الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب في زمن الكورونا

جعفر المظفر

2020 / 3 / 28
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


أثناء زيارتي لبرلين الشرقية في بداية السبعينات حرصت أن أرى الجدار الذي يفصل ما بين شرق برلين عن غربها. الحجارة هي نفس الحجارة قد تبني بها بيتا لتجمع شمل عائلة أو تبني بها جدارا لفصل شعوب بأكملها عن بعضها البعض.
قصَّ علي مرافقي, طالب عراقي كان قد قضى أكثر من ربع قرن ولا يزال في السنة النهائية من كلية (المادري شنو). طلب منه أبوه أن يؤكد له أنه تخرج فعلا فأرسل له قائمة المأكولات لأحد المطاعم وقد ترجمها بنفسه إلى العربية : مقابل شيش كباب كتب فيزياء ومقابل دجاج كتب كيمياء.
حكمته أن يظل في ألمانيا إلى آخر العمر. . بار في إحدى الدرابين وليلة مع شقراء ألمانية لن تعوض عنها وظيفة مدير عام في إحدى الدوائر العراقية. بطبيعة الحال أنا أتحدث عن بداية عقد السبعينات من القرن الماضي حينما كان راتب المدير العام يتحدد وفق سلم الرواتب كباقي موظفي الدولة التي تعاقبهم بأشد العقوبات إذا إختلسوا فلسا واحدا.
حكى لي مرافقي عن المآسي التي تبعت بناء الجدار. إحداها كانت عن قصة الرجل الذي ذهبت زوجته لزيارة بيت إبنه وأحفادها في الشارع المقابل. حينما أفاقا في الصباح وجدا نفسيهما معزولين عن بعض, الزوج في الشرقية والزوجة في الغربية. ظلا بعدها عمرا يطلعان إلى سطحي البيتين المعزولين حتى يؤشرا لبعض بعد أن إتقنا لغة الخرسان.
بعد سنوات خرج الزوج إلى السطح كالعادة إلا أن زوجته لم تطل عليه. في صباح اليوم التالي أطل عليه إبنه بدلا من زوجته, وبحركة أو حركتين من يده فهم أنه كان عاد توا من المقبرة بعد أن إنتهى من دفن الأم.
على بعد عشرة دقائق في السيارة يعيش إبني مع زوجته وإبنتيه التوأم اللتين لم تتجاوزا الثلاثة سنوات, وعلى بعد ربع ساعة تعيش إبنتي الكبرى مع حفيد وحفيدة وعلى بعد نصف ساعة تعيش إبنتي الصغرى مع الحفيدة الخامسة وكنا تعودنا يوميا أو بين يوم وآخر أن نشبعهن إحتضانا إلى حد الإختناق.
منذ ثلاثة أسابيع أفقت ذات صباح لأرى جدارا عاليا سميكا يفصل ما بين وبين أحفادي. هذا الجدار أنجزته حجارة من نوع خاص أسموها (كورونا) حتى كأنها حجارة من سجيل.
أجبرتني التعليمات, لكوني (شايب) تعدى عمره الثلاثة أرباع قرن بسنتين أن ألزم داري وأن أحترم قانون التباعد الاجتماعي. ولدي أشفق علي قبل أسبوع حينما جاء بالتوأم, لكنه وتمشيا مع قانون التباعد الاجتماعي إشترط علي أن أراهما عن بعد ومن خلف الباب الزجاجي. لأنه يعرفني جيدا, ما إن أراهما حتى تنتابني نوبة العناق ولا تهدأ النوبة إلا بعد أشبعهما إحتضانا وتقبيلا ... وعض.
حينما أخذتهم السيارة بعيدا تذكرت تلك (الجدة) الألمانية التي لم تصعد إلى السطح لكي تلقي على زوجها تحية الوداع الأخير.
نحن جميعا مع حاجز كورونا سنظل نترقب طلعة غورباتشوف المنتظر الذي سيعلن علينا إكتشافه اللقاح الشافي
وحتى ذلك الحين سأموت من رغبتي الجامحة : أن أحضن أحفادي, أن أشمهم وأقبلهم وأسمعهم وهم يتأتون الكلمات فأشاركهم التأتة حتى كأني صرت مثلهم طفلا في السابعة والسبعين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات