الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كرونا: جائحة الأغنياء
عيسى مسعود بغني
(Issa Baghni)
2020 / 3 / 23
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية
من حِكم الله ما نعلم ومنها ما لا نعلم ولا شك أن ما يحدثُ كله خير وإن كان مرضاً أو وباً مشاعاً، فالأمراض من صنع البشر والعلاج من توفيق الله ورحمته ويؤكد ذلك قوله تعالى "وإذا مرضت فهو يشفين" أسند المرض للمريض وأسند الشفاء إلى الذات العلية.
بغض النظر عن أسباب الوباء الحالي "كوفيد 19" هل هو بسبب إختبارات بيولوجية خرجت عن سيطرة باحث أمريكي متعاون مع مركز أبحاث صيني في ووهان أو إنتقال الفيروس من الحيوانات إلى الإنسان فإن الأوبئة قديمة قدم وجود التجمعات السكانية.
من الناحية التاريخية إشتهر الطاعون الأنطوني الذي إنتشر في عام 165 ميلادية بروما وقال عنه المؤرخ الروماني كاسيوس ديو أن هذا الوباء تسبب في وفاة ما لا يقل عن ألفي شخص يوميا حينئذ، وذكرت بعض الدراسات الحديثة أن الطاعون الأنطوني لم يكن سوى مرض الجدري. أما طاعون جستنيان فلقد انتشر في كافة أنحاء الإمبراطورية البيزنطية في آسيا وأفريقيا وأوروبا بين عامي 541 و 542م، وتشير الوثائق إلى أن هذا الوباء ظهر أولاً في مصر وإنتقل إلى القسطنطينية التي تحصل على حاجاتها من الحبوب من مصر، وقد أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا.
أكثر الأوبئة ضراوة ما عرف بالطاعون الأسود الذي شهدته أوروبا بين عامي 1348 و 1349 م، والذي أسفر عن مقتل نحو 20 مليون شخص، وكان يعتقد أن الفيران هم سبب الوفاة ولكن دراسة صدرت عام 2018 ذكرت أن البشر كانوا المسؤولين عن العدوى في ذلك الوقت وليس الفئران. وبالمثل شهدت العاصمة البريطانية عامي 1665 و 1666 ما عرف باسم طاعون لندن العظيم والذي وصلها قادما من هولندا ولقد تجاوز عدد ضحاياه الـ 100 ألف شخص.
وفي ليبيا وثقت مس توللي شقيقة القنصل الإنجليزي في طرابلس في كتابها (عشر سنوات في بلاط طرابلس) عن الوباء المجهول الذي ضرب البلاد عام 1785 وقضى على رُبع سكان طرابلس الذي بلغ في ذلك الوقت 14 ألف نسمة، حيث كانت الجثث ملقاة في الشوارع، كما تقول توللي في كتابها ،نه من كثرة الموتى لم تعد تقام صلاة الجنازة، ولم يتراجع ويختفي هذا الوباء إلا في صيف عام 1786 م.
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918م إجتاح العالم وباء سمي بالأنفلونزا الإسبانية، وأودى بحياة ما يقارب من 40 مليون شخص، وفي ذلك الحين كانت الفيروسات حديثة الاكتشاف، فلم يشخص المرض جيداً، وتقول ويندي باركلاي من جامعة إمبريال كوليدج بلندن: "لم يدرك الأطباء حينها بالطبع أن الفيروسات هي التي تسبب هذه الأمراض".
آخر الأوبئة الفيروسية الأكثر فتكا داء الإيدز الذي ظهر أول مرة في الكونغو عام 1976 م ثم إانتشر في مختلف أنحاء العالم، وقد بلغ عدد المصابين حوالي 36 مليونا. وعلى نفس الوثيرة إستمرت أنواع أخرى من الفيروسات مثل إنفلونزاء الخنازير الذي أكتشفت في المكسيك في أبريل من عام 2009م تم إنتشر في العديد من الدول، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في عام 2010 عن وفاة 18 ألف شخص جراء الوباء. وفي ديسمبر 2013م ظهر وباء إيبولا في غينيا وإنتشر في بعض دول غرب أفريقيا حيث أودى بحياة ستة ألاف شخص.
أما الوباء الحالي كوفيد 19 المعروف بكرونا (وكلمة كرونا لاتينية الأصل تعني التاج)، فلقد ظهرت أول حالة في وهان في ديسمبر 2019 ثم إنتشر حول العالم ليصل إلى أكثر من 160 دولة في أقل من شهرين. وهو فيروس ضعيف يصيب كبار السن ومن هم مصابون بأمراض مزمنة والأقل مناعة، ولكنه سريع الإنتشار بسبب فترة الحضانة الطويلة (12 يوما) و نمط العولمة الحالي المعبر عنه بالتواجد السكاني الكبير في مرافق عامة وبالتنقل السريع للأشخاص بين عواصم العالم.
في الماضي كانت الأوبئة بكتيرية مثل مرض الجدري الذي تعرضت له ليبيا عدة مرات، أشدها كان في أعوام 1858 في العهد التركي وعقب الغزو الإيطالي سنة 1913 وبعد الحرب العالمية الأولى سنة 1922 وما نتج عنها من مجاعة، كما إنتشر مرض التيفوئيد سنة 1942 الذي قضي على معظم الأطفال، وعاود الجدري سنة 1945م الذي جعل أوجه الكثير ممن تعرض له مبقعة بندب غائرة بعد الشفاء. أما الأن فأصبحت الأوبئة البكتيرية من الماضي وأصبحت الأوبئة الفيروسية أكثر تحدياً للمنظومة الصحية بسبب تنوعها وإحتمال تحورها إلى أنواع أخرى وعدم القدرة على إنتاج أمصال لها.
أما عجز دول العالم بقدها وقديدها للوقوف أمام هذا الوباء وتحوله إلى جائحة تنتشر في معظم دول العالم رغم التقدم العلمي الكبير، وأن معظم الوافيات سجلت عند الدول الغربية الأكثر تقدما، فيعزى إلى عدة أسباب؛ منها أن مرض كرونا كغيره من الأمراض الفيروسية يصيب الفئة الأقل مناعة جسمية وهم كبار السن، وهم الأكثر تواجداً في الدول الغربية المتقدمة بسبب إرتفاع متوسط العمر في هذه الدول، مما يجعل تلك الشعوب تحوي ملايين من كبار السن الذين يعيشون حتى التسعين من العمر بمسكنات لأمراض مزمنة مثل الأمراض القلبية والسرطانات وأمراض الكلى، أما نظرائهم في الدول المتخلفة فيقضون نحبهم قبل وصول الجوائح إليهم بسبب عدم توفر إلإمكانيات الصحية الملائمة.
السبب الثاني المهم ما ورد في تقرير دولي يؤسس لمؤشر الأمن الصحي العالمي والذي اعتمدته جامعة جونز هوبكينز الأمريكية بتاريخ يناير 2020 م، وهذا المؤشر يتناول مدي قدرة المنظومة الصحية على إكتشاف المرض والحد من إنتشاره والتعامل معه بالوقاية والعلاج، ويشمل المؤشر 195 دولة. كشف التقرير أن متوسط مؤشر الخدمات الصحية العالمي 42.2% ، وأن 116 دولة ممن لهم الدخل الأعلى والمتوسط لم تحقق أي منظومة صحية منها أكثر من 50%، في حين أن عشرة دول حازت على الترتيب الأعلى، منها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 83.5% ثم المملكة المتحدة ثم هولندا فأستراليا وبعد ذلك كندا ثم تايلاند فالسويد، وفي دول العشرة الأولى لا توجد إيطاليا ولا فرنسا ولا إسبانيا، وهو ما يوضح حالة القصور بل الإنهيار للمنظومة الصحية في تلك الدول عند حدوث الوباء الحالي.
أما دول شمال أفريقيا فكانت المغرب في المرتبة 68 ثم تونس في المرتبة 122 ثم ليبيا بنسبة 25.7% في المرتبة 168 وأخيرا الجزائر في المرتبة 173. وهذا يظهر عدما جاهزية و تهالك وتدني المنظومة الصحية للدول الشمولية مثل ليبيا والجزائر والوضع الجيد للمنظومة الصحية المغربية رغم قلة الإمكانيات المادية.
وباء كرونا كغيره من أوبئة الفيروسات سيكمل دورته ذات الثلاثة مراحل وهي مرحلة الإنتشار السريع ثم استقرار ثم الإنحسار لينتهي كما إنتهى غيره، وربما نحن الأن في مرحلة بداية الإنحسار التي قد تستمر لعدة أسابيع.
عالميا قد يدخل إقتصاد الدول الكبرى في إنكماش مؤقت، ولكن هبوط سعر النفط سيعوض الخسائر، أما على المستوى الإقليمي فإن حروب قادة حكم العسكر وحكومات الإستبداد أكثر خطورة وأكثر قتلاً وتنكيلاً من غول كرونا وكل جائحات الدنيا، فحروب داعش والكرامة بجنوب طرابلس والشبيحة بإدلب والإماراتيين بالحديدة وعدن لا دواء لها حصدت مئات الألاف من الشباب، وشردت ملايين العائلات وهدمت البيوت على رؤوس ساكنيها وهو مالم تقوم به كرونا والإيدز ولا الطاعون الأسود.
محليا إحتمالات إنتشار الوباء ضئيلة في دولة قليلة السكان لا يوجد بها نقل عام ولا مناسبات رياضية ولا أمسيات ليلية، والمصدر الأساسي من المعابر وأشدها خطرا ما قامت به السفارة الليبية في مصر بالتعاون مع الحكومة المصرية بتسفير أكثر من 3000 شخص عبر المعبر خلال الايام الماضية، ويشكل ذلك جريمة في حق الليبيين بتواطؤ مصر مع قوات الكرامة بمساعد، والتي إن لم يتم التعامل معها بحزم من حكومة الوفاق فستكون ذات عواقب وخيمة فهي حرب جرثومية يقودها حفتر لنشر الوباء في الغرب الليبي بعد أن عجز على ترويضه بالرشاوي أو هزيمته بالسلاح والتهجير والتنكيل.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. شرق أوسط جديد.. مفاجآت قد تغير مصير فلسطين ولبنان
.. أضرار جراء سقوط صواريخ أطلقت من لبنان على قرية ترشيحا شمال ع
.. تعرف إلى صاروخ -المقادمة- الذي قصفت به القسام تل أبيب
.. مشاهد من داخل طائرة في بن غوريون تزامنا مع إطلاق صاروخ من ال
.. -تاجر الموت- فكتور بوت يعود كوسيط لتزويد الحوثيين بالأسلحة و