الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من اجل عالم أكثر غنى و حرية و انفتاحاً

كاوه محمود

2020 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية




تمر البشرية عشية مواجهتها لخطر فايروس كورونا المتجدد بمرحلة انتقالية حساسة لم تكن بدايتها منذ ظهور الفايروس وانتشاره عالمياً. فمنذ أكثر من عقدين تراكمت ظواهر سياسية و اقتصادية و اجتماعية عديدة بشكل كمي على الصعيد العالمي كانت دائماً محط صراع بين قوى مهيمنة دوليا بالتعاون مع قوى سياسية على الصعيد الداخلي لمجموعة من الدول تعمل لتوجيه البشرية الى سياسات الانكفاء والحمائية وصراع الحضارات، والابتعاد عن المسؤولية المشتركة والقضايا الرئيسية التي تهم البشرية كمواجهة الفقر والتلوث والحفاظ على البيئة و معالجة الهجرة، وبين قوى دولية ووطنية تؤكد على المسؤولية المشتركة عالمياً في مواجهة المخاطر و التحديات لتحقيق التنمية المشتركة. ويأتي توجه الحزب الشيوعي الصيني و المساهمات النظرية والعملية للرئيس شي جين بينغ حول بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، والـتأكيد على الفوز المشترك، و بناء طريق الحرير، والتأكيد على الحوكمة الدولية في كافة المجالات، ضمن المساعي والجهود التي تهدف الى حل التناقضات الأساسية على الصعيد الدولي، و ما يتعلق بالصعيد الداخلي لمواجهة التناقضات الجديدة و مواجهة التحديات التي تواجه التنمية.
ساهم ظهور الفايروس الجانح على البشرية في تعرية تلك القوى المناهضة للمسؤولية العالمية المشتركة و بدأت التناقضات الموجودة في العالم تظهر أمام الرأي العام العالمي بشكل فاقع. وبدا العالم يتساءل عن سبب عجز بعض الحكومات التي كانت تعتبر بلدانها مركزا للحضارة العالمية في مواجهة المخاطر وعدم تحركها في تقديم المساعدات، و توجهها للانكفاء على الذات و الانعزال و عدم الجدية في اتخاذ الإجراءات الصحية الوقائية الضرورية واتخاذ طريق التعامل مع المخاطر و الكوارث وفق آليات السوق المنفلتة بعيدا عن تخصيص الموارد المالية الضرورية لمواجهة المخاطر المحدقة.
تدعو اللوحة الجديدة للتناقضات الموجودة على البحث الجدي في تحديد معالمها و تجلياتها ضمن مسار جديد و مرحلة جديدة غير منفصلة عن سابقتها من حيث العوامل المؤثرة عليها من أجل رسم المعالم الأساسية للصراع الدائر و المهام الملقاة على كافة القوى التي يهمها المجتمع الرغيد و الفوز المشترك و المصير المشترك للبشرية.
تشير اللوحة الجديدة بأن القوى اليمينية و المحافظة التي تهرب من المسؤولية المشتركة وتربط مصير البشرية بآليات الليبرالية الجديدة و اقتصاد السوق المنفلت و الاكتفاء بمفهوم الدولة الحارسة وحصر مفهوم الأمن بالجانب العسكري فقط بعيدا عن الأمن الصحي و الحوكمة الدولية في كافة المجالات، لا تزال تستخدم الحجج البالية و المنطق المشوش لخلق وعي اجتماعي زائف مبني على عاملين أساسيين. الأول خطاب الكراهية والذي بدا واضحا من التوجهات الإعلامية لهذه القوى وهدفها لصياغة توجه عالمي للانعزال عن الصين التي كانت أول ضحية للفايروس الجانح، وصولاً إلى استخدام ترامب تعبير الفايروس الصيني بدلاً من فايروس كورونا، والأمنية بحدوث كارثة إنسانية كبيرة في الصين و انتهاء النظام الصحي فيها، و تراجعها في مجال النمو الاقتصادي. والتوجه نحو عزلها عن المحيط الدولي. وانعكس خطاب الكراهية في توظيف خطابات دينية وخاصة في الشرق الأوسط وتوجيه المجموعات السياسية الدينية للفئات الدينية بنعوت الكراهية ضد الشعب الصيني.
ويأتي الخطاب الشعبوي كعامل ثان متمم لخطاب الكراهية عبر نشر الأخبار الكاذبة المبنية على نظرية المؤامرة و مسؤولية الحكومة الصينية في نشر الوباء.
و لم تتخلى القوى اليمينية عن أسلحتها الأيديولوجية القديمة في نشر المخاوف حول تدخل الدولة و القيام بمسؤولياتها في الحفاظ على الصحة العامة عبر الحديث عن وجهة تدخل الدولة و فرض الإجراءات الاستثنائية والتي تعني العودة إلى نموذج الدولة الشمولية مما يشكل خطرا على حقوق الإنسان.
ويبدو ان التعامل الدولي المختلف مع الوباء منذ ظهوره، أبرز للعالم تناقضات جدية كانت موجودة قبل بداية عام 2020، غير أن تداعيات التعامل و تشخيص الحالات و الظواهر ودراستها لا تزال عملية في قيد الصيرورة وهي تترافق مع سعي البشرية لمواجهة الوباء و سوف تُثار تساؤلات عديدة لما بعد السيطرة عليه و التخلص من مخاوفه.
وارى أن على كافة الأحزاب اليسارية و التقدمية والمجاميع التي تأخذ بنظر الاعتبار المصير المشترك للبشرية المساهمة أولاً ضمن حدودها الوطنية في ابتكار الوسائل البناءة للحد من المخاطر وتقليل الخسائر بالاستفادة من النجاحات التي حققتها التجربة الصينية في التعامل مع الوباء، و تبادل الخبر والتجارب الناجحة، و العمل من أجل دراسة التداعيات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية على الصعيد الوطني و ما يتعلق بالمسؤولية الدولية وإمكانية تحقيقها.
إن بلورة ما يمكن أن يكون عليه الوضع الجديد يتطلب الإشارة إلى النقاط التالية بغية المشاركة الجادة فيها و استمرار البحث بشأنها:
ـــ إن التناقضات الحالية تعبير عن عمق أزمة النظام الرأسمالي الحالي وأزماتها الدورية، والتساؤل الكبير هو حول إشكالية الحداثة الرأسمالية و العدمية المرافقة لوجهة ما بعد الحداثة. إن الوضع الحالي ليس نهاية التاريخ، كما ان الرأسمالية بنمطها الليبرالي الجديد لا تستطيع تجديد نفسها، و يتطلب الأمر الجهد النظري و العملي لصياغة مفهوم جديد للحداثة لا يتقاطع مع انجازاتها، ولكن تعالج اشكالياتها وفق حداثة اشتراكية مبنية على التجديد المستمر في طرائق العمل من أجل العيش الرغيد و الفوز المشترك و المصير المشترك للبشرية وايجاد الاجابة المقتعة والعملية حول الاسئلة الملحة التي تطرحها الحياة و خاصة ما يتعلق بالحفاظ على البيئة و معالجة مشكلة الفقر و الهجرة.
ـــ هناك تساؤل كبير حول جدوى النظام العالمي الحالي والأجهزة الدولية الموجودة في الوقت الحاضر. لقد حدث خلل كبير في التوازن الدولي. إن هذا الخلل موجود قبل انتشار الوباء ولكن ما جرى ساهم في توضيح الخلل و عدم التوازن، و الحديث عن فشل نظام القطبية الواحدة (أمريكا ــ أوروبا) في قيادة العالم والذي لا يزال مبنيا على أساس المركزانية الأوروبية. إن ما يتطلبه العالم هو بناء نظام عالمي جديد و نماذج أكثر أمنا و ضماناً للتعاون المشترك.
ـــ خلقت الحالة الجديدة الناتجة عن موقف عدم المبالاة تجاه ما حصل في ايطاليا وعدم تقديم المساعدات من الاتحاد الأوروبي لها، و خروج بريطانيا من الاتحاد من قبل، ومواقف الاتحاد الاوروبي السابقة حول الصراعات الجارية في الشرق الأوسط، التساؤل حول مصير الاتحاد الأوروبي أو فعاليته العملية.
ــ توقع أزمة اقتصادية أكثر خطورة من الأزمة المالية 2008 ، نتيجة ضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد العالمي، بسبب ضعف هيكل القوى العالمية للاقتصاد، ووقف عمليات التصنيع العالمي و التجارة العالمية من جهة، و انخفاض سعر النفط من الجهة الأخرى. وسوف تؤثر هذه الأزمة الاقتصادية بشكل كبير على الطبقة العاملة وسائر الكادحين و الفئات المهمشة تحديدا، و خاصة في البلدان النامية. ومن المتوقع حدوث حملة جديدة من الفعاليات الاحتجاجية للفئات المهمشة بعد انقشاع غيمة الخطر الفايروسي.
ـــ ازدياد الصراع الدائر بين القوى الداعية إلى عولمة مبنية على أساس المصير المشترك للبشرية و تحقيق المجتمع الرغيد من خلال الفوز المشترك، و التمسك بالحوكمة الدولية في كافة المجالات بما في ذلك حوكمة الصحة العالمية، وخاصة بعد فشل السياسات الصحية في دول الاتحاد الأوروبي بسبب إخضاعها لآليات اقتصاد السوق المنفلت، وبين القوى التي تدعو إلى الحمائية و الانعزال و الانكفاء و الاكتفاء الذاتي والنأي عن المناقشة أو المساهمة في القضايا ذات الطابع الدولي كقضية الهجرة، و الحفاظ على البيئة، و المسؤولية الدولية عن الصحة البشرية.
ــ أهمية التنمية المستدامة على صعيد الدولة الوطنية التي يجب أن تتخلى عن دور الدولة الحارسة، و تتدخل في التنمية وتقوم بوظائفها الاقتصادية والاجتماعية عبر توفير فرص العمل و الاستثمار و مناهضة الفقر، وتضمن شكلا من أشكال الضمان الاجتماعي العام في مواجهة الكوارث والأوبئة، بما في ذلك أهمية التنمية في مجال الصحة العامة. وتخلق هذه الحالة تحديا كبيرا للدول الفاشلة وخاصة دول الشرق الأوسط التي تشهد إشكالية في بنية الدولة، ومنها العراق التي تعتمد على الاقتصاد ألريعي في وقت يشهد سعر النفط هبوطاً حاداً.
ختاما... اننا نشهد مرحلة جديدة من التناقضات و الصراعات على المستويين الوطني و الدولي، ولا تزال التراكمات الكمية التي اشرنا إليها لم تتحول إلى تحولات نوعية. غير إننا نستطيع فعل ذلك عبر النضال الوطني والأممي لتفعيل قوة الروح الإنسانية و نجاحها في مواجهة الخطر، و النضال من أجل عالم أكثر غنى و أكثر حرية وأكثر انفتاحاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك