الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوميديات أمّي … في عيد الأم (1)

فاطمة ناعوت

2020 / 3 / 29
الادب والفن


أمّي سيدةٌ جادّةٌ للغاية وصعبةُ المراس. نادرًا ما تضحك، قليلا ما تبتسم. في قاموسها: "كلُّ شيء في الحياة تقريبًا مضيعةٌ للوقت، ماعدا العلم والعمل). وأعجبُ الكوميديا وأعمقُها، لا تأتي إلا من أولئك الجادّين. ولأنني أؤمن بأن "الابتسامةَ" تُعدُّ لونًا من المقاومة، فقد قررتُ اليومَ، في ظلّ الوقت العصيب الذي يعيشه العالمُ في مواجهة فيروس كورونا، أن أهديكم شيئًا من "الابتسام" عبر هذا المقال، وأهديه لأمي في عيد الأم. سأقصُّ عليكم بعضًا من المواقف الكوميدية التي صنعتها أمي منذ طفولتي وحتى سنوات قليلة خلت.
فاتن حمامة … ومقلب جدّتي...
كانت أمي عاشقةً للجميلة "فاتن حمامة". في زفافها ارتدت أمي نفس موديل فستان زفاف فاتن حمامة في فيلم "سيدة القصر". وقررت أمي أن تسمي طفلتها "فاتن" حين يرزقها الله بطفلة. وبالفعل أسمتني "فاتن". كان جدي آنذاك يعمل مهندسًا معماريًّا في مدينة "جدّة" بالسعودية، وترافقه جدتي الجميلة. وفي زيارة لهما بالقاهرة، حملتني جدتي وقالت لأمي بأسى: (تعرفي يا سهير، لو كنتِ سميتي بنتك "فاطمة" على اسمي، كنت أتحمّل مصاريف تعليمها حتى الجامعة. ايه فاتن دي؟!) من فورها نزلت ماما وغيرت اسمي في الشهر العقاري من "فاتن" إلى "فاطمة”. منحتها جدتي هديةً كبيرة مكافأة. وبالطبع تبخّر وعدها بالإنفاق عليّ حتى الجامعة، كما وعدت. وشربت أمي أول مقلب، فصارت تناديني “فافي”، ليقف بين فاتن وفاطمة!
اللِّمضة...
كانت أكثر كلمة أسمعها من أمي وأنا طفلة: “يا لِمضة". وحتى الآن لم أعرف هل هي مديح أم ذمّ. تقولها أمي بغضب: “بطلي لماضة بقا!”، حين أرهقها بأسئلة وجودية كبرى لا تناسب طفولتي. ثم تقولها أمام صديقاتها ضاحكة بفخر: “فافي لمضة جدا!” حين أسأل نفس الأسئلة في حضورهن.
مستر "وليم" والعروسة...
وأنا طفلة في الصف الأول، فاجأني "مستر وليم" معلّم الإنجليزية بإهدائي دمية عروسة كبيرة وجميلة تتكلم الإنجليزية. طرت من الفرح. وظلّ مستر وليم يمنحني كل شهر هدية لتفوقي. وكنت مندهشة لأنه لا يمنح الهدايا لبقية التلاميذ المتفوقين! بعد أربعين عامًا، ذكرتُ هذا الأمر في مقال للتدليل على ذكاء المعلّم في اجتذاب الطالب للعلم. قرأتْ أمي المقال وضحكت كثيرًا. ثم أخبرتني أنها كانت تشتري الهدايا وتعطيها للمعلمين لكي يعطوها لي لتحفيزي للتفوّق.
أبي ومقلب الجروندج….
أهدى جدي تسجيل جروندج Grundig لأبي الذي يهوى الموسيقى والمسرحيات. سجّل أبي جميع أغاني أم كلثوم ومسرحيات فؤاد المهندس وشويكار، وكان يتباهى بما لديه من ثروة قيّمة. قامت أمي بمسح جميع ما سجّل أبي، وسجّلت دروس الإنجليزية لكي تشغلّها في البيت أثناء غيابها خارج المنزل فتجبرنا على المذاكرة. حين اكتشف أبي "الجريمة" انهار، وخاصمها.
أبي فوق الشجرة...
ذهبت أمي وأبي لمشاهدة فيلم "أبي فوق الشجرة"، واصطحباني. بعد مشاهد البحر والشماسي والرقص على البلاج، بدأ الفيلم يأخذ منعطفًا لا يناسب طفولتي، فأحسّت أمي بالخطر، وأخذتني في حضنها وقالت لي: (نامي! الفيلم بقا بايخ.)” قلت لها: (عاوزة أشوف عمّو لما يطلع فوق الشجرة.) قالت لي: (لما يطلع فوق الشجرة هاصحيكي.). استغرقت في النوم. وبين الحين والحين أصحو وأسألها: (طلع؟)، تقول لي: (لسه). بعد هذه الواقعة لم تصحبني أمي للسينما إلا لأفلام الأطفال والكرتون والأفلام الهندي. أذكر منها "الفيل صديقي.”
المقلمة الضائعة...
كنتُ دائمًا "أُضيّع" أشيائي في المدرسة. كل يوم أعود البيت دون المقلمة بما فيها من أدوات، وأتلقى عقابي. في أحد الأيام فاجأتني أمي بمقلمة شديدة الجمال وقالت لي: (المقلمة دي ملكك أنتِ، لو ضيعتيها أنت حرة مش هازعل، فهي لا تخصني بل تخصك أنت.) ربما كانت أمي تحاول زرع المسؤولية داخلي، وتغذّي داخلي الشعور "بالملكية" حتى أحافظ على أشيائي. فرحتُ جدا بفكرة أن المقلمة تخصني أنا وفقط. بمجرد دخولي المدرسة ركضتُ إلى الدادا وقلت لها: (خدي المقلمة دي يا دادا. دي بتاعتي أنا؛ ومن فضلك اديها لبنتك.) عدتُ إلى البيت بفرح وقلت لماما بكل فخر: (أنا مضيعتش المقلمة يا ماما. أنا اديتها لدادا عشان تديها لبنتها فريدة.) ولا أنسى ملامح وجه أمي وهي مصعوقة من نتيجة تجربتها العبقرية.
يوم الخميس بإذن الله، أكملُ لكم مواقفَ كوميديةً أخرى صنعتها أمي الجميلة. كل عام وكلّ أم جميلة، اللهم نجِّ العالمَ من جائحة كورونا اللعينة. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال


.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ




.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال


.. عمري ما هسيبها??.. تصريح جرئ من الفنان الفلسطيني كامل الباشا




.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك