما بين الماضي والحاضر . ان ما يحسب لصالح الكاتب عمار نعمة انه لم يقترب من الحدث التاريخي كأقتراب مؤرخ وانما اقترب مستندا الى أحقية الفن في التداخل ما بين الحياة الطبيعية وهذه الاحقية لم تجعل منه مؤرخا بل جعلت منه يعيد خلق التاريخ مرة أخرى ويغوص في احداثه ولم يقدم لنا سردا جافا وأراد أن يرينا الطبائع بدلا من الخواص والوجود بدلا من الوصف حسب توصيف ( جورج بوشنر ) ولكن ما يلاحظ على هذا الاستحضار لحوادث تاريخية وانشائها بمعمارية النص المسرحي هو خلوها من الصراع الذي هو جوهر الدراما فما قرأناه من نصوص الكاتب عمار نعمة هو عبارة عن أصوات منفردة لا تكاد تتلاقح مع بعضها داخل بنية النص المسرحي فالحوارات المستخدمة وبالذات في نصيه الاخيرين ( قبور بلا شواهد – اكفان ومغازل ) تبدو في اول وهلة في شكل الحوار الدرامي لا تمثل حوارا بالمعنى المألوف بل نجده يقترب الى حد كبير من طبيعة المونولوج فكأن كل متحدث يعبر عن خواطره وخلجات نفسه بصوت مسموع من دون ان يوجه حديثه الى شخص بعينه بحسب ما ذهب الى ذلك ( أندريه فيرث ) وهو يدرس لنا مسرح التعزية . ان ما سعى اليه الكاتب عمار نعمة هو استثارة فرضيات فكرية وعقيدية لدى القارئ والجمهور تتعمق بتواصله ايمانا مع ما مؤدى امامه . وما قدم امامنا لم يخل بتلازم العلاقة والوضوح ما بين الفن والجمال اذ تبدو هذه النصوص بعيدة عن المباشرة والتسطيح وأرادت ان تمد جسورا من التواصل مع المتلقي وفي دخولنا الى تأشير تفاصيل العرض المسرحي الاخير (أكفان ومغازل) من اخراج الفنان ثائر خضير يتجلى بوضوح اعتماد الاخراج على رؤية تنفيذية لنص المؤلف لم تبتعد كثيرا بخطاب نص العرض رغم اجتهاد المخرج من خلال اعتماده على ايصال رسائله السمعية والبصرية فقد تم توزيع مكان العرض على ثلاثة أماكن المكان العلوي يدلي منه مدرج يمتد ليصل قرب الجمهور تطل منه المرأة بعالمها وهمومها وتوسلاتها في العثور على أبنائها الأربعة الغائبين ومكان آخر تتحرك فيه مجموعة البيض والذين يشكلون عالم الملائكة او ما يكون المعادل الذي يؤشر لغياب الابناء الاربعة للمرأة العجوز ومكان ثالث هو مكان رئيس الحفارين ومجموعته التي تمثل بلباسها الاسود عالم الواقع المر وآلة القمع والاضطهاد وقد قرأنا هذا التوزيع من خلال ما كشفته لنا اضاءة الفنان حبيب حرز ومصاحبة الموسيقى الملائمة للفنان عمار نعمة في المشهد الاستهلالي ولعل ما انطوت عليه سينوغرافيا العرض على حدود شكلية تجلت باستخدام اللون الاسود والابيض والاخضر وحركة الحفارين ورئيسهم وتكرار هذه الحركة يضاف لها حركة مجموعة البيض التي راحت تدور بآلية حول الهياكل الاربعة ذات اللون الاخضر والابيض والتي أضحت في أحد التحولات المشهدية الى نعوش ، اما خليفة المسرح وفيها الباب العلوي الذي تطل منه المرأة وخيوط الغزل المتدلية على طول المسرح فقد بدت معطلة أهملها الاخراج ولم يعمل على تحريكها او توظيفها كعلامات متحولة الا في حدود ضيقة . لقد كان لوجود المغزل كعلامة بارزة تحمل معها الكثير من المضامين ورغم الاشتغال الضعيف معه من قبل العجوز الا انه صار المفتاح او عين الحقيقة التي تكشف لنا عن عمق الادانة الواضحة لكل حالات الارهاب والقمع والقتل الجماعي والتغيب القسري التي مورست بحق الانسان العراقي الذي ليس له سوى مبادئه لكي يحقق انسانيته ويساهم في بناء الصرح الانساني بناءا سليما قائما على مبادئ العدل والحرية والسلام ويأتي انسجام المرأة العجوز وانشغالها مع المغزل ليشكل المحور الذي بني عليه العرض المسرحي ويقصي الاطراف الاخرى المكملة لهذا العرض فما وجود هذه الاطراف سوى صدى تمر به المرأة في فعلها وحركتها كشخصية انفرادية تنتمي الى المونودراما كان على المخرج ان يعي هذه الحالة ويشذب العرض من الكثير من الزوائد التي طالته ومنها تكرار حركة الحفارين وتكرار حركة مجموعة البيض بآلية ولدت الملل لدى الجمهور وكذلك حضور الولد الغائب (عباس) بصوته مبعثا آخر لترهل العرض . بقي ان نقول ان هذه المسرحية قدمت على هامش المهرجان المسرحي الطلابي الثالث المقام من قبل النشاط المدرسي في تربية ذي قار واشترك في ادائها نخبة من ممثلي المحافظة منهم عبد الرزاق سكر وعلي بصيص وفاطمة الوادي وعمار سيف وحيدر عبد الرحيم وستار جبار بالاشتراك مع مجموعة من طلاب اعدادية الجمهورية علي زيد وعلي جمال امين وسيف شهيد وحيدر محمد رحيم . وقدم الفنان الرائد عبد الرزاق عبد سكر اداءا امتلك فيه مرونة جسدية وصوتية تجسدت بخفة ورشاقة رغم قصر دوره ليؤكد لنا المقولة التي تقول : ليس هناك دور كبير او صغير بل هنالك ممثل مقتدر تشاطره في ذلك الفنانة فاطمة الوادي التي اتسم أداؤها بحضور مؤثر فيه شيء من التوتر الداخلي راح يتأجج مع حالات التحول الادائي لها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو