الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استفتاء عباس في الميزان

عامر راشد

2006 / 6 / 10
القضية الفلسطينية


قرار رئيس السلطة الفلسطينية باستفتاء أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وغزة على القضايا المختلف عليها داخل الصف الفلسطيني يحمل العديد من الدلالات والمؤشرات، أولها أن فصل الديمقراطية الفلسطينية الذي تجلى في الانتخابات التشريعية، التي انعقدت في الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2006، قد وصل باكراً إلى طريق مسدود، وبأن بعض التنظيرات التي راهنت على إمكانية قيام "مُساكنة" بين مؤسستي الرئاسة والحكومة في السلطة الفلسطينية لم تكن تستند إلى تقديرات واقعية، تنطلق من قراءة موضوعية لشدة تناقض برنامجي مؤسستي الرئاسة وحكومة السلطة، بما هو انعكاس لتناقض برنامجي فتح ـ السلطة وحركة حماس. والمؤشر الثاني هو أن مؤسسة الرئاسة أخطأت في تقدير حجم وتأثير الضغوط الدولية التي ستمارس عليها بعد صعود حماس ووصولها إلى الأغلبية في المجلس التشريعي وتشكيلها لأول حكومة غير فتحاوية، والمؤشر الثالث فشل مراهنة رئاسة السلطة في استغلال صعود حماس من أجل تحسين مواقفها بانتزاع تأييد دولي يضغط على تل أبيب وواشنطن، لتقديم تنازلات تعزز مواقع تيار رئاسة السلطة، الذي يقدم نفسه كتيار واقعي ومعتدل، ملتزم بخطة خارطة الطريق الدولية، وبمتابعة المسيرة الأوسلوية. والمؤشر الرابع هو أن نتائج الانتخابات التشريعية قد أدت عملياً إلى تعميق صراع الرأسين بين حركتي "فتح وحماس"، بل ونقلته إلى طور أعلى بتحوله إلى صراع للاستحواذ على السلطة من داخلها، بعد أن اتخذ لسنوات طويلة شكل صراع بين "سلطة ومعارضة"، وهذه النقلة النوعية جعلت من حماس أحد طرفي الصراع، وليس مجرد طرف رئيس في المعارضة، كان يرفض وإلى وقت قريب دخول مؤسسات السلطة، ويحصر تعامله معها واعترافه بها بالحدود الدنيا.
المؤشر الخامس دعوة عباس في البدء إلى الاستفتاء على وثيقة "الوفاق الوطني" بتواقيع الحركة الاسيرة(فتح، حماس، ديمقراطية، شعبية، جهاد) يجب أن لا ينظر إليه من زاوية كونه تعبيراً عن قوة أو ضعف، بل كدليل على عمق المأزق وانعدام الخيارات الأخرى، انطلاقاً من تقديرات أن استمرار "لعبة" شد الحبل من الرئاسة وحكومة حماس لن تكون محسومة في صالحه، والاستفتاء وحده القادر على إخراجه من المأزق بأقل الخسائر، مستنداً في حساباته إلى التأثير الناتج عن استمرار الحصار المالي والسياسي لحكومة حماس. وهنا من الواضح أن عباس يدرك أن الاستفتاء سلاح ذو حدين، وأياً تكن نتائجه ستقلص من هامش مناوراته إلى حدود قصوى، فالتصويت بـ "لا" وإن كان هذا مستبعداً جداً، بل وشبه مستحيل، سيوجه ضربة قاصمة لبرنامج كل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والتصويت بـ "نعم" سيقيد حماس وفي ذات الوقت سيقيد حركة عباس ببرنامج سقفه أعلى من سقف أوسلو، الذي كان عباس أحد مهندسيه الرئيسيين، فضلاً عن كون هذا البرنامج يشترط إعادة الاعتبار للمكانة القيادية التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بناء مؤسساتها على أساس تعددي وديمقراطي انتخابي وفق قانون التمثيل النسبي الكامل، ورفض الحلول الجزئية التي انطلقت منذ اتفاق أوسلو 1993، ورفض الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب، والتمسك بحل شامل يقوم على أساس قرارات الشرعية الدولية.
ولعل المستفيد الأكبر من استفتاء كهذا هو فصائل م. ت. ف. والاتجاه الفتحاوي المعارض للسياسات الأوسلوية، وحتى لا يبدو التقديم السابق إسقاط ذهني يقدم على "صحن من ذهب" منجزاً كبيراً للفصائل والقوى المعارضة في م. ت. ف. لا بد من التأكيد على أن التزام عباس وقيادة حماس بنتائج الاستفتاء أمر مشكوك فيه، ومن شبه المؤكد سيفتح صفحة جديدة من الصراع.
من هنا تتأتى صوابية الطرح القائل بأن إعطاء الحوار مهلة أطول، في محاولة لحل القضايا المختلف عليها، خير من المضي إلى استفتاء قد يفضي إلى متاهة من تأويلات تغذي الصراع المحتدم على الأرض، فالقضايا المستفتى عليها لا تمس أمراً خلافياً طارئاً، بل ناتج عن مجموعة أخطاء سياسية وبرنامجية تدحرجت كما كرة الثلج، وتضخمت خلال الرحلة الأوسلوية، ما أدى إلى انسداد الأفق أمام النظام السياسي الفلسطيني.
وهناك ثمة أسئلة ستبقى معلقة ولن يستطيع الاستفتاء أن يجيب عليها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، هل المقصود بطرح القضايا الخلافية على الاستفتاء مجرد ممر إجباري للمناورة من قبل رئاسة السلطة الفلسطينية بعد أن انقطعت بها السبل ؟ أم انقلاب حقيقي في مفاهيمها مبني على استخلاص الدروس والعبر من وقائع الأعوام العشرة الأخيرة، والتي هي عمر السلطة الفلسطينية. وهل ستقر رئاسة السلطة بأن الاستفتاء يشمل الأسس التي قام بها اتفاق أوسلو ؟
وهل التركيز على الخلاف السياسي مع حماس على دور ومرجعية م. ت. ف. وعناصر برنامج القاسم الوطني، يلغي حقيقة أن تمسك فتح بالسلطة مكون رئيسي من مكونات الأزمة، ويثلم التجربة الديمقراطية ؟ وأين رأي فلسطينيي الشتات من الأزمة الناشبة، وحقهم في المشاركة بتقرير مصيرهم ومصير قضية شعبهم ككل، خاصة وأن أبو مازن يجاهر بعدم إمكانية وواقعية حق العودة ؟.
بعد أن اشتد الداء بالنظام السياسي الفلسطيني، فإن الاستفتاء تطبيق للمثل القائل "آخر العلاج الكيّ"، مع ملاحظة أن معالجة أصل الداء غير ممكن سوى بالالتزام بعلاج مكمن الداء، ألا وهو غياب دور المرجعية القيادية والتمثيلية الموحدة للفلسطينيين في الوطن والشتات، وتبعاً لذلك غياب البرنامج الوطني الواحد والموحِّد، المبني على القواسم الوطنية المشتركة.
ويبقى السؤال الأهم ماذا بعد الاستفتاء ؟ من الخطير إذا كانت نتيجة إيجابية أن تعتبر رئاسة السلطة الفلسطينية أنه انتصار لنهجها وتفسيراتها الخاصة لدور ومرجعية منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامج القاسم الوطني والتزاماتها المترتبة على اتفاقيات أوسلو، وإذا كانت النتيجة سلبية، وإن كان مستبعداً فمن الخطير أيضاً أن تعتبر حماس ذلك انتصاراً لخطها وبرنامجها المتشدد، والأخطر من كل هذا أو ذاك عدم حسم الصراع في وقت يدب فيه على الأرض برنامج حزب "كاديما" لتثبيت حدود توسعية جديدة لإسرائيل.
الخروج من حالة القطبية الثنائية والصراع على السلطة قد يكون غير ممكن من خلال الاستفتاء، لكن بالتأكيد قد يكون الاستفتاء هو آخر الخيارات للخروج من نفق الصراع القائم ليؤسس مرحلة من الصراع بأسس وشروط وأدوات جديدة، وإن بقي موضوعها يدور حول م. ت. ف. وبرنامج القاسم الوطني المشترك الغائب الأكبر من أوسلو حتى الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قمر الطائي من انطوائية وخجولة إلى واثقة بنفسها ??????


.. قصص مؤلمة في كل ركن.. شاهد ما رصدته CNN داخل مستشفى في قطر ي




.. بين طلبات -حماس- ورفض نتنياهو.. كيف يبدو مشهد مفاوضات وقف إط


.. ماذا يحدث على حدود مصر فى رفح..




.. اشتباكات في الفاشر تنذر بانطلاق المعركة الفاصلة بدارفور