الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الموسيقي في بناء السّلام أوغندا نموذجًا

بوناب كمال

2020 / 3 / 24
الادب والفن


عانى سكّان شمال أوغندا من عنفٍ مفتوح بين حكومة أوغندا ومختلف فصائل التمرّد (أبرزهم جيش الرّب)؛ وخلال الفترة الممتدّة بين 1986 و 2006 اختطف المتمرّدون ما يقارب 60,000 شخص، ناهيك عن حوادث التّشريد والعنف الجنسي والقتل؛ لذلك ليس غريبًا أنْ تُسجّل شمال أوغندا أعلى النّسب العالمية في اضطراب ما بعد الصّدمة (PTSD) بما يقدّر بـ 54% من مجموع السكان.
في خضمّ هذه الصراعات نشأ نوعٌ من الموسيقى منْ طرف فنانين محليين، وتمّ مشاركتها على نطاق واسع بين مختلف القبائل والفصائل، وتراوحت بين الرّثاء والصلاة من أجل التوصل لحلّ سلمي للعنف، وقد لاقت هذه الموسيقى إقبالا من جميع أطراف النزاع، بما في ذلك النازحين والمتمردين والقوات الحكومية؛ وبرز في هذا الصّنف على وجه الخصوص كلٌّ من: جيف كوروندو وَجاهريا أكويرا في منطقة أشولي ، حيث عالجت أغانيهما بشكل مباشر القضايا التي تتصل بالصراع الدائر، وقد وضع الفنّانان الأرضية الأولى لتأسيس ما عُرف بـ الموسيقى من أجل السلام (MfP).
بأسلوبٍ جذّاب، ألّف أكويرا أغنية Dwog paco (عُد إلى البيت) عام 2003، ونظرا لشعبية الأغنية تمّ اعتمادها في برنامج إذاعي يحمل ذات الاسم؛ هدفت الأغنية والبرنامج إلى مناشدة متمردي جيش الرب ،الذين لازالوا في الأدغال، للتخلي عن السلاح والعودة إلى الوطن، وبلهجة ليو (Luo) المحلية يغني أكويرا:
اسمعْ إلى الناس يتوسّلون، جميعهم يدعونك لبدء صفحة جديدة
لا توجد مشكلة، اسمعْ بكاءنا، غيّر قلبك، وعُد إلى المنزل
الجميع يدعوكم ويرحّب بكم، من فضلك لا تتأخّر.
في أغنية أنت ترفضني من أجل لا شيء يُسلّطُ جيف كوروندو الضّوء على الوصْم الاجتماعي الذي لحقَ بعديدٍ من المقاتلين السابقين على الرغم من تبرئة الحكومة لهم من خلال قانون العفو العام لسنة 2000، وقد صدرت الأغنية عام 2008 تزامنًا مع رفض جوزيف كوني (قائد جيش الرب) التوقيع على اتفاق جوبا للسلام؛ يغني كوروندو:
يعود أطفالنا من الأدغال مُحمّلين بمشاكلٍ شتّى
اُنظر ! لقد عادوا بعد معاناة شديدة
شهدوا جرائم قتلٍ مروّعة، وسافروا لمسافات طويلة
إن أكثر ما يؤلم، إجبارهم على القتل ضدّ رغبتهم
لو كنت أنت مكانهم، ماذا ستفعل؟

أشار كوروندو في مقطعه إلى الهوية المزدوجة للمقاتلين العائدين (جاني وضحية في نفس الوقت)، فأغلبية هؤلاء اُختطفوا وهم أطفال، وأُجْبِروا على المشاركة في طقوس إبداءِ الولاء لقادتهم؛ حتمًا سيكون صعبًا عليهم أن يندمجوا مجدّدا في مجتمعاتهم؛ لذلك يتأمل كوروندو بعمق:
شعبي ! أنت ترفضني من أجل لا شيء، أين أذهب؟
ماذا لو كنت أنت؟ ماذا كنت ستفعل؟
نجح كوروندو في توجيه المجتمع إلى التأمّل في الطبيعة العشوائية للصراع، وكيف يمكن للمرء أن يلاقي ، وبسهولة، نفس مصير المُختطَفين.
على الرّغم من الإسهامات العلمية لـ جون بول ليديراخ و ليزا سكيرتش، والاهتمام الناشئ الذي يُوليه علم النفس للعلاج بالفن، على الرغم من ذلك، فإنّ التقاطع بين الفنون ومسار بناء السلام لا يزال غير مُكتشف إلى حدّ بعيد، ما جعل الموسيقى حلقةً مفقودة في مجال حلّ النّزاع؛ لقد فتحتْ جهود فنّانين ،مثل أكويرا وكوروندو، مساحاتٍ لنسجِ حوار بنّاء، وإقامة علاقات رحيمة وأكثر دماثة، كما عزّزت الموسيقى فهمًا أيْسر للاختلافات العرقية والدينية والسياسية التي تُغذّي النزاعات، والأهم هو نجاحها في بناء التعاطف مع "الآخر"؛ من جهة أخرى أظهر الفنانون المحليون قدرة معتبرة على إدارة العلاقات ومدّ الجسور والروابط بين وجهات النظر المتعارضة، فبقدر ما تضامنوا مع المتضررين من العنف (الضحايا) بقدر ما تجنّبوا الإساءة أو فكّ الارتباط مع الجناة المزعومين (سواء كانوا من الحكومة أو الثوار)؛ وإضافة لكونهم شخصيات عامة، فإنّ هذه المكاسب تجعل منهم نماذجَ يُحتذى بها.

بتصرّف عن:
Jolyon Mitchell and others, Peacebuilding and the arts, Palgrave macmillan, 2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد