الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يستقيم حالنا؟ فيروس كورونا والحالة التونسية

معاذ جمايعي

2020 / 3 / 23
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


يواجه العالم اليوم معركة تحدي تهدد وجود الإنسانية. الأمر الذي دفع بالكثير إلى اعتبار الوضع الراهن بمثابة نهاية العالم. وأمام هذا الحدث سنحاول تناول المسألة من جانبها العام مع التطرق للحالة التونسية كمثال. فقد تضاربت الآراء والمواقف بين من يعتبر الفيروس سلاحا بيولوجيا تستخدمه أمريكا لضرب أعدائها مثل الصين وإيران، وبين من يرى أنه فيروس تشكل بمفعول الزمن والمناخ انتقل من الحيوان إلى الإنسان. كل هذه التوقعات وتناقض التفسيرات لا تعنينا في الوقت الحالي. ولو كان سلاحا بيولوجيا فإن الحقيقة ستظهر بعد سنوات، وربما لن تظهر أبدا مثل حادثة اغتيال الرئيس الأمريكي " كندي". لذا، دعونا نهتم بكيفية إيجاد حلول عملية لبلدنا، وتجاوز الأزمة اعتمادا على طرق الوقاية من الفيروس.
هذا الفيروس كشف لنا عجز التكنلوجيا والحداثة الغربية في مقاومته، لكن ذلك لا يعني أن ما وصلت إليه هذه البلدان من تقدم لم يخدم صالحها. بل وجدنا انضباطا ووعيا شعبيا واحساسا بالمواطنة عاضد جهود الحكومات، على الرغم من صعوبة إدارة الموقف.
وفيما يخص الحالة التونسية كمثال من بين الدول العربية، برزت عدة ظواهر إيجابية ليست بالغريبة عن مجتمع لم يخرج بعد من سيرورة حراك ثوري وانتقال ديمقراطي في طور البناء. نذكر منها التضامن بين الأفراد وروح الإيثار، وحيوية المجتمع المدني كأبرز نقاط إيجابية. وفي المقابل نجد ظواهر سلبية على غرار الأنانية واحتكار المواد الغذائية، واستهتار فئة من العامة بخطورة الوضع، مما يزيد صعوبة التحدي، علما وأن الدولة ستتكبد خسائر اقتصادية كبيرة، لن تقدر على تجاوزها لمدة سنوات. يمكن أن نطرح خطوات عملية لمعاضدة جهود الدولة والنهوض بالاقتصاد الوطني في مقال آخر. لكننا سنحاول في هذا المقال السير خطوة بخطوة أولا وتدارس كيفية إدارة الأزمة الحالية والتعافي منها.
صحيح أننا لا نملك اللقاح وأن إمكانيات وزارة الصحة غير قادرة على التصدي لخطر الفيروس، غير أننا بكثير من الوعي واليقظة، نستطيع احتواء الموقف عبر نقاط عملية وناجعة تتمثل في: تجنب الخروج من المنزل إلا للضرورة، ترك مسافة آمنة بين الأفراد، التعقيم، تكليف فرد واحد من الأسرة للتكفل باقتناء الحاجيات واللوازم الغذائية، مع خلق أجواء عائلية دافئة ومتماسكة. وهنى نشيد بدور الأم في هذه المرحلة التي عادة ما تكون أقرب إلى الأبناء، وتتحمل أشغال المنزل بكل تعقيداته ولوازمه. وأهم مسألة في اعتقادنا، هي الابتعاد عن التوترات والإشاعات وخاصة الإعلام. فالإعلام في تونس ساهم في تضليل الشعب والتحكم في مخياله وبنيته الذهنية وتوجيهه وفق أجنداته، منذ الثورة إلى الآن. ومن أجل الحصول على المعلومة الصحيحة ومواكبة المستجدات، وجب علينا أن نعتمد فقط على تصريحات وزارة الصحة، الجهات الرسمية، رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية.
فيما تبقى من أسطر أود أن أطرح عليكم السؤال التالي: لماذا كل هذا الهلع والأمر كله بيد الله؟ ميزتنا كشعب مسلم ذو ثقافة إسلامية، إيماننا أن الله بيده الملك وأن هناك قضاء وقدر ورحمة سماوية وعدالة إلهية. يمكن تقضية الوقت بقراءة كتب مفيدة، الاستماع للموسيقى، الاستماع للقرآن، وغيرها... كل حسب رغبته وحاجياته النفسية. الأمر لا يتطلب الفزع بقدر ما يتطلب الثبات. ستمر الأيام وتستفيقون وكأنكم كنتم في حلم مزعج فقط، لكن ستكون النهاية متوجة بالانتصار. الحياة مستمرة وللعمر بقية فلا داعي للفزع. طالما أن قلوبكم تنبض بالحياة فذلك إيذان أن الله يحبكم ويرحمكم. لا تحملوا أنفسكم أعباء وأهوالا تثقل كاهلكم، ففي الأخير لستم مجرمين. بل كلكم طيبون، لكن أحيانا تسيطر علينا بعض الأهواء، وهذه فرصة لمراجعتها وفرض السيطرة عليها. ليس ذنبكم أن مكة مغلقة، فذلك غضب على بن سلمان وزبانيته، وليس ذنبكم أن المساجد مغلقة، فتلك رسالة بهدف تطوير العبادة القلبية وإصلاح السرائر، بالذكر والتسبيح وتصفية القلب من الأحقاد والحسد والبغضاء والغش والتناحر. لماذا عندما تذهب إلى شركة بهدف طلب شغل، ويعلمونك أن ملفك منقوص من عدة وثائق عليك إكمالها أولا وبعدها تكون مرحبا بك في الشركة، تكون متحمسا وتسعى لتدارك الأخطاء المنقوصة في ملفك من أجل دخول الشركة باستحقاق. المسألة أيضا أشبه بهذا المثال، على كل واحد منا أن يقوم بمراجعات، ثم ستفتح المساجد ويرى كل واحد منا ما ينبغي أن يعدله في ملفه من أجل العودة باستحقاق. تجنبوا الأحكام القيمية، أي هذا سكير، هذا سارق، هذا كذاب، وغيرها... لنكن رحماء فيما بيننا، ولنعد للنواة الأولى للمجتمع وهي الأسرة، التي تتطلب مراجعة وإصلاح وتأمل وإعادة بناء، ليستقيم فيما بعد بشكل تدريجي المجتمع المنشود لكل غيور على وطنه.
كما ينبغي أيضا ونحن في الحجر الصحي مراجعة مسألة الإعلام ونحن في مواجهة مباشرة مع شاشة التلفاز في بيوتنا؟ كيف لشعب قام بثورة أبهرت العالم أن يدع إعلاما مرتزقا يتلاعب بعقولنا طيلة تسعة سنوات ولا يزال مستمرا؟ متى نضع له حدا؟ أي توجهات اقتصادية عقيمة تتبعها الدولة؟ لماذا المراهنة على قطاع السياحة، بدل المراهنة على قطاع الفلاحة ومصادر الطاقة الأخرى وغيرها. دون أن نهمل دعم قطاعي الصحة والتعليم والخوض في مسألة البنية التحتية، ومسألة تكنلوجيا الاتصال الحديثة ورقمنة الإدارة وغيرها من المسائل التي أهملناها ووضعتنا في خانة التخلف. هل ينبغي أن ندفع الثمن أرواحا من أبناء شعبنا وأن نتعرض لأزمات حتى نستفيق؟ أمام هذا الامتحان الجماعي وجب علينا التعامل معه من زواياه الإيجابية. فهذه فرصة لإنتاج سلوك مجتمعي جديد وخلق وعي مجتمعي أكثر عقلانية وتحضر. تجاوزنا أيام الثورة ونسق أحداثها القاسية، فلن تستعصي علينا مثل هذه الظروف. الأمر يتطلب وعي، ثقة، رباطة جأش، معنويات عالية وخاصة نفس طويل. لا بأس ببعض النكت فيما بيننا للترفيه. وسنحتفل بالنصر في الأخير بإعطاء العالم مثال عن دولة نامية استطاعت التغلب على فيروس ووباء عالمي وإدارة المعركة بفضل الوعي والصبر. فلنقبل التحدي ولنكسب الرهان.
أختم بهذا المثال للتحفيز: دخل رجلان السجن وحكم عليهما بالمؤبد. ذات ليلة وبعد هطول أمطار غزيرة، انقشعت السحب فأخرج رأسيهما من النافذة يتأملان المشهد. نظر الأول إلى الأرض وقال: لقد ملئت الأرض بالوحل، أما الثاني فقد نظر إلى السماء وقال ما أجملها وهي ممتلئة بالنجوم. بعد أيام، بقي الأول في السجن، وخرج الثاني بعفو من الملك. المعنى أن نتفاءل خيرا وننظر للمستقبل بعيون طموحة، وشوقا لمعانقة أفق الحياة الجديدة والدولة المتقدمة التي تحدثنا عن شكلها كثيرا ورسمنا ملامحها مرات عدة، وآن الأوان للتنفيذ. فصبرا جميلا يا إخوتي وشدوا الهمة. سنلتقي بعد أيام ويحتضن بعضنا البعض ونتبادل التحيات الحارة والورود ونستمتع بجلسات السمر والتزاور فيما بيننا. ولنعتبره امتحانا، نحاول أن نخرج منه فائزين بعلامات تميز وتفوق. وكلما اعترضتنا صعوبة أو أمر سلبي نحوله لإيجابية.
لقد مرت الإنسانية بالكثير من الصعوبات والأزمات والتحولات على امتداد التاريخ، لكن ما يميز شعبا عن الآخر، هو الذي ينهض ويستقيم ويستفيد من أخطائه، فإما أن ننهض أو أن نبقى ماكثين في مكان السقوط. لكننا سننهض وننهض مهما كان الثمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم