الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام العالمي في زمن الكورونا

مهند عبد الحميد

2020 / 3 / 24
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


مع اشتداد جائحة كورونا وانتشارها في معظم دول العالم وقاراته، تتكشف الازمة العميقة للنيو ليبرالية العالمية وللنظام العالمي بمختلف مكوناته. ففي هذه الايام والاسابيع نشهد الاختلالات الفادحة التي لم تكن وليدة غزو كورونا، واقع الحال كان الاقتصاد العالمي يترنح في أزمات متلاحقة الى ان جاء فيروس كورونا ليفاقمها ويضفي عليها طابع الشمول ويقدم النظام الكوني بوجهه العاجز عن ايجاد الحلول، فلم يكن من باب الصدفة ان يقدم خبراء النيو ليبرالية نماذج ترامب وجونسون ومن لف لفهم من حكام وإدارات شعبوية عنصرية للخروج من الازمات الطاحنة، فكانت النتيجة توحشا سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
التأثير الكبير الذي جلبه مرض الكورونا للنظام العالمي تجلى:
اولا : النظام الصحي شهد مستوى متفاوتا من الانهيار والعجز بدءا من غياب او ضعف تدابير السلامة العامة، مرورا بنقص الادوات كاجهزة التنفس الصناعي والكمامات ونقص في وحدات الاختبار وغرف العناية الفائقة والمعقمات والاقنعة، فضلا عن تأخر الاجراءات الوقائية، وتأخر اكتشاف الطعم الذي يستغرق وقتا طويلا. وعدم امتلاك اعداد ضخمة من مواطني العالم الاول للتأمين الصحي، على سبيل المثال يوجد 28 مليون امريكي بدون ضمان صحي، كما ان مستشفيات القطاع الخاص في العديد من البلدان لا تعالج المصابين من غير الاثرياء بفيروس كورونا وتحولهم الى مستشفيات القطاع العام. ويلاح أن المرض يحصد اكثر الناس من الفئات الشعبية التي تتحمل اعباء جائحة الكورونا بفعل المآل الذي وصل اليه نظام الرعاية الصحية الذي تعرض الى تقليص موازناته سنة بعد سنة، وأدى التقليص الى "تخفيض عدد الاسرة بنسبة24 - 30% في المستشفيات وتخفيض عدد العاملين في الجهاز الصحي. ان إضعاف نظام الرعاية الصحي الحكومي كان لصالح القطاع الخاص الذي لا يستطيع الفقراء التطبيب فيه. عندما يقف القطاع الصحي في العالم الاول المتقدم عاجزا امام انتشار مرض كورونا حيث تزيد عدد الوفيات بنسبة 20- 30 % يوميا ، فإن القطاع الصحي المتواضع بإمكانياته وبمستواه في العالم الثالث (كالهند وباكستان ومصر وافريقيا وامريكا اللاتينية وبلدان اخرى لا يستطيع التعامل مع انتشار المرض وستكون نتائج انتشاره مأساوية وعدد الوفيات سيكون اضعافا مضاعفة. تجربة ايران مع الكورونا قدمت نموذجا للخطر القاتل الذي يهدد هذا البلد . لهذا السبب فإن ما تملكه هذه الدول المتاخرة صحيا واقتصاديا هو اجراءات الوقاية المكثفة التي تقطع الطريق على انتشار الكورونا.
ثانيا : الاقتصاد العالمي يشهد أزمة بمستوى اشد من الأزمات السابقة ومن المظاهر الأولية لذلك ، الدخول في ركود اقتصادي آخذ بالتعمق لطالما لم يتم قطع الطريق على انتشار الكورونا. وكلما طال أمد المرض وازداد انتشارا كلما تعمقت الازمة. فقد شهدت اسواق الاسهم انخفاضات حادة. وتاثرت الصناعة الكبيرة بسب اغلاق الاسواق وانخفاض الاستهلاك. واثرت اجراءات الاغلاق ووقف حركة التنقل بين البلدان على قطاعات السياحة والخدمات كالمطاعم والفنادق والمقاهي وحركة الطيران والمواصلات العامة والخاصة، وكذلك قطاع البناء، ولم يسلم القطاع الثقافي كالسينما والمسرح والرياضة والصحافة من تأثيرات الازمة. الاكثر تضررا كانت الشركات والمعامل والورش الصغيرة وبخاصة في بلدان العالم الثالث والعمال المياومين وهم الفئات الاوسع من العمال، تلك الشركات اصبحت غير قادرة على مواصلة العمل في ظل ركود الاسواق واجراءات منع التجول التي ادت الى التوقف عن العمل في تلك القطاعات. وقد انعكس ذلك على نسبة البطالة المرشحة للزيادة، حيث تتوقع منظمة العمل الدولية انضمام 25 مليون عامل الى جيش العاطلين عن العمل. إزاء ذلك حاولت الحكومات التي ترعى مصالح الشركات الكبرى اكثر من رعايتها للمجتمع ككل الى التعويض عن الخسائر، كما فعل الاتحاد الاوروبي حين قام " بتأسيس صندوق بقيمة 25 مليار يورو. وفشلت إدارة ترامب في تمرير مشروع قانون بقيمة 2 ترليون دولار للاسواق بغية تخفيف خسائر الكورونا، الديمقراطيون في مجلس الشيوخ افشلوا القرار لان هدفه غير المعلن هو حماية المؤسسات الكبرى كما قالوا. غير ان البلدان الهشة اقتصاديا والمتورطة في نظام ديون متراكم لا تضع خططا لتعويض الخاسرين الذين لا يملكون الا قوة عملهم، ويعانون كثيرا وسيعانون اكثر في حالة اطالة مدة توقفهم عن العمل. فمنذ توقف السياحة واغلاق المطاعم والفنادق والمقاهي في العديد من البلدان ومنها فلسطين، ذهب العاملون الى البيوت، ومنذ توقف جزء من العمال خلف الخط الاخضر وعمال المستوطنات اضافة للورش والمعامل الصغيرة ومكاتب القطاع الخاص، ازداد عدد العاطلين وتوقف مصدر رزق هؤلاء واصبحوا بلا عمل. إن بقاء هؤلاء بلا عمل سيؤدي الى تشوش المجتمعات وعدم استقرارها. ما يستدعي الالتفات الى أهمية إعادة توزيع الاعباء بحيث تشمل الرأسمال الكبير. فلا يُعقل مفاقمة التوزيع غير العادل للاعباء. حكومة د. محمد شتية التي نجحت في الاجراءات الوقائية وتعاملت بمسؤولية مع تحدي جائحة الكورونا، مطالبة بالتوقف عند مسوؤلية توزيع الاعباء وتأمين الحد الادنى للخاسرين الذين يزداد عددهم باضطراد، بما في ذلك مطالبة دولة الاحتلال بدفع تعويضات للعمال الذين لم يسمح لهم بمواصلة العمل.
ثالثا : الكرونا وضعت حتى الان اكثر من مليار نسمة تحت سيطرة انظمة الطوارىء، بل وضعت العالم برمته امام تحديات مصيرية، من ينجح ومن يسقط في مواجهة التحديات، واي منظومة قيم ستسود، الجائحة اعادت تقييم الحكومات والقوى المهيمنة والاولويات. عندما تنجح دولة بابداع اساليب وتكنولوجيا متطورة ومنظومة قيم انسانية في الفوز على تحدي الكورونا ينشأ وضع جديد. المنتصرون في الحرب العالمية الثانية هزموا الخطر النازي فأنشأوا نظاما عالميا جديدا استند الى تعدد الاقطاب لكنه انهار. الان من يهزم مرض الكورونا لا شك في انه سيؤسس لنظام عالمي جديد. الصين قطعت شوطا في المواجهة ولكن ينقصها منظومة القيم الانسانية، فلن ينهار النظام الدولي القائم على هيمنة قطب واحد، إذا لم يهزم قيميا في مواجهة توحشه السياسي والاقتصادي. قد يمدد النظام الدولي الفاشل سيطرته باعادة تقاسم السيطرة بين اقطابه لكنه لا يستطيع إحداث التغيير بمعزل عن الخروج من منظومة الاستبداد والتوحش والتفرد والعداء للبيئة. اكثرية الشعوب الذين دفعوا ثمن الاقتصاد النيوليبرالي وأزماته الطاحنة، ويدفعون الان ثمن جائحة الكورونا، هؤلاء غير مقررين الان في عملية التغيير، مع انهم جزء اساسي من عملية تغيير النظام الدولي ما بعد انطفاء الكورونا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زمن الكورونا هو زمن المراجعات
هاني شاكر ( 2020 / 3 / 24 - 13:12 )

زمن الكورونا هو زمن المراجعات
--------------

يكذب ترامب ، يبيع ابوه و امه لكى لا ينهار مؤشر الأسهم الأمريكى ... البلاد مفضوحة بعد ان نهب مصاصى الدماء آخر قطرة فى نظام الطب و الأدوية و المستشفيات

ظهر كذب الرئيس فانهارت البورصة ، لاحظ المواطن الأمريكى ان صاحب شركة امازون يكسب مليون دولار فى الساعة من مص دم و عرق العامل المسحوق الذى يعمل بملاليم لا تكفل له ولا لعياله القوت و المسكن ... دعك عن الرعاية الصحية

سيتقابل عمال آمازون مع صاحب الشركة على الطرف الآخر من معبر كورونا ... و سيفتكوا به كما فعل الليبيون بالقذافى

...


2 - اوافقك الرأي
مهند عبد الحميد ( 2020 / 3 / 24 - 15:40 )
من يتابع تصريحات ترامب حول الكورونا سيجد تنافرا مثيرا، والتنافر دليل انه غير مؤهل لتولى رئيس دولة عظمى، بل غير مؤهل لان يكون رئيس شركة صغيرة. شيء مخزي ، والمصيبة ان الحزب الجمهوري تبناه ودافع . عنه بشراسة. وهذا يؤكد ان ترامب يعبر عن مصالح الاحتكارات الاهم في امريكا ما يهم هؤلاء الربح وليذهب العالم الى الجحيم. للاسف لا يوجد قوة ديمقراطية وتحترم حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية لتقول للسيد ترامب كش ملك . لا الصين ولا روسيا ولا اوروبا .

اخر الافلام

.. المحافظون في إيران ذاهبون إلى انتخابات الرئاسة بمرشح واحد


.. توتر الأجواء بين بايدن وترامب قبل المناظرة الرئاسية | #أميرك




.. هل العالم يقترب من المواجهة النووية؟


.. انتخابات فرنسا.. استطلاعات رأي تمنح أقصى اليمين حظوظا أكبر ف




.. فيديو أخير.. وفاة مؤثرة تونسية خلال تواجدها في صقلية الإيطال