الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات ( 215) الاستخبارات والاضطرابات

بشير الوندي

2020 / 3 / 28
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات ( 215)

الاستخبارات والاضطرابات

بشير الوندي
-----------
مدخل
-----------
في كل مجالات الحياة هنالك الحقيقي والمزيف , هناك تجارة شرعية واخرى غير شرعيه , ادوية قانونية صالحة واخرى فاسدة غير صالحة , اموال شرعية وغسيل اموال , وغيرها كثير , وكذلك الامر مع التظاهرات , فهناك تظاهرات سلمية وطنية واخرى مدسوسة ومخترقة , هنا لابد من عين تميز بين الحقيقي والمزيف , وهي عين الاستخبارات التي من صلب واجبها حماية الشعب والمتظاهرين من الجواسيس والمحرضين والمجرمين وارباب السوابق ومن استخبارات الدول , وحتى بعض المنتفعين من الاحزاب الحاكمة.
--------------------------------------------
مثلث الشعب السلطة الاستخبارات
--------------------------------------------
الجهاز الاستخباري جهاز وطني مهمته درء مخاطر العدو ومنع اسقاط النظام , وفي مفهوم العلاقة بين , الجهاز الاستخباري والسلطة من جهة , والجهاز الاستخباري والشعب من جهة اخرى , فان الجهاز الاستخباري المحترف ليس مطية للسلطة , لكن مهمته في نفس الوقت هو الحفاظ عليها وعلى الدولة .
وحين ترتبك العلاقة بين الحاكم والمحكوم , سواء بسبب الفساد او الاستئثار او اي سبب آخر , فحينها يحصل الاحتقان في الشارع , وتُفتح ثغرة تنفذ منها مختلف الاجندات الداخلية والخارجية , فيكون موقف الاستخبارات اطلاق الكشافات وتكبير الصورة لقياس مديات مايحصل.
ان مايؤمن به الجهاز الاستخباري هو ان لكل بلد اعداء سواء تقليديون او جدد , وحين يضع الجهاز الاستخباري نفسه مكانهم , فمن الطبيعي ان يفكر في دعم اي جهد لحدوث البلبلة في بلد العدو , ومن ثم فان الاجهزة الاستخبارية ترى دوماً ان هنالك اطراف تستغل الاحتقان في البلاد , وتدفع الى الاضطرابات واسقاط الدولة , وهو امر لاينفي المطالب الحقيقية للمتظاهر , الا ان تجييرها لخدمة اهداف خارجية او حزبية داخلية يعني التآمر , وكشف التآمر منوط بالجهاز الاستخباري .
-------------
مؤشرات
--------------
ان اية اضطرابات هي مكان مهم لتواجد استخبارات الدول العدوه ودول الجوار , والجميع يسعى لاستثمار الازمة لصالحه , ويظهر ذلك جلياً من خلال عدة مؤشرات عامة تبرز مع بداية الاضطرابات في اي بلد :
1- التصعيد المستمر والمتواتر : بحيث ان اي هدوء نسبي يحصل , يجري تأجيجه سريعاً بسبب حوادث عارضة , او اغتيال ناشط , وهو مؤشر استخباري على وجود ايادٍ تعبث من وراء ستار وتسعى للتآمر والتأجيج.
2- التمويل : التظاهرات المطلبية المشروعة والتي ترفع شعارات مكافحة الفساد يكون مادتها هم الفقراء والعاطلون عن العمل والطلبة والعمال , ومعظم هؤلاء لايمتلكون اكثر من قوت يومهم , فحين ترصد الاجهزة الاستخبارية الامدادات المالية , وازدياد اموال الحوالات في مكاتب الصرافة , وحين تنهال اللوجستيات على المتظاهرين , فهذا مؤشر على ان هنالك ممولون , يصرفون على مواقع ثابتة (لأشهر عديدة) من طعام , وملابس واغطية , وفعاليات , ونشرات , عدا عن الجيوش الالكترونية الداعمة , و كل تلك هي مؤشرات استخبارية تستدعي التدقيق , لذا ترى ان الجهات الممولة للاضطرابات والتظاهرات (المدعومة وليست التظاهرات المطلبية الحقة) تكثف صور تبرعات اهل الخير , والناقلين المتطوعين , والمتبرعين , لإيصال رسالة تبرر التمويلات .
3- المطالب المستحيلة والرفض لأية مبادرات : من المؤشرات الاستخبارية التي تقف عندها الاجهزة الاستخبارية هي , الشعارات الفضفاضة والمطالب الضبابية والرفض لأية مبادرة , واطلاق شعارات غير منطقية كإسقاط النظام , وهنا تصبح الاضطرابات ليست بمطالب مشروعة وانما برفع شعار يشترك فيه المتواجدون في الشارع مع العدو الذي يهدف هو ايضاً لإسقاط النظام .
4- التشكيلات المشبوهة : من المؤشرات الاستخبارية التي لاتخطؤها عيون الاستخبارات هي التشكيلات التي تتخذ صيغاً عسكرية والمنتظمة بواجبات محددة كفوج مكافحة الدوام , وتشكيل للهجوم والحرق , وآخر لقطع الطرق , وجهات لصنع المولوتوف , وغيرها .
5- التزامن : في كثير من الاحيان يعلن ناشطون عن مواعيد لفعاليات وشعارات او بث مواضيع او اشاعات في وقت واحد بشكل متزامن , وتشاركهم فيه في نفس التوقيت قنوات اخبارية , معروفة للاجهزة الاستخبارية بإرتباطاتها , وهو مؤشر تتنبه له الاستخبارات.
كما ان هنالك الكثير من المؤشرات التي تخص بلد دون آخر , الا اننا نوهنا فقط الى المؤشرات العامة , ففي مظاهرات العراق الاخيرة تكون المؤشرات الاستخبارية كما يلي :
1- اصرار على تسقيط قيم الدين وشتم رموزه بشكل مركز .
2- توجيه التظاهرات ضد بلد دون آخر بشكل مركز , مع تخويف المواطن من اي مسعى لطرد القواعد الامريكية , وهو امر يثير السخرية لتظاهرات تدعي انها مطلبية .
3- تظاهرات العراق غريبة في تقسيماتها المذهبية والمناطقية , فهي مختصة بمكون دون آخر بينما كانت ادوات التحريض والقنوات الاعلامية مملوكة لجهات داعمة لكتل من محافظات لم تشترك في التظاهرات , عدا عن الكثير من زعامات الجيوش الالكترونية وناشطون مرتبطون بحزب البعث ومن مناطق لم تشترك هي الاخرى في التظاهرات , وهو مؤشر استخباري يظهر تناقضات خطيرة تؤكد وجود اياد تعبث في نسيج الشارع العراقي .
4- يجري استهداف منصب رئيس, وهي وسيلة مخابراتية ترسل رسالة ان السياسي الشيعي هو الفاسد (او لنقل الفاسد الوحيد ) وباقي الساسة واحزابهم من باقي المكونات غير فاسدون وهذا الوزراء فيما لايتم استهداف رئيس مجلس النواب او رئيس الجمهورية رغم معرفة الجميع انهم يعينون بسلة واحدة محاصصية .
5- كانت تجمعات ضخمة في التحرير وتزامن الامر مع مقتل البغدادي ولابد لداعش ان تنتقم بعمليات في مدن رخوة كالمدن العراقية والتظاهرات كانت بزخم قوي والدولة مضطربة , ومع ذلك لم يحصل اي هجوم ارهابي على المتظاهرين .
6- تزامنت التظاهرات في لبنان والعراق , وكلاهما لم يحضرا مؤتمر البحرين الخاص بصفقة القرن .
ويلاحظ القاريء الكريم ان الجهاز الاستخباري المحترف , لابد ان يتعامل مع الاضطرابات كمؤشرات تحتاج الى ان يلج الى لب المشكلة من اولى بوادرها , يوماً بيوم , وساعة بساعة .
--------------------------
تقديرات استخبارية
---------------------------
ان الجهاز الاستخباري الناجح لابد ان تكون له قرون استشعار قبل حدوث الاضطراب , فالاضطرابات تبدأ بمخططات واجتماعات وتهيئة جماهيرية وتصعيد ولوجستيات ورسم سيناريوهات , فان كان الجهاز الاستخباري نائماً عن كل ذلك فهو جهاز فاشل.
فحين تظهر البوادر الملفتة والمؤشرات , يفترض ان تعمل الحكومات خلية ازمة يكون للاستخبارات العمل المحوري فيها لكشف خيوط مايحصل , فيجب ان يقوم الجهاز الاستخباري بالتركيز على:
1- حجم الاستياء العام : تحدد الاستخبارات مستوى التذمر والاستياء واين وصل, كم هي نسبة المتظاهرين , وماذا تشكل .
2-التنظيم : هل هو منسجم ام عشوائي ؟ كل الشعب ام فئة وفصيل معين ؟ لماذا الشعب في بعض المناطق غير متذمر ؟ والتذمر محدد جغرافياً في منطقة دون اخرى ؟ هل العمليه شعبوية ام اذرع خارجية او جهات داخلية او صراع احزاب ؟
3-الفكرة الثورية او الانقلابية : وهنا تتابع الاستخبارات نوع المطالب والتصعيد وهل هو اصلاحي ام لاسقاط النظام , وهل كل النظام ام جهة دون اخرى.
4- القيادة .الزعامات والممولين : لابد للجهاز الاستخباري من معرفة زعماء التظاهر والتيقن من عدم ارتباطهم او تمويلهم .
-----------------------------------
الاستخبارات عامل للتهدئة
------------------------------------
بالطبع , فان الاجهزة الاستخبارية لاتتعامى عن سلبيات السلطة التي تؤدي الى تدهور الاوضاع في الشارع كأزمة الكفاءة وعدم انسجام الفرقاء السياسيين او استشراء الفساد , بل بالعكس من ذلك , فهي تحذر من تبعات القرارات الحكومية وتمنع عنف السلطة التي تتسبب بالنقمة الشعبية , وفي ذات الوقت هي تعمل على تنقية سوح التظاهر من المندسين والعملاء واجهزة المخابرات والاعلام المأجور المؤجج , كي تصبح ساحة التظاهر نقية ومتوازنة في طلباتها ومنسجمة ومنطقية من جهة , وفي ذات الوقت تشجع السلطات على الحوار مع الشارع , وهنا يصبح العمل الاستخباري عامل ردع للمخربين وعامل تنقية وتقارب بين الشعب والسلطة.
------------------------
تقصير استخباري
------------------------
بيّنا فيما سبق الدور المحوري الذي تلعبه الاجهزة الاستخبارية في كشف المخربين والمندسين وفق قواعد العمل الاستخباري , ولكن رغم مانسمعه من ان كثير من عناصر الاستخبارات اخترقت الساحات , لكن الحكومة بقيت عمياء , فلا تصوير , او تسجيل , ةلانعرف من حقق مع زعامات عصابات مايسمى بافواج مكافحة الدوام او تابع من ظهرت صورهم بالمولوتوف , او من اعلنوا نيتهم اسقاط النظام – وهي كلها جرائم – فاين التحقيقات واين نتائجها واين الاعترافات واين تمت متابعة التمويلات ؟؟ واين المتابعة الاستخبارية لرماة المولوتوف , كيف لم نسمع عن التحقيق مع قطاع الطرق لمعرفة مموليهم ومن ورائهم , كم مرة سمعنا عن ان الجهاز الاستخباري حقق مع مدون يهيج الشباب والصبية على ضرب القوات الامنية ؟؟ بصراحة وبكل وضوح لاشيء من ذلك على الاطلاق , وليس لقائل ان يقول انهم يعملون بالسر , لأن البلاد كانت تحترق , ولو كانت هنالك جهود استخبارية فيجب ان تعرض الاترافات على الرأي العام عبر شاشات التلفزيون , اما ان لاترى اية نتائج الى الان فهذا يطرح استفهامات عميقة للغاية !!!!!.
ان ٩٥ ٪ من المتظاهرين , هم اشخاص وطنيون خرجوا لتحقيق مطالب وطنية , لكن اين الموسسة الامنية وعيون الاستخبارات من ال ٥٪ المكلفة باعمال عنف وشغب وايذاء الناس وتأجيج الفوضى والاضطرابات ؟ , بل ان الصمت والاكتفاء بالحلول الامنية – والتي كانت تقف احياناً موقف العاجز هي الاخرى – قد افقد المواطن ثقته بالاجهزة الامنية التي يراها قد تخاذلت في حمايته من العصابات .
ان مهمة الاستخبارات لايجب ان تكون قمعية وضد كفالة حرية التعبير والاصلاح , وانما تنحصر مهمتها في البحث عن المحرضين على العنف والمرتبطين بأي تمويل اجنبي وان لاتنجر في نفس الوقت وراء تشويه المتظاهرين .
ان من واجب الاستخبارات حماية الناس ليس فقط من الارهاب وانما من الاذرع الاجنبية والخونة والجواسيس والمندسين , ووفق هذه الشكوك , كان لابد من ان تستلم الاجهزة الاستخبارية ملف التظاهرات كاملاً منذ اليوم الاول , فالحل العنيف خطأ كبير لاسيما وانك تتعامل مع شعبك , لكن الحل الناعم من خلال الاستخبارات يجعل المندس في خطر ولا يستطيع ان يخفي نفسه بين الناس , فهنالك اسماء معروفة كان لابد من التحقيق معها شريطة مراقبتها مسبقاً بكل الطرق الفنية والتيقن من نزاهتها .
-----------
خلاصة
-----------
كان لابد ان تعمل الاجهزة الاستخبارية وفق اختصاصاتها , فالاستخبارات الجنائية تقوم بالبحث عن الجريمة وعناصرها في التظاهرات , والاستخبارات الخارجية تبحث عن الاذرع الخارجية , والاستخبارات الفنية ترصد الجهد الفني , والذراع العلني يرصد النشاط في شبكات التواصل , وحينها تستطيع الاجهزة الامنية ان تقوم بواجبها , من اجل تنقية اجواء التظاهر وحماية المتظاهرين ممن يشوهون صورتهم , وتسهيل تحركهم المطلبي والاصلاحي , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو