الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( تطور إِنفعال الحزن البشري و آثاره في التعبير الوجداني )

كمال انمار احمد
كاتب على سبيل النجاة

(Kamal Anmar Ahmed)

2020 / 3 / 25
الطب , والعلوم


لا يمكننا وضع الحياة الانسانية في اشكال معينة من الأنماط الشكلية و اللغوية و القانونية و الاخلاقية.ان هذه الحياة يبدو غاية في الذاتية و الفردانية الذاتية،حيث ان استشعار المعاني الوجدانية،لا يمكن الحديث عنه بالمقارنات او التأثيرات القواعدية الصارمة،انها فقط معاني تدل على شعور فردي معين،و هو قد تم التعبير عنه بواسطة الكلمات الوجدانية التي تمتاز بالرقة و الاناقة اللفظية و الانسياب السلس للنص.علما بان التعبير الوجداني ينطلق كنتيجة لانفعال ما،يتعرض له الانسان،و لكي يعَّبر عن ذاته فقط،و عما يراوده من جملة مشاعر و ما رافقها بعد ذلك من احاسيس لها اتصالات معينة بتلك المشاعر،فانه لابد و ان يصوغ كل ما واجهه بواسطة نص ما،حيث ان الكلمة المكتوبة لها تاثير نفسي و تُمكِّن من البقاء الطويل لآثار ذلك الانفعال في الكيان الانساني،مؤدية بطرق ما الى جعل الحرف يبدو و كانه علاج جيد لتلك الانفعالات العديدة التي يتعرض لها الانسان المبدع.لكن مما نعلمه من علم الاثار و الحفريات ان الانسان لم يكن يكتب ما يجول في وجدانه في تلك الازمنة السحيقة كأول تعبير عن الضغوط الفكرية داخل العقل،بل انه قام قبل ذلك و قبل البدايات اللغوية التي وصلتنا،بإبداع الرسم،و هذا واضح جدا على رسومات بدائية لربما قد تعود الى الانواع الاخرى من الجنس البشري في عصور لا نعرف عنها الشيء الكثير،و ايضا النحت و البناء البدائي،و "الاستخدام التقني للعقل".كل هذه الظواهر الإبداعية البشرية الخالصة كانت و لا زالت مصدر مهم للتخلص من ذلك الفراغ الممل الناتج عن تاثيرات الطبيعة.

و هكذا و بعد ان عرف الانسان خصوصا-و الجنس البشري عموما-،الكيفية التي يمكنه التعبير عن ذاته بواسطتها،عمد و بانتقاء البيئة المحيطة به،و بحكم التطور العصبي له،على ايجاد وسيلة اكثر فاعلية في البقاء الزمني و اشد اثر في الاخرين،الا و هو التعبير الوجداني ،الذي يشمل ما نسميه اليوم بالأدب بشكل عام.و هذا الاكتشاف الإبداعي ،جاء بعد تطورات كبيرة في العقل البشري اولا،و من تطورات البيئة من حولنا،فهذا الاكتشاف يعتمد على اللغة التي يستطيع الانسان بواسطتها التواصل،و لكي يصوغ الانسان بناء لغوي وجداني عليه -و اعتمادا على ظروف ما هيئت له التعبير بشكل مناسب-ان يُوجِد "التشابه العلاقاتي في المعاني اللغوية"اي بمعنى ان يدرك الانسان و من معه في القبيلة،"الأنماط الشكلية للحروف و التراكبية البنائية لها".

ما اريد بيانه من عرض الأفكار اعلاه و الخاصة بالتطور اللغوي،هو ان التعبير الوجداني جاء نتيجة حاجة نفسية ذاتية،بوساطة الانتقاء الطبيعي الذي حصل للجهاز العصبي الانساني.و هذه الحاجة هي ضرورة التخلص من الضغوط الفكرية لانفعال ما،يمر به الانسان بطبيعة حياته المليئة بالتجارب الجديدة و الخبرات المختلفة.و هذا الانفعال يختلف باختلاف الحدث الذي تم تجريبه.و ما يجدر بذكره هو ان هذا التعبير الوجداني لم ياتي فجاة،لكنه سُبِق بالكثير من الوسائل التي تعبر عن الذات الانسانية،وصولا اليه كوسيلة اكثر قابلية في التناغم الاجتماعي المستمر زمنيا.

الحزن كمثال على الانفعال الانساني:

يبدو ان الحزن كانفعال يمثل لمسة حساسة للقدرة الانسانية على التعبير،حيث انه يشعل النفس و يؤجج لهيبها المتمثل بالانفجار اللغوي المناسب عبر الاداة المناسبة.فالسيل الجارف من المفردات اللغوية المدعمة بالكثير من الصور الذهنية و الانفعالات ذات الارتباط بالحزن،يجعل من هذا الانفعال بالنسبة لي على الاقل مفيدا و اكثر جاذبية للتركيز عليه.و الانسان الذي يمتلك حسا شعريا بدرجة معينة،لو افترضنا انه تعرض الى حزن شديد،فاننا سنتوقع بكل حذر ان المفردات اللغوية لهذا الانسان سوف تنهمر كالمطر على الورقة او غيرها من وسائل التعبير الوجداني،و هي تبدو في نصع و إشراق يمكن القول انها لا يمكن ان تبدو في هذه الصورة في انفعال اخر.

انفعال الحزن هذا ياتي عن طريق الكثير من الأسباب،لكن لا محالة ان اي انسان يتعرض له في أوقات ما من حياته الطويلة و الشاقة بالمحافظة على البقاء فكريا و اجتماعيا سوف يحدث في داخله شيء ما يحركه نحو إظهاره بوسيلة معينة و بشكل إبداعي .و لا غبار ان كل انسان بحكم تجربته الشخصية و مقدار حكمته القادمة من وسائل تعليمية او نفسية،يختلف في مقدار ما يبديه من رد فعل على هذا الانفعال الشعوري الملتهب.و لكن يجب ان نتفق على ان هذا الانسان لو كان لديه معرفة لغوية كإن يقرا كثيرا،او يحفظ كثيرا،اوما شابه ذلك،فنتوقع ان يكون عنده داخليا في لحظات الانفعال الحزين قدرة لغوية ولو كانت هذه القدرة محدودة،على التعبير الوجداني،و ما يرافقه من انسياب شامل -محدد ايضا بطبيعة التجربة الذاتية-في التصور و "الإمكانات الناتجة عن الانفعالات الوجدانية"المتمثّلة بالاستعارة و المجاز و الكناية و غيرها.

و ما يلفت نظري شخصيا ان الانسان حين يكتب في هذه اللحظات الانفعالية يرى نفسه في مكان خيالي اخر، فتوجهه الفكري هذا موجه نحو الفكرة التي يكتب عنها،و هو كالغائب عن وعيه،و المنشغل في شيء ذاتي غامض و رائع.هذا الغياب الواعي مؤقت،و يلحظ ان الانسان خلاله لا يقوم باي نشاط اخر،فتركيزه مركزا على المضمون الإبداعي لهذا الغياب.

يشكل الحزن اهمية كبيرة في ايقاد الشعور الانساني المرتبط بالعقل،و هو باعث رئيسي على التعبير الإبداعي بشتى الصور.فحزن الانسان يمكن ان يبرز كنحت خيالي،او كلوحة غريبة،او كنص ثوري بوجه المألوف السعيد و الى اخره من صور الابداع الانساني.

ما يجعل الحزن ظاهرة واضحة في التعبير الوجداني،هو تاثيره الكبير في الانسان.فهو لابد و ان يكون ضد شيء ما ليس صحيحا،او انك لا تتعامل معه بشكل صحيح.الحزن من وجهة نظري التطورية قد نشآ كوسيلة تنبيه وجداني طبيعي.و ليس لشيء او نتيجة ترتبط بمفاهيم خارج الاطار الواضح للتحليل العلمي.

الحزن ليس سيئا كإنفعال طبيعي:

يظن الاخرين و بفعل المإلوفات البديهية،التي لابد و للتعليم ان ياخذها من وجهة نظر نقدية وفق قواعد منهجية واضحة و مرنة و بعيدة عن الصرامة النصية و التكيفات الإعجازية للمعاني،نعم يظن الاخرين ان الحزن أمرا متعب،و قاتل،و فيه شيء من القلق و الكآبة المزرية،و الالم اللامتتهي.هذا يبدو منطقيا الى حدودا،فرؤية المرء حزينا يجعلك تشعر بالحزن ايضا،و بوجوب جعله اكثر فرحا من جانبك.لكن يبدو ان الحزن مصدرا مهما لاجل التغييرات الكبرى في حياك الانسان،او عملية البحث عن المعنى و التي تشكل الحجر الاساس في طرح التجديدات الثورية للحياة و المعاني التي نأخذها منها بواسطة التفكير.

الحزن بهذا المعنى ليس سيئا كانفعال،بل ان إفاداته كثيرة.و لعل اللهب الذي يشعله في النفس لاجل التعبير الوجداني هو احدها.هذا اللهب تحدثنا عنه اعلاه،لكن ما انوه عليه،هو ان اللهب بمفهوم وجداني ذاتي هو ذلك الشيء الذي يستطيع اخراج ما فينا،من قوة و ابداع خلاق و قادر على كسر القيود المألوفة،هذه التي جعلتنا "عبيد تحت وصاية احدهم".

إن الذي يجعل البشر يأخذون بافكار السعادة و السخاء دون غيرها هي راسب غير مقبول لبقايا نظرية الانسان الكامل و الابداع الكامل.هذه النظرية تظهر باشكال عدة و اتخذتها فلسفات معينة و ايدلوجيات محددة في ضرب بعضها البعض الاخر ، وهذا ما يحتم اتخاذ السياسات الصارمة و الاجراءات الشديدة اتجاه هذه الأفكار.

فَلَو اردنا بناء جيل جديد بلا خطوات القوة و العسكرة،لابد اولا ان ننشا نظام تعليمي جذاب،و يناسب الفرد.و الا فالحديث عن اي تجديد فكري عالمي جديد،لا يتم الا باهتمام السياسة،اما التإثيرات الفردية فلا تكاد تؤثر في المأَلوفات الشائعة الموجَّهة،و ذلك بسبب ذلك التطور الهائل في العلوم،و أنظمة البحث فيها،فالعالِم لا يعمل وحده ليجد نتيجة جديدة،بل يعمل مع مجموعة معينة و هذه الاخرى تعمل من مجاميع اخرى لفحص كل تفاصيل النتائج الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رجل أعمال فرنسي يسافر إلى الفضاء لتحقيق حلم الطفولة


.. الصين تتعهد بتحقيق حلم البشرية في السفر إلى الفضاء بأقل التك




.. شغال بالذكاء الصناعي والعربية بتقف لوحدها لو السواق سرح ..عي


.. مجزرة استهدافت مواطنين أثناء تعبئتهم المياه في مخيم جباليا




.. خطة حرب نجوم جديدة.. البنتاغون يندفع لمواجهة التهديدات في ال