الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقهى بيكادللي النص والمكان - عن مقهى الدلفين

فاروق سلوم

2020 / 3 / 24
الادب والفن


كانت بغداد مقهى المصادفة الدائمة .
مدينة الوجوه الحضرية الجوّالة ، وهي تحمل سمات التطلّع والبحث عبرمسافات المدينة وشوارعها ومقاهيها .
كانت مقهى بيكاديللي الصغيرة مثل عاشقة تنتظر ، تجلس في منتصف شارع الرشيد كمحطّة مواعيد .
وبالرغم من ان موقعها يقابل ستوديو بابل للتصوير اقدم ستوديوهات المدينة ، مايجعلها في متناول الجميع ، الاّ انها بقيت وحيدة وانطوائية ، تحاول ان تنآى بنفسها وبخصوصيتها عن مقاهي المدينة المعروفة : الحيدرخانة ، الزهاوي ، البلدية ، البرازيلية ، الشابندر وغيرها من المقاهي البغدادية الشهيرة شعبيا وثقافيا ..
كانت بيكاديللي ملاذا صغيرا بعدد طاولاته المحدودة ورائحة القهوة ، و الكرواسان الذي يعدّة الرجل الحميم ( اوانيس ) ندل المقهى وصاحبها الوحيد ، بملامحه الأرمنية وندرة ابتسامته المعبرة عن حنو خاص وعاطفة لاتنمحي .
وكنا في اواسط الستينات ، اصدقاء تجمعنا الكلمة وحلم الدراسة الجامعية ، وتلمّنا بغداد بخصائصها الكوزموبوليتانية قبل ان تحولها السياسة وهجرة العوام التي حملتها الأنقلابات الأشتراكية الى قرية بلهاء دون سمات او معان ..
كانت بيكاديللي مكانا حضريا بكل معنى عميق يمكن ان توفره مدينة لسكانها من حماية وخصوصية ، ولذلك لم تكن لقاءاتنا تخلو من وجوه نساء ورجال وفتيات تجمعهم احلام شتى ونصوص هاربة من دفاتر المجلات الأدبية والصفحات الثقافية : مجلة الكلمة وملحق الجمهورية الأدبي وصفحات ادبية لجرائد صباحية ومسائية تمثل سيرة المدينة وسكانها سياسيا واجتماعيا وثقافيا ..
كانت المقهى دخان سجائرنا وقلقنا ، كلما انبعثت موجة النمط السياسي المُهدِد لكل مبتغى حديث في الأدب والفن والعمارة والحياة ..وكنا نهرب الى لحظة النبيذ ، نغتسل من مخاوف فكرية وطبقية كانت مهددة بالزوال كل يوم منذ منتصف الستينات حيث وضعت حرب حزيران ونهاياتها الفاجعة منطقتنا وبلادنا امام خيارات النكوص السياسي المتواصل حتى يومنا هذا ..
كان النص في المقهى رائحة . هاجسا او . وَهَمْا . وكانت المواعيد العاطفية تؤطرة بعطرالمغامرة في الحوار الثنائي وكانت اللقاءات الأجتماعية المتناغمة تمنحه خصوصية الحضور ..
وقد انقطعت عن المقاهي البغدادية منذ وقت مبكر من السبعينات ، حين اصبحت المقهى هدفا للمخبر السري وكاتب التقارير السياسية الكيدية .. سقط المكان .. وسقط النص .. وسقطت المدينة ..
اليوم في مقهى الدلفينالسويدي : اواجه غجر الهجرات واكتب

Cafee Delfinen
عواصف الله رمتنا
بحارة ً ونبلاء ..
ابناء زنا وقوادين
تجار اوطان قتيلة
ورواد بورصة الفلس الصديء
امتزجنا بهم مثل ابناء عاهرة ماجنه
رماهم الرب لصوصا
ًونساء طيبات
ورجالاً كتومين
عبوسين
وسفلة مجهولين
قتلة ومحترفي طوائف
محترفي وديانات
ولحى موغلة في الطقوس البائرة
هاربين من فضاعات اوطاننا
وجوهنا بسمرة كلاب البحر
وافدين .. من الأقاصي
بقدر رائحة السمك في المرسى
نكسر قدح الرب بخلافاتنا
ونسكر ُ
بفتوى الدعاة
الشرسين..
*
سوَ قـَةٌ وكلاب وحمّالون
من اسواق الشرق الجائر
كذّابون و مشوهون
يجلسون قبالة الشاعر
في مقهى الدلفين السويدي
وجوههم
خلاصة اللحظات العصيبة
لحياتي
يقذفون سجائرهم من النافذة
ويبصقون في كل مكان
يطقطقون بكل شيء كجراد
يأكلون شجرة روحي
يملأون قلبي باليأس من العودة
و حلم التنوير
لولا تلك الفتاة الفنلندية
النادلة (يانينا )
بضحكتها الدائمة
وهي ترسم فضاء الشاعر
في مقهى الدلفين السويدي
وحين قلت لها احب ضحكتك ..
اضاء فمها
بسلك مقوّم الأسنان الفضي
وقالت لماذا
قلت لأنها تذكرني بحبيبتي البغدادية
وهي تضع سلك مقوم الأسنان هناك
لكنها لاتضحك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان المغربي عبد الوهاب الدوكالي يتحدث عن الانتقادات التي


.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية




.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال


.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه




.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو