الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة المثقف الحر

سمر يزبك

2006 / 6 / 10
حقوق الانسان


المثقفون سيضربون عن الطعام.
المثقفون الذين أدركوا أن انحيازهم للإنسان ودفاعهم عن حريته وكرامته، قد آن آوانه،
لن يكفيهم ليل السجن، بل سيتألمون نهاراتهم ولياليهم، جوعاً.
لا أعرف أي مشاعر اختلطت في روحي، بين الفرح والحزن، الخطيئة والعجز. وانا أقرأ هذا الخبر، شعور لا يشبه إلا الاحتضار، وهذا المدى المسدود على السراب، والذي يحاول المثقفون في سوريا، وبعناد، واصرار شجاع على خرقه، ليمهدوا الطريق نحو فتح ثغرة في جدار الظلام المطبق .
إنهم وراء قضبانهم، بين يدي الجلاد، لا يخشونه، يعبرون عن موقفهم، يعترضون وهم بين الأنياب، ونحن هنا في الخارج نتابع أخبارهم اليومية. أخجل من حريتي، وأنا أتلقف الشمس والضجيج والتلوث في دمشق، أخجل من اللقمات الصغيرة على طاولة طعامي، وأنا أتخيل ميشيل كيلو الرجل الستيني الهادئ، والصديق"الأب" الحاني، وهو جائع في زنزانته مع رفاق جوعه: علي العبدلله ، فاتح جاموس، أنور البني، محمد العبدالله، محمود عيسى، خليل حسن ، نضال درويش... وأخرين
أخجل من الخيانات التي نعتاد عليها كقهوة الصباح، بدءاً من علاقتنا بالكلمة، وانتهاء بالحب
اخجل من قلمي، وأنا احاول كتابة سطر جديد في روايتي
وتتبرأ مني المفردات
وتمارس علي سطوة، وغواية الجوع الذي سيعذبهم في سجونهم.
أخجل لأننا هنا، جالسون، لا نعبر عن موقف، معهم، ولو بكلمة، ولو بجنون ما، فكل ما سنفعله هنا متهم ضرورة بالجنون، أخجل أن اجلس في مقهى الروضة المحبب إلى قلبي في دمشق، والتقي بمثقفين ينتظرون وينتظرون، ويثرثرون ويخافون ويتوقعون، ويغتب بعضهم بعضا، ثم يرتشفون قهوتهم وذعرهم، ويتمادى البعض من أشباههم، والذين صنعتهم أجهزة الأمن، ويطلقون بياناً استنكاريا ضد اعلان _دمشق_ بيروت_ ويستجدون اطلاق سراح المثقفين، ويخونون في مقالاتهم كل مثقف خالفهم الرأي، يتحول المثقفون الى خونة، وسجانيهم الى حماة الوطن، هذا ما فعله المثقفون هنا ،فكيف لا أخجل؟
ولم يكن غريباً رؤويتهم وهم يصرخون كأبواق للسلطة، ويعمدون إلى تخوين المثقفين المعارضين علناً، وعلى شاشات الفضائيات بالأسماء، ودون أدنى خجل، ويتمادون كل يوم بتوجيه أصابع التخوين لكل من تسول نفسه أن يرفع قلمه في وجه آلة القمع، ولم يكن غريباً أن يصدروا بيانات التخوين ضد بعضهم البعض، لأنهم يتماهون مع الذات الكبيرة، ولا يمثلون أي قيمة خاصة بهم لوحدهم، الذات العليا، الواحدة الوحيدة التي يمشي كل شيء بأمرها، الذات التي صنعتها آلة الخوف، وصنعت منها الأقنعة، الأقنعة التي يتباهون بها لحصولهم على أكبر قدر من الحظوة والمنفعة الشخصية على حساب مصلحة سوريا، ولم يكن غريباً في السنوات الماضية أن يتحول القناع الى جزء من الوجه، عندما بدأ الحديث عن المثقف وهامشيته وعمالته، وتحويله الى قيمة فائضة عن الحاجة ، كما روجت السلطة لذلك، وكما روج المثقفين أنفسهم عن بعضهم البعض، فذلك ما أرادته السلطة وعملت عليه لعقود مضت، ليتحول الصوت المتفرد إلى حاجة منفرة في المجتمع، ومرتبطة بالكذب والخداع والحكي، ولأن الحكي والعقل والخيال، لا قيمة لها، فهذه المجتمعات بدورها، تجعل من المثقف لا قيمة له، ولكن هذه القيمة الجديدة للمثقف نهضت من جديد، وحاولت في السنوات الأخيرة استرداد دورها التاريخي، فالمثقف هو صاحب الدور الفاعل في تحريك المجتمعات الراكدة، وعلى المثقفين أن يكونوا أصحاب دور في بناء مجتمعاتهم، وعلى أصحاب الأقنعة أن يفهموا هذه القضية؛ ليس للعسكر الحق المطلق والوحيد في حكم المجتمع السوري، وليس لهم وحدهم حق الاحتفاظ بأرواحنا وحياتنا كحيوانات ضمن مزرعة كبيرة، وأصحاب الأقنعة الذين تحولوا الى آلة قمعية أشد فتكاً من الآلة العسكرية نفسها، لايتخلون فقط عن دورهم الإنساني الحقيقي الذي يتوجب عليهم كمثففين، وهو المطالبة بقيم الحق والحرية والجمال ، بل ويرسمون البشاعة، ويروجون ويجملون مواقف النظام المستبد، كان الأجدى بالنسبة للمثقفين الذين خونوا، وأصدروا بياناً ضد اعلان دمشق بيروت، أن يخجلوا من أنفسهم وهم يشهدون شجاعة السجناء الذين يعترضون بالجوع، ويدافعون عن حريتهم في الانتماء الى أفكارهم.
تحيةً.. لللمثقفين السوريين في سجونهم، وهم يعودون مع غيرهم، خارج القضبان، بالمثقف الحر والفعّال الى سوريا









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين