الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحاجة الى العلمانية لحماية الاسلام
محمد بودهان
2006 / 7 / 1ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
لقد كان من الصعب، إن لم يكن من المستحيل الكلام عن العلمانية ـ لا تسييس للدين ولا تديين للسياسة ـ بشكل صريح وواضح كشرط ضروري للديموقراطية الحقة،قبل أحداث 16 ماي الإرهابية، نظرا لانتشار الفكر الإسلاموي الظلامي الذي يكفّر العلمانية والعلمانيين. أما بعد 16 ماي 2003، فقد حلت عقدة الألسن فيما يخص الكلام، بالشكل الإيجابي عن العلمانية، وأصبحت موضوعا مطروحا للنقاش في الندوات والمناظرات وعلى صفحات الجرائد والمجلات.
لا يمكن إنكار أن العلمانية، بشكلها الحديث والواعي ـ أي غير العفوي والتلقائي الذي كان معروفا عند كثير من المجتمعات الإسلامية كالمغرب ـ والدستوري، ظهرت بأوروبا المسيحية. وهذا ما يستغله خصوم العلمانية ليقولوا، وبشكل مملول ومكرور، بأن هذه الأخيرة لم تظهر بأوروبا إلا كرد فعل ضد طغيان الكنيسة ورجالها الذين كانوا يمارسون، باسم هذه الكنيسة، رقابة شاملة على الأذهان والأبدان والضمائر. وهكذا تكون العلمانية قد ظهرت، حسب رأيهم، لتحرير الإنسان من استبداد الكنيسة.
أما الإسلام، حسب هذا التفسير لظهور العلمانية، فلأنه لا يتوفر على مؤسسة دينية تقوم بدور الوسيط بين العبد وربه، مثل مؤسسة الكنيسة في المسيحية، فلا يحتاج إطلاقا إلى علمانية ما دام أن هذه الأخيرة جاءت لتخلّص الإنسان المسيحي من استبداد هذه المؤسسة/الوساطة التي لا وجود لها أصلا في الإسلام. وبالتالي فلا وجود لأي مبرر لأي نوع من العلمانية في الإسلام. فالذي كان وراء نشأة العلمانية هو الكنيسة. وبما أن مثل هذه المؤسسة لا وجود لها في الإسلام، فلن يكون هناك ما يبرر قيام هذه العلمانية في الإسلام، لأن مع انتفاء السبب تنتفي نتائجه كذلك.
هذا هو مضمون استدلال الرافضين للعلمانية في الرد على من يدعو إليها ويدافع عنها في المجتمعات الإسلامية.
فحتى على فرض أن هذا الاستدلال صحيح جدا وحقا، وأن الإسلام يختلف بالفعل عن المسيحية في عدم وجود مؤسسة دينية تلعب دور الوسيط بين العبد وربه، وبالتالي فلا داعي لقيام علمانية كثورة على هذا الوسيط الذي تجاوزت سلطته كل الحدود، لتحرير الإنسان من بطشه واستبداده وابتزازه لتصبح علاقته بربه علاقة مباشرة وبلا وسيط، فحتى على فرض أن كل هذا صحيح، فإن الحاجة إلى العلمانية في مجتمع مسلم كالمغرب، كما سأطرح ذلك وأشرحه، ليس الدافع إليها (العلمانية) هو تحرير الإنسان من سلطة تلك المؤسسة الدينية/الوسيط التي لا وجود لها في الإسلام كما يدعي أعداء العلمانية، بل الدافع إليها، هو العكس من ذلك تماما: الدافع إليها هو تحرير الإسلام ـ وليس الإنسان ـ من استغلال هذا الأخير له واستعماله لأغراض سياسية ومصلحية. فإذا كانت غاية العلمانية ـ وسبب قيامها ـ في أوروبا المسيحية هي حماية الإنسان من الدين ممثلا في مؤسسة الكنيسة، فإن غاية العلمانية التي توجد المجتمعات الإسلامية، مثل المغرب، في أمس الحاجة إليها، هي حماية الإسلام من الإنسان، وليس العكس. نلاحظ إذن مدى الفرق، على مستوى الغايات والأسباب، بين العلمانية المسيحية والعلمانية الإسلامية، وإن كانت النتائج واحدة: لا تسييس للدين ولا تديين للسياسة.
أعرف أن الإسلامويين المكفرين للعلمانية يرون في عبارتي "عَلمانية إسلامية" أو "الحاجة إلى علمانية لحماية الإسلام" تناقضا مستفزا ومنفرا لأنهما تعنيان بالنسبة إليهم: "الكفر الإسلامي"، "الكفر من أجل حماية الإسلام"، لأنهم يعتبرون العلمانية كفرا وتحللا من أي دين وعقيدة.
لماذا الحاجة إلى علمانية من أجل حماية الإسلام؟ هل الإسلام في خطر يتطلب تدخل العلمانية لحمايته؟
نعم لقد أصبح الإسلام رهينة حقيقية، أكثر مما كانت عليه الديانة المسيحية على يد الكنيسة في القرون الوسطى، في يد أصحاب الإسلام السياسي ومختلف الجماعات الإسلاموية الظلامية، التي تستعمله كوسيلة لتحقيق مشروعها السياسي. وبما أن هذه الجماعات الظلامية المتطرفة تمارس الإرهاب باسم الإسلام "الحق"، كما تريده وتفهمه هي، فإن الإسلام هو نفسه الذي أصبح "دينا إرهابيا" يأمر بالقتل ويدعو إلى زرع الموت الذي يسميه الإرهابيون "بالجهاد". ولا يهم تبيان أن الإسلام بريء من تهمة الإرهاب وأنه، على مستوى المبادئ، دين يسر يدعو إلى التسامح وحسن المعاملة وعدم الإكراه. إن الذي يهم هو الجانب "العملي" في الإسلام، كما يجسده سلوك الإسلامويين الذين يعترفون جهرا أن الإسلام يحض على الإرهاب (هكذا يفسرون عبارة "وأرهبوهم" الواردة في القرآن) ويدعو إلى التشدد ـ وليس التسامح ـ مع الكفار.
للأسف الشديد أن عبارة ماركس، "الدين أفيون الشعوب"، أصبحت تصدق على الإسلام أكثر من أي دين آخر، بعد أن عبث به وشوهه الإسلامويون. فالأفكار الخاطئة التي ينشرها هؤلاء عن الإسلام أصبحت كأفيون حقيقي يخدر العقول والنفوس بما ينشره من فكر لاعقلاني معادٍ لكل حداثة وتقدم. ألم يكن أولئك الشباب الذين فجروا أنفسهم يوم 16 ماي ضحية ذلك الأفيون الإسلاموي الذي غسل أدمعتهم وخدر عقولهم؟
فهذا الإسلام الذي حوله تسييس الإسلامويين له، إلى دين مخيف مرهب ومنفر، يعادي المرأة ويحجبها، ويحارب الجمال والفن والحياة ويمجد قيم الموت والعنف والتقتيل، أليس في حاجة إلى من يحميه ويحرره من هؤلاء الأشرار الذين استولوا عليه واختطفوه يستعملونه كريهنة يبررون به جرائمهم وإرهابهم وتكفيرهم لمن يخالفهم الرأي؟
هذا الذي يحرره ويحميه هو العلمانية التي تمنع تسييس الدين وتديين السياسة. إن هذا الفصل العلماني بين مجالي الدين والسياسة هو فصل بين الإسلام كدين، وبين الحركات السياسية الإسلاموية التي تستخدم الدين للوصول إلى السلطة باستعمال العنف الذي تجد سندا له في الدين كما تفهمه وتؤوله خطأ.
من السهل الاعتراض بأن العلمانية، بما أنها نوع من "خوصصة" الدين، ستشجع أكثر ـ وتبرر أكثر ـ على تحويل الدين عن مقاصده الروحية إلى استعمالات سياسية ومصلحية من طرف كل من هب ودب ما دامت العلمانية تعني وتضمن حرية التدين و"خوصصة" العقيدة. ولذا يقترح أصحاب هذا الاعتراض مزيدا من إضفاء الطابع الدولتي Etatique والعمومي Publique على الدين وتقوية ـ في حالة المغرب ـ مؤسسة إمارة المؤمنين لقطع الطريق على كل حركة قد تستغل عدم وجود مؤسسة دينية مركزية للسطو على الدين للعبث به باستعماله لأغراض سياسوية.
إن هذه النظرة إلى العلمانية تتجاهل أن أخص ما يميز العلمانية هو عدم تسييس الدين ولا تديين السياسة. أما إذا استعملت العلمانية لقيام حركات سياسية على أساس ديني فلن نكون أمام أية علمانية. ومن جهة أخرى، فإذا كانت العلمانية تسمح بحرية التدين وتضمنها وتحميها، فإن هذه الحرية هي ـ وهذا هو شرط العلمانية ـ حرية شخصية أساسها احترام الحريات الدينية للآخرين. فبدون هذا الاحترام لمعتقدات الآخرين، لن تكون هناك أية حرية للتدين، وبالتالي لا وجود لأية علمانية. قد يكون هناك تعدد في الآراء والقناعات الدينية، لكنها تبقى شخصية ـ كما قلت ـ ولا علاقة لها بأي مشروع سياسي. أما أن يحاول أصحاب هذه الآراء والقناعات الدينية فرضها على الآخرين كقواعد عامة وإلزامية تستعمل العنف والإكراه البدني لحمل الآخرين على تبنيها واعتناقها، تطبيقا لـ"لأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وممارسة "للجهاد"، كما تدعي وتفعل الجماعات الإسلاموية، كما في الجزائر ومصر وفي أحداث 16 ماي بالدار البيضاء، والأنظمة الدينية التيوقراطية، كما في إيران والسعودية والسودان والنظام السابق للطالبان. فبمجرد التدخل في حرية الاعتقاد لدى الآخر، تنتفي العلمانية لأنها هي أصلا وأساسا هذه الحرية الشخصية في الاعتقاد والتدين.
فالمؤمن ـ المسلم أو المسيحي أو اليهودي أو البوذي ـ من حقه مثلا أن ينصح الناس بالصلاة في إطار ما ينبغي أن يكون حسب اعتقاده وتصوره. أما أن يسعى إلى فرض الصلاة بالقوة والعنف والإكراه البدني وتكفير من لا يصلي، فهذا ما يضفي على قناعاته الدينية طابعا سياسيا لأنه يريد جعلها عامة وملزمة للجميع معتمدا وسائل تستعملها السلطة العمومية والسياسية، مثل العقاب والإكراه البدني. وهكذا تصبح معتقداته الدينية قواعد عامة يجب على المواطنين الالتزام بها وإلا تعرضوا للعقاب، كما تفعل السلطة العمومية في إيران والسعودية مثلا. لهذا نجد أن الغاية القصوى لكل الجماعات الإسلاموية هي الوصول إلى السلطة السياسية لاستعمال وسائل الإكراه التي توفرها هذه السلطة لفرض فهمها للدين على المجتمع كعقيدة للدولة. فالإلزام والإكراه في الدين يتعارضان إذن مع مفهوم العلمانية الذي يقوم على حرية التدين التي تتنافى مع الإكراه والإلزام.
وكما أن الدولة الدينية ـ التي تدمج الدين في السياسة والسياسة في الدين ـ تضع قوانين ـ دينية طبعا ـ تنظم بها ممارسة الدين حسب تصور تلك الدولة، الذي هو في الحقيقة تصور طبقة من رجال الدين سيطرت على الحكم، فكذلك الدولة العلمانية تشرّع قوانين تنظم بها ممارسة الدين، والتي تتمحور بالخصوص حول حماية وضمان حرية التدين، مثل ما تنص عليه الفقرة الأولى من الفصل 220 من القانون الجنائي المغربي، والتي تقول: «من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها؛ أو لمنعهم من ذلك، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائة إلى خمسمائة درهم». فهذا نص قانوني علماني بامتياز يضمن ويحمي حرية التدين في أجلى صورها، إذ يعاقب كل من يمس بحرية التدين، سواء بمحاولة إلزام الآخرين بممارسة تدين ما، أو بمنعهم من ذلك.
أما تقوية إمارة المؤمنين بدعوى قطع الطريق على تنامي المذاهب الدينية المتطرفة أو المستوردة، فلن يزيد سوى من تقوية الطابع التيوقراطي للدولة، والذي يفسر (الطابع التيوقراطي) تنامي الجماعات الإسلاموسة "الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر" طبقا للدين الإسلامي الذي هو دين الدولة حسب الدستور. فتقوية مؤسسة إمارة المؤمنين كمصدر وحيد للمشروعية الدينية، وبالتالي تعزيز الطابع الديني للدولة، يجعل هذه بين أمرين أحلاهما مر:
1 ـ إما أن تتحول إلى دولة دينية بشكل صريح وواضح فتطبق قوانين الشريعة كما في إيران والسعودية والنظام السابق للطالبان، وهذا ما تريده وتطالب به الجماعات الإسلاموية. وفي هذه الحالة لا يختلف الأمر عن استيلاء تلك الجماعات نفسها عن مقاليد الحكم ما دامت النتيجة واحدة، وهي تطبيق الشريعة بشكلها الطالباني المتشدد.
2 ـ وإما استمرار تلك الجماعات الإسلاموية في منازعة الحكم ومنافسته، متهمة السلطات وكل من يواليها بالابتعاد عن روح الإسلام ومخالفة الدستور ـ نعم هي تعرف كيف تستغل كل شيء ـ الذي ينص على أن المغرب دولة إسلامية، معلنة "الجهاد" على النظام والسلطات العمومية باسم الإسلام الحق التي نصبت نفسها ممثلة له وناطقة باسمه، كما رأينا ذلك مع السلفية الجهادية "وجهادها" الذي بلغ ذروته في أحداث 16 ماي 2003.
من جهة أخرى، إذا كان من الممكن أن نجد دولا علمانية لكنها متخلفة وغير متقدمة، فإن العكس غير صحيح، أي لا يمكن أن نجد دولا ديموقراطية ومتقدمة، لكنها غير علمانية. وهذا يبين أن العلمانية شرط ضروري للديموقراطية والحداثة والتقدم الاجتماعي والاقتصادي.
وعندما نطالب بالعلمانية، فلا يعني أننا نطالب بشيء غريب عن مجتمعنا وتاريخنا. فقد كان المجتمع المغربي علمانيا في تعامله مع الدين قبل الاستعمار الفرنسي الذي رسخ وقوى الطابع الديني الإسلامي للدولة المغربية. فالعلمانية كانت حاضرة وممارسة في المجتمع المغربي السابق عن الاستعمار، كما تبين ذلك مؤسستا "أمغار" و"آيث أربعين" ـ برلمان كنفيديرالية القبائل ـ الأمازيغيتان. فلم يكن يشترط في انتخاب أمغار لتسيير شؤون القبيلة ولا أعضاء "آيث أربعين" لتسيير شؤون اتحادية القبائل، أن يكونوا فقهاء أو أئمة أو علماء دين عارفين بتطبيق الحدود الشرعية وبالحلال والحرام بمعناهما الدينيين. وكانت هاتان المؤسستان، ذات الطبيعة الاجتماعية السياسية، تتخذ قراراتها، ليس في ضوء ما يقوله الإسلام في الموضوع، بل بناء على المصالح الدنيوية والظرفية للجماعة أو القبيلة. أما المؤسسة الدينية التي كان يمثلها الفقيه فلم يكن لها دخل في ذلك من قريب ولا من بعيد، بحيث كانت مهمة الفقيه مقصورة على تعليم القرآن للصغار والإعلان عن مواقيت الصلاة وتجهيز الميت وتأبينه.
ولا شك أن المعادين للأمازيغية يخافون في الحقيقة من الديموقراطية والعلمانية المرتبطتين بالأمازيغية منذ القدم. وبما أن الكثير من هؤلاء اتخذوا من الدين مصدرا لنفوذهم المادي والرمزي، فمن الصعب عليهم أن يقبلوا بعلمانية تجردهم من هذا "الرزق" ومن هذه "الثروة". لهذا فهم يرفضون العلمانية جاعلين منها مرادفا للإلحاد والكفر حتى ينفروا الناس منها.
في الحقيقة، لو كانت لهؤلاء غيرة حقيقية على الإسلام لرحبوا بالعلمانية التي بفضلها انتشر في مجتمعات مسيحية وبوذية: فلو أن هذه المجتمعات كانت ترفض العلمانية، وبالتالي تمنع حرية التدين، لما اختار مواطنوها اعتناق الإسلام بالملايين، ولبقي الإسلام محصورا ومحدودا في الدول الإسلامية المعربة فقط. فعلى هؤلاء أن يشكروا العلمانية التي بفضلها أصبح الإسلام هو الديانة الثانية في العالم.
.
لا أبالي إذا كنت في جانب والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقني أشد الأرق، أن لاتصل هذه الرسالة إلى من قصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح، وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة، وأنصار الحكمة لا محبي الحكم، وأتوجه إلى المستقبل قبل الحاضر...، ولا ألزم برأيي صديقا يرتبط بي، أو حزبا أشارك في تأسيسه، وحسبي إيماني بما أكتب، وبضرورة أن أكتب ما أكتب، وبخطر أن لا أكتب ما أكتب...." (شهيد العلمانية : د.فرج فودة)
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الدبلوماسية الأمريكية: أي أمل لغزة ولبنان؟ • فرانس 24
.. هاريس - ترامب: أيهما أفضل للعالم العربي والمنطقة؟
.. تونس: ماذا وراء حبس -صنّاع محتوى- بتهم أخلاقية؟ • فرانس 24 /
.. ما أسباب توقيف طالب فرنسي في تونس بقرار من القضاء العسكري؟
.. تونس: السجن أربع سنوات ونصفا لناشطة تونسية على إنستغرام بتهم