الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فجر جديد للأناركية

مصطفى أبومسلم

2020 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


الأناركية كلمة لها سمعة سيئة في الوعي الجمعي لحكومات العالم والذين يفضلون الاستعباد و الرضوخ مهما كان تقدمهم أو ادعائهم للتقدم ومراعاة حقوق الإنسان التي يستخدمونها كعصا لتأديب حكومات الدول النامية، إلا أننا كلما نقترب منها نجدها غير ذلك؛ فهي حركة ثورية ضد الرؤية الغربية للإنسان، وأن الخطيئة غالبة على تكوين الإنسان، إلا أن الأناركية تقوم على خيرية الإنسان بوصفها أصلًا تتشكل منها كل التصورات، فالأناركية هي حركة مضادة للدولة الحديثة والاقتصاد الرأسمالي، اللذين يراهما الغرب وأذنابه أفضل وأسمى صور التنظيم الاجتماعي والسياسي، فالأناركيون يرون أن العلمانيه الغربية ما هي إلا خدعة كبيرة، فهم يرون أنها غيرت الإله ونقلته من الكنيسه إلى الدولة، ومن ثم إلى السوق.
ولا يعني الأناركيون بفكرة "مجتمع بلا رؤساء"، انه مجتمع يتكون من نمط واحد لأفراد متماثلين في كل شيء، فهذه المدرسة الثورية على اختلاف جماعاتها، تشترك في إعلاء قيمة الحرية الفردية، وكراهية الايديولوجيا، وتعلو بمرتبة الحرية الشخصية. بل إن هناك من يصل بقدسية الحرية الشخصية الى حدها الاقصى – فريق "الفردويين – individualists"، ومنهم حتى من يرفض التكنولوجيا الحديثة بما تمليه على البشر من اعتمادية وما تفرضه من تقسيم للعمل وبناء هياكل هيراريكية لتسيير المجتمع، وبالتالي التنازل عن حريتهم الشخصية مقابل ما يقدمه لهم هذا التطور التكنولوجي من تسهيلات في المعيشة اليومية (البدائيون primitivists).
الأناركية لا تعني غياب المؤسسات، بل تعني غياب تلك المؤسسات التي تجبر الناس على الخضوع لها بالترويض وإن لم يفلح ذلك فالعنف حل وارد، فبغير ذلك لا يبدو أنه يمكن أو يجب أن تنتظم المجتمعات التي تحوي مخلوقات قد حباها الله العقل.

وهي إن جاز القول، شكل من أشكال الحكومة أو الدستور، تتقلص على إثرها السلطة ومؤسسات الشرطة وأدوات القمع والبيروقراطية والضرائب، وغيرها، إلى حجمها الطبيعي وذلك لاختفاء أنماط الملكية والمركزية المتطرفة بعد استبدالها بالمؤسسات الفيدرالية والتقاليد الكوميونية، جلي إذن أن اختفاء القيود يعني ولوجنا عصر الحرية الكاملة، أو الأناركية، وحينها سيتحقق القانون الاجتماعي بذاته، بلا رقابة ولا قيادة، وإنما من خلال العفوية الشاملة.

وقد فرضت أزمة كورونا واقعا جديدا، يتجلى في انهيار تام ليس لمؤسسات فقط بل لدول لن تتحمل هذا القاتل الخفي الذي يتفشى بسرعة البرق، حتى أقوى الأنظمة الصحية في العالم لم تعد تتحمل هذا الوباء، فمابالكم بالدول ذات الانظمة الصحية المتواضعة أو المنعدمة، ويذكرني ذلك بالأفغان في التسعينات عندا كانوا يرون أن أمريكا كيان لايقهر وأن الجندي الأمريكي أسطورة لايمكن الإقتراب منه، حتى ظهر الجهادي الأول ومؤسس تنظيم القاعدة عبدالله عزام وقيامه بعمليات متعددة على القوات الأمريكية هناك، فبدأت تسقط الصورة الذهنية التي رسختها أفلام هوليوود شيئا فشيئا عن المقاتل الأسطورة حتى تلاشت تماما.

أزمة كورونا أيضا كانت كافية للوصول لتلك النتيجة،

ومع رفع بعض البلديات في إيطاليا علم الصين كتعبير عن الإمتنان لمساعدتها، فلم يساندهم أحد، لا ألمانيا ولا فرنسا ولو حتى بالادوات الطبية أو الكوادر المؤهلة، الجميع أدار ظهره للجميع، إلى جانب سرقة التشيك لكمامات وأجهزة تنفس صناعي كانت في طريقها للإيطاليين وهم في أمس الحاجة إليها، واستيلاء المانيا على شحنة كمامات مرسلة من سويسرا إلى النمسا، ومحاولة فرنسا للاستيلاء على شحنات كمامات ومعقمات مرسلة إلى بريطانيا وفشلها وانكفاء كل الدول الأوروبية على نفسها، انتهت بذلك فكرة "الإتحاد الأوروبي" ككيان مترهل ومنهك إقتصاديا، لا تجمعه أهداف أو رؤى مشتركة، لاشيء سوى الجغرافيا وتفككه كان مسألة وقت، وانتهت أيضا فكرة أمريكا كقوة عظمى في العالم مسيطرة، دولة يحكمها شخص يعطي دروسا للبشرية عن كيفية جعل "قرد" يحكم العالم، وكأننا نعيش أحداث فيلم كوكب القردة "Planet of the Apes" بشكل ما. نهاية حقبة انتصار امريكا والاتحاد السوفيتي السابق في الحرب العالمية 2 في 1945، السوفييت انتهوا في 1990، الآن ستنتهي امريكا كقوى عظمى على يد ترامب.

في اعتقادي أن العالم الذي نعرفه انتهى بلا عودة ..

هناك عالم جديد يتشكل الآن!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج