الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلهام عمر ضحية الاسلاموفوبيا

خالد حسن يوسف

2020 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


الولايات المتحدة الأمريكية تصنف كدولة علمانية، كما يتضمن دستورها السياسي، إلا أن الصبغة أو الطابع العلماني لم يتجلى في إتجاه واقع علمنة المجتمع والحياة السياسية تحديدا والتي تستحضر الخطابات العرقية، وفي بلد كبير يتعايش فيه كم كبير من العقائد والقوميات والرؤى الفلسفية الفكرية، لدى أصبحت العلمنة كوعاء كبير قادر على استيعاب تلك الفروقات وصياغة الانسجام بين التعدد الاجتماعي والسياسي الماثل في أوساط السكان.
وفي مقابل ذلك منح الدستور لكل المكونات أو الأفراد أن يمارسوا معتقداتهم بالصورة التي يرونها على المستوى العام، شريطة أن لا يتعارض ذلك مع السلامة والأمن العام، وعند تلك الحدود تحسم العلمنة المسألة وترفع إشارة الاعتراض قانونا، إلا أن ذلك ليس كافيا.

والمؤكد أن الولايات المتحدة رغم أنها تعتبر من الدول العلمانية، إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك، فالدولة لم تصل بعد إلى مرحلة العلمنة الشاملة ولا زالت أسيرة التقاليد الدينية البروتستانتية لغالبية مؤسسيها سكانيا.
وعند مقارنة أمريكا ببعض الدول الأوروبية فإن النفس العلماني في الأخيرة نجده أقل حضورا من مثيله الأمريكي، مما يعني أن الحضور الديني على مستوى الحياة العامة قوي وكبير، ولدرجة أن التيار العام للمجتمع الأمريكي يرون ذاتهم كمؤمنيين مسيحيين بروتستانت وكاتوليك، وذلك بحد ذاته ليس إشكالية.

أما الماثل فهو جر الطابع المسيحي إلى الحياة السياسية والذي يرونه جزء من التقاليد العامة للمجتمع، ويترتب على ذلك فرض تلك المساحة الدينية التي يقف وراء حمايتها تيار عريض من المجتمع، والذي لن يسمح باستبعاد قناعته مشاعره ويفرض على النخب السياسية واقع مراعاة تقاليده الدينية.
إلا أن الإشكالية الكبرى هي حضور الخطاب الديني الأقصائي وعادتا ما يكون عائدا لليمين المسيحي الأمريكي ويشمل أحزابه السياسية، ويكون موجها بالعادة تجاه الأقليات المسيحية،المسلمين،الآسيويين البوذيين،الغير دينيين،المثليين جنسيا، وفئات عديدة منتشرة في أوساط السكان.

والملحوظ أن هناك كم كبير من واقع الكراهية الاجتماعية المتبادلة بين أوساط السكان ذاتهم، وليس ذلك فحسب، بل أن تداعياتها تطفو على السطح الحياة العامة وتسبب أضرار ماثلة للعيان، ورغم ذلك أن الكثير من حالات إعلان الكراهية ومهاجمة جماعات وأديان، يحدث ويمر دون أن يخضع لواقع الردع والمساءلة القانونية.
وفي خضم هذا المشهد فإن الكثير من جزيئات خطاب ممارسة الكراهية في الحياة العامة يتكرر دون توقف، رغم وجود قوانين واضحة ومانعة لوقوع وممارسة تلك التجاوزات.
كما أن من تمارس الكراهية والتحريض والتجاوزات في حقهم، رغم قدرتهم على ملاحقة الطرف الشاذ قانونيا، إلا أن الكثير من تلك الوقائع تمر دون التوقف عندها وتنتهي بالسماح لمرتكبيها في الإفلات من المساءلة القانونية.
وفي هذا الصدد يشكل المجتمع اليهودي الأمريكي حالة استثناء نظرا لحرصه على عدم مرور خطاب الكراهية تجاهه وتجاه الأخرين أيضا، وإن كان الأمر الثاني خاضعا للمزاج السياسي في بعض الأحيان.

وفيما يتعلق بالمجتمع الصومالي الأمريكي رغم إنه يتعرض لتمييز عادتا من قبل البعض، أسوة مع غيره من المسلمين، إلا أنه يجد التعاطف والدعم من قبل التيار العام للمجتمع الأمريكي ومؤسساته، ولكن ما هو جدير بالإشارة وأصبح له انعكاساته أن بعض شباب الجالية والمساجد وقعوا في ورطة التطرف الديني مقارنة مع عموم المسلمين الأمريكيين.
فقد شكلوا الجماعة العرقية الأكثر بروزا من حيث ارتباط أعضائها بالإرهاب، وذلك على خلفية ارتباط بعض شبابها بالقوى الدينية الاسلامية المتطرفة، وقد غذى عامل الاجتياح الاثيوبي لصومال في عام ٢٠٠٦ ذلك الأمر، مما أسفر عن مشاركة عدد من الشباب في ذلك الصراع والانتقال من أمريكا إلى الصومال على هذه الخلفية.

وليس ذلك فحسب بل أن هناك حالات كانت على تواصل مع تنظيمات القاعدة وداعش، وقد فاقم الأمر التناول المحموم للإعلام الأمريكي، وهو ما جلب لصوماليين والمسلمين الكثير من الاستهجان والاستهداف والضرر المعنوي والمادي، حيث تتعرض بعض مؤسساتهم للاعتداء بين فترة وأخرى.

وعند الوقوف أمام تجربة إلهام عمر السياسية، يتجلى العداء الشرس للحزب الجمهوري تجاهها ويشاركه ذلك اليمين الأمريكي عموما، بينما تراوحت حصيلة المتعاطفين معها ما بين حزبها الديمقراطي بعد إستثناء مواقفه من قناعات إلهام عمر تجاه إسرائيل، والقوى الليبرالية والمواطنيين المسلمين لا سيما أبناء جاليتها الصومالية.
إلا أن مواقف القس الأمريكي الجمهوري أي دبليو جاكسون، ليست رؤية خاصة به بقدر ما هي قناعات تيار عريض من الأمريكيين، ولا يمكن اختزال ذلك المناخ بالتصريح الإذاعي الذي قال فيه: إن الكونجرس أصبح أشبه بجمهورية إسلامية" واستطرد قائلا المزيد وأكد كراهيته للمسلمين ودينهم.

فالرجل ليس مجرد شخصية دينية متعصبة، بل هو سياسي أمريكي محترف، ترشح في عام ٢٠١٣ لمنصب نائب حاكم ولاية فرجينيا واخفق في ذلك بفعل تطرفه السياسي والديني، كما أن اشارته لنائبة إلهام عمر، لا يجوز أن تصدر من شخصية سياسية تمثل تيار واسع من المجتمع الأمريكي، وحزب سياسي كبير ذو حضور واسع ويؤكد حرصه على الخيار العلماني بغض النظر عن جذوره وتقاليده الدينية.
وبالمحصلة فإن واقع العلمانية في المجتمع الأمريكي لا زال يشق طريقه ولم يبلغ وجهته تماما، وهي علمنة الحياة السياسية الأمريكية خطابا وممارسة، ومن الضرورة أن تصل تلك الوجهة إلى خيار أمان لعموم السكان ومستقبلهم في التعايش والتجانس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه